الانتخابات العراقية: أماني خامنئي والحرس الثوري تتبخر

نوري آل حمزة
حجم الخط
0

تصاعدت وتيرة التطورات في بغداد بعيد الانتخابات النيابية ويبدو أن الوضع مرشح للتطور أكثر فأكثر. وتعد محاولة اغتيال رئيس وزراء العراق التطور الذي وضع فصائل الحشد الشعبي في قلب الحدث، بصفتها المتهمة الرئيسية. وقبل ذلك ومع الأخذ بالحسبان تفهم الولايات المتحدة والعمل على سحب قواتها من العراق، أصبح التموضع الأساسي للسياسيين الوطنيين العراقيين مجابهًا الجماعات الموالية لنظام إيران، في محاولة نحو الحد من تدخلات الحرس الثوري الإيراني الذي حاول منذ 2003 حتى اليوم أن يصبح جزءا من الواقع العراقي سياسيا واجتماعيا.
وحاول نظام إيران ان يقتدي بنموذج حزب الله ويستنسخه في العراق. إلى ذلك استغلت طهران الحرب الأهلية وحضور «داعش» على الأراضي العراقية كي تعزز وجودها العسكري والأمني عبر استحداث ميليشيات مسلحة عقائدية تأتمر بأمرها. وهذا ما جعل نظام الحكم في العراق أسير الميليشيات التي تشابكت بشكل عنكبوتي في المؤسسات العراقية السياسية وغيرها الأمر الذي أضعف الدولة، حتى فقدت سيطرتها الأمنية على عدة مواقع وفي أحداث عديدة. وكما عمل حزب الله في لبنان حاول الحشد الشعبي إجهاض الحكومات العراقية مقتديًا بتجربة حسن نصر الله في إضعاف الدولة في لبنان وخلق دولة موازية تأتمر من طهران.
في هذا السياق عززت إيران قوة الحشد الشعبي العسكرية والأمنية وصولًا إلى تزويده بسلاح متطور كالطائرات المسيرة بحجة محاربة «داعش».
وكنتيجة طبيعية وانعكاسًا لانتفاضة تشرين العراقية حدثت شبه مقاطعة للانتخابات البرلمانية في العديد من المدن التي تقطنها أغلبية شيعة في العراق وهكذا خسرت إيران قاعدتها التي استغلتها طيلة السنوات الماضية لمصالحها العقائدية والقومية معًا.
وبخسارة الحشد الانتخابات البرلمانية، ظهر غضب إيران، وحاولت ميليشيات عصائب أهل الحق وكتائب حزب الله، أي القوى الأكثر ولاء لإيران أن تجتمع في إحدى بوابات المنطقة الخضراء، طامحة بتغيير نتيجة الانتخابات لصالح الحشد عبر فرض إعادة فرز صناديق الاقتراع، وذلك بعد تجمعات في النجف وكربلاء وبغداد. وبعد مرور أيام وسقوط ضحايا من دون نتيجة ملموسة، وزيارة مقتدى الصدر بغداد ولقاءه سياسيين وعدم اخذه بالاعتباره محاولات سفارة إيران في بغداد للتأثير على نتائج الانتخابات، أقتنعت قيادات الحشد الشعبي أن مطالبهم لن تتحقق بالضغط العادي، فكثفت من هجماتها على الحكومة العراقية.
وفي مثل هذه الأجواء، تعرض الكاظمي لهجوم في عملية استهدفت مقر إقامته. ووضعت عملية الاغتيال الفاشلة، التي أصابت عددًا من القوات الأمنية بجروح خطيرة، وضعت الحشد الشعبي وأنصاره في موقف أكثر صعوبة.
وتساءل البعض في البداية عن مبدأ الاغتيال، بعد عرض الفيلم والصور ذات الصلة، ومنهم من طرح نظرية مؤامرة مفادها أن قوى محلية وأجنبية معارضة لما أسموها «المقاومة العراقية» كانت وراء عملية الاغتيال.
حتى أن أبو علي العسكري عضو كتائب حزب الله العراقية الذي سبق وهدد رئيس الوزراء، بات يتهم كاظمي بالرغبة في لعب دور الضحية.
وقال: «إذا أراد شخص ما إيذاء الكاظمي، فهناك طرق أقل تكلفة وأكثر أمانًا لتحقيق ذلك».
وفي بيان مماثل، قال علي شمخاني سكرتير مجلس الأمن القومي الإيراني ان محاولة اغتيال الكاظمي فتنة جديدة أشعلها أعداء العراق وإيران. كما شككت صحيفة «كيهان» التابعة لإدارة شؤون المرشد الأعلى علي خامنئي، منسجمة مع بعض قوات الحرس الثوري و «الباسيج» في أن يكون اغتيال كاظمي «استعراضًا».
ويرجح العشرات من الخبراء الإيرانيين أن الأمر باغتيال الكاظمي قد صدر من قبل رأس النظام في إيران.
حيث ان إرسال طائرات مسيرة حلقت على ارتفاعات منخفضة، لم يتمكن نظام الرادار العراقي ودرع الدفاع الصاروخي من اكتشافها، تؤكد لأي محلل سياسي وأمني أن هذه القدرات العسكرية والمخابراتية هي تحت تصرف الفصائل العراقية الموالية لإيران.
وهناك من يؤكد أن محاولة اغتيال الكاظمي تتشابه تمامًا وعملية اغتيال رفيق الحريري، وقد يترتب عليها نفس السيناريو، حيث تدويل القضية سوف يؤدي إلى معاقبة جماعات إيران في العراق وإنهاء التأثير الإيراني والتخلص من وجود ميليشيات تابعة للحرس الثوري في العراق.
ويؤكد محللون سياسيون ان السبب الأهم في فكرة اغتيال الكاظمي هو محاولة إيران الخروج من المستنقع الذي وقع به الحرس الثوري وحلفاؤه في العراق. وبالرغم من انهم يعلمون جيدًا ان إعادة فرز صناديق الاقتراع لن يغير من واقع نتائج الانتخابات إلا أن هدفهم الرئيسي يتمحور في ان يكون لهم وزن ثقيل في الحكومة العراقية المقبلة تحت مسمى حكومة وحدة وطنية وما شابه ذلك، غير آبهين بهزيمتهم الكبيرة في الانتخابات! وبعيد فشل عملية الاغتيال حصدت مخططاتهم نتائج عكسية، حيث أرتفع صوت الشعب العراقي بين مطالب بتهميش الحشد وانحلاله تمامًا.
ومن جهة حذر مقتدى الصدر قائلا إن الحشد الشعبي يجب أن يحرص على تاريخ الجهاد وهويته وألا يشوه اسمه بأمور أخرى.
ولدى الحشد الشعبي الآن خياران لتجنب التهميش في الحكومة العراقية المقبلة، وكلاهما يواجه مخاطر وعقبات كبيرة. الأول هو الدخول في حرب أهلية للإطاحة بالحكومة العراقية، وهذا يشبه ما فعلته طالبان في أفغانستان. ومع ذلك، نظرًا لمعارضة آية الله السيستاني، والتكوين الديني والعرقي المتنوع للعراق، ووجود الجماعات الشيعية المعارضة للحشد، فمن غير المرجح أن ينجح هذا السيناريو. والثاني من المرجح أن يعمل الحشد بقيادة الحرس الثوري الإيراني من داخل نظام الحكم العراقي، على زعزعة استقرار الحكومة عبر الاغتيالات وترهيب التكنوقراط المساند أو الفاعل مع الحكومة العراقية.
وقد تواصل فصائل الحشد توسيع هجماتها على المنطقة الخضراء من أجل الابتزاز وفرض مطالبها خارج أعراف الديمقراطية.
قد يشهد العراق مرة أخرى ظهور جماعات متطرفة على شاكلة داعش والقاعدة مدعومة سرًا من قبل الحرس الثوري.
كما تبقى قوى الفصائل العراقية الولائية تعمل على تحقيق أماني طهران في السيطرة على كريدور البصرة- بغداد – القائم – دمشق – بيروت بغية استقرار الحرس الثوري على سواحل المتوسط. وبالمقابل أصبحت قطاعات من المجتمع السياسي العراقي أكثر صحوة فيما يتعلق بمعارضة تدخل إيران في البلاد. ومن المرجح أن رئيس وزراء العراق القادم سوف يبتعد عن إيران وينسق أكثر مع السعودية والولايات المتحدة وحلفائها، الأمر الذي قد يساعد البلد على الخروج من عباءة إيران ويساند شعب سوريا في نضاله وكذلك يضعف حزب الله في لبنان.

كلمات مفتاحية

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إشترك في قائمتنا البريدية