من المبكر معرفة خطط النظام لمنطقة دير الزور، لكن من الواضح أن همه الأساسي يتركز على قضية الموارد، وتحديدا النفط، ويسعى للسيطرة عليها بدون ربطها بالعملية السياسية.
ركز النظام السوري جهده على عملية المصالحة أو التسوية في دير الزور كما يفضل تسميتها، وقاد حزب البعث ووجهاء العشائر ومديرية الأوقاف حملة عودة المتخلفين عن الخدمة الإلزامية والفارين إلى مناطق سيطرة قوات سوريا الديمقراطية «قسد» على الضفة اليسرى لنهر الفرات ومناطق سيطرة الجيش الوطني المعارض. وافتتح النظام مراكز تسوية في عدة مناطق أبرزها مكتب التسوية في مدينة دير الزور.
ورصدت «القدس العربي» أنشطة فرع حزب البعث المتعلقة بالتسويات على الصفحات الرسمية والشخصية للفاعلين على موقع التواصل الاجتماعي «فيسبوك» وافتتح النظام السوري مركزا لتسوية أوضاع المطلوبين والعسكريين الفارين والمتخلفين عن الخدمتين الإلزامية والاحتياطية (الخدمة العسكرية في جيش النظام) يوم 14 تشرين الثاني (نوفمبر) في مبنى الصالة الرياضية في دير الزور، تزامناً مع احتفالاته بذكرى الحركة التصحيحية عام 1970 وهي الانقلاب الذي استولى به الرئيس حافظ الأسد على السلطة، بعد اعتقال وسجن رفاقه بالقيادة القطرية لحزب البعث، أبرزهم الرئيس نور الدين الأتاسي والدكتور جابر زعَين واللواء صلاح جديد.
ويعمل مركز التسوية على تجديد تأجيل التحاق المتخلفين عن الخدمة أو إعطائهم فرصة للالتحاق، ويشرف رائد الغضبان الذي يشغل عضوية اللجنة المركزية لحزب البعث وأمين فرع الحزب في محافظة دير الزور، على متابعة عمليات التسوية. ويسخر حزب البعث كوادره على مستوى الفرق لمحاولة إظهار صورة الإقبال على عمليات التسوية. كما يقوم أعضاء الفرع بجولات يومية لمحاولة دفع الناس والأهالي للاتصال بأقاربهم في مناطق سيطرة «قسد» والمعارضة من أجل تسوية أوضاعهم. ومن أبرز الفاعلين البعثيين في ذلك، صالح الدندل رئيس مكتب المنظمات، ورائد المحمد رئيس مكتب الإعداد ونسرين الضويحي رئيس مكتب التربية والطلائع، وحسان العلي أمين شعبة المدينة الأولى.
زخم التسوية ذلك، أفقد حماسة المترددين أساسا بعد اعتقال قوات النظام أربعة شبان من بلدة جديد العكيدات، كانوا متوجهين إلى مركز التسوية في الصالة الرياضية، يوم الاثنين الماضي، بعد يومين من افتتاح المركز المذكور.
في الحملة، انضمت مديرية أوقاف دير الزور إلى دعم النظام في الترويج لعملية تسويات أوضاع المطلوبين، وعممت المديرية على خطباء مساجد المحافظة تخصيص خطبة يوم الجمعة (الأسبوع الماضي) لحث الناس على الاتصال بأقاربهم في مناطق سيطرة «قسد» والطلب منهم العودة وتسوية أوضاعهم الأمنية. وفي خطبة مدير أوقاف دير الزور التابعة للنظام السوري، حث الشيخ عبد الهادي العبوش مدير أوقاف المحافظة على عودة المطلوبين أمنيا وتسوية أوضاعهم، وأعلن الشيخ ذلك في خطبة افتتاح الجامع الكبير في مدينة البوكمال شرق دير الزور.
أمنيا، يقود فرع المخابرات العامة «أمن الدولة» عمليات التسوية للراغبين، ويسعى العميد عبد الكريم حمادة، رئيس فرع الأمن إلى إنجاح عملية التسوية ويعتمد على شيوخ العشائر والوجهاء المحليين في دير الزور إضافة لاعتماده على رجال الدين والفرق الحزبية المحلية. ويرتبط العميد بعلاقة قوية مع عدد من الوجهاء ومنهم الشيخ نواف راغب البشير شيخ قبيلة البكارة. وينحدر العميد حماد من عشيرة السخانة ويقيم في دير الزور، وهذا ما يسهل مهتمه وتحركه في الأوساط الشعبية والعشائرية في المدينة باعتباره يدرك مفاصل القوة لدى أبناء المنطقة الشرقية. وهذا ما يفسر قوة حملة التسوية، بغض النظر عن نجاحها من عدمه. إذ يدرك الضابط العسكري المخضرم أن ثالوث العشيرة- الحزب- رجال الدين هي صاحبة القوة في المنطقة الشرقية. وهذا ما دفعه إلى إحياء دور المؤسسة الدينية المتمثلة بمديرية الأوقاف بعد نسيانها تماما منذ انطلاقة الثورة السورية عام 2011. هذا ولم يمكن الشيخ نواف البشير، رجل العشيرة الوحيد الذي تم الاعتماد عليه، فاعتمد على الشيخ فواز الوكاع والشيخ غديف الهليل الموالين للأسد والمرتبطين امنيا بأفرع الأمن.
مؤخرا، وبعد تحقيق التسوية النهائية في درعا، يركز النظام السوري على تقوية وجوده في المنطقة الشرقية، من خلال دعم عملية عودة الهاربين من عسف النظام إلى «حضن الوطن». ويعمل على المستويين الأمني والعسكري لتعزيز وجوده هناك. فقد زار العميد غسان بلال المسؤول الأمني في «الفرقة الرابعة» قوات خاصة التي يقودها اللواء ماهر الأسد، شقيق رئيس النظام السوري دير الزور قبل عشرة أيام، واجتمع مع القيادات العشائرية فيها، بهدف زيادة منتسبي العشائر إلى ميليشيات الفرقة، وبحث خطط استعادة السيطرة على بعض حقول النفط في مناطق سيطرة «قسد». وبعد أيام قليلة من زيارة العميد بلال، توجه اللواء حسام لوقا، رئيس إدارة المخابرات العامة «أمن الدولة» إلى دير الزور أيضا، أجرى خلال زيارته اجتماعات على عدة مستويات تتطابق مع توجهات العميد رئيس فرع أمن الدولة، فالتقى لوقا بقيادة فرع حزب البعث والقادة البعثيين المحليين ورجال الدين، وخص شيوخ العشائر وعلى رأسهم الشيخ نواف البشير باجتماع منفرد، حسب مصادر «القدس العربي».
ويحاول الشيخ البشير لعب دور قيادي في دير الزور على المستوى الأمني والعسكري، فقد تقدم مطلع الشهر بمقترح للقيادة الروسية لانتشار قواته في المنطقة الواقعة تحت سيطرة «قسد» غرب دير الزور، حسب ما أفادت شبكة أخبار «دير الزور 24» المحلية. وتقدم البشير بطلبه في مركز المصالحة الروسية في بلدة حطلة قرب دير الزور. وبرر الجنرال الروسي قائد المركز رفضه بعدم الموافقة الأمريكية على دخول أي قوة تابعة لإيران حسب التفاهم الروسي الأمريكي ـ على اعتبار أن ميليشيا البشير تتبع للحرس الثوري الإيراني، وان التفاهم يقتصر على تسيير الدوريات فقط.
من جهة أخرى، تمضي إيران بأعمالها المدنية والعسكرية بعيدا عن خطوط الجبهات، فتقوم بترميم الحدائق وتفتتح أفرع للمركز الثقافي الإيراني وتفتتح دورات تعليم اللغة الفارسية وتقدم المنح الدراسية للطلاب المتفوقين، وتوزع السلل الإغاثية لمنتسبيها وتقدم الخدمات الصحية لأسر المقاتلين في مستشفيات خاصة سابقة، استولت عليه ورممتها. ووظفت كوادر طبية محلية واستقدمت أخرى من إيران بسبب النقص الحاد في الكوادر الطبية وارتباط المتبقي بمراكز النظام الصحية. وتقوم بتزفيت الطرق داخل دير الزور وتحديدا في حي الجورة والمربع الأمني لقواتها.
على الصعيد العسكري، تعزز من قواتها على طريق تدمر- دير الزور وتنشر مزيدا من النقاط بهدف تأمينه في الخواصر الضعيفة في كباجب والشولا والسخنة. حيث استقدمت تعزيزات من قوات حزب الله العراقي. كما تعزز بادية الميادين بقوات إضافية بعد تزايد هجمات تنظيم «الدولة الإسلامية» وتقيم مخافر متجاورة على الطرق الفرعية بهدف تأمين الطرق ومنع نصب مقاتلي التنظيم للكمائن ضد عناصرها.
من المبكر معرفة خطط النظام السوري لمنطقة دير الزور، لكن من الواضح أن همه الأساسي يتركز على قضية الموارد، وتحديدا النفط. ويسعى النظام للسيطرة عليها مجددا بدون ربطها بالعملية السياسية، مثل ما تشتهي «قسد».