هل بدأت الإمارات تغيير بوصلتها الجيوسياسية تحسبا للتغيرات التي بدأ العالم، خاصة منطقة الشرق الأوسط، يشهدها؟ إنه السؤال الذي يتبادر إلى ذهن أي متتبع وهو يراقب كيف أصبحت دبلوماسية هذا البلد الخليجي تحط الرحال في الدول التي كانت حتى الأمس القريب جدا في خانة الأعداء مثل، تركيا وإيران والصين، بل سوريا كذلك.
وخلال الشهرين الأخيرين، بدأت دبلوماسية الإمارات، ونعني في هذا الصدد مركز ثقل القرار أبوظبي، في تنفيذ أجندة دبلوماسية تعتبر غريبة عن الأجندة التي سادت على الأقل خلال الخمس سنوات الأخيرة، إذ لم تعد واشنطن قبلة رئيسية ولا القاهرة وجهة مهمة، ولا الرياض محطة الاستشارة الرئيسية قبل اتخاذ قرارات كبيرة واستراتيجية.
وهكذا، كشفت الولايات المتحدة منذ أيام عن بناء الصين ما يشبه قاعدة عسكرية في الإمارات العربية، وانفردت «ووالت ستريت جورنال» بهذا المعطى المهم جدا، مضيفة التحذير الذي وجهه الرئيس الأمريكي جو بايدن شخصيا إلى ولي عهد أبو ظبي محمد بن زايد. وقرار الإمارات يعتبر مثيرا للغاية، فهو يتعارض ومصالح الولايات المتحدة، التي تسعى جاهدة إلى محاصرة النفوذ الصيني، الذي يهدد عرش واشنطن كقوة أولى في العالم. وتدرك أبوظبي استحالة وجود قوة ستحرم الصين من الريادة العالمية خلال عقد أو عقدين. في هذا الصدد، تقتفي خطوات إسرائيل، التي بدأت في إقامة لوبي يهودي – صيني خلال السنوات الأخيرة، يشبه عملية انتقال اللوبي اليهودي من بريطانيا إلى الولايات المتحدة بشكل صامت، بعد الحرب العالمية الأولى، ثم بشكل كبير بعد الحرب العالمية الثانية، بعدما أدرك اليهود انتقال ثقل العالم من أوروبا إلى الولايات المتحدة. في الوقت ذاته، تدرك الإمارات أن الصين ستكون الدولة الأكثر استهلاكا للنفط الخليجي ومنه الإماراتي مستقبلا، في ظل استغناء الولايات المتحدة عن النفط الخليجي. وعليه، جزء من مستقبل الإمارات قائم على نوعية العلاقات التي ستقيمها مع الصين. علاوة على وعي أبوظبي باستحالة وجود مستقبل في القارة الآسيوية والشرق الأوسط، بعيدا عن طريق الحرير الذي تشيده الصين منذ سنوات. وإدراكا منها بصعوبة شن الغرب حربا ضد إيران، لاسيما في ظل تسليح الصين وروسيا لهذا البلد، علاوة على الاتفاق الاستراتيجي الموقع بين الثلاثة، بدأت الإمارات تنهج سياسة براغماتية مبنية على هذه التوقعات. وتتجلى في لعب إيران دورا في تطورات الخليج العربي، بتنسيق مع روسيا والصين، الأمر الذي يجعل الغرب مكتوف الأيدي. وبدأت هذه الاستراتيجية في السنتين الأخيرتين من عهد الرئيس الجمهوري السابق دونالد ترامب، بعدما تأكدت من عدم اتخاذه قرار الحرب ضد إيران. وتبقى تصريحات مستشار الشؤون الخارجية أنور قرقاش في ملتقى أبوظبي الاستراتيجي منذ أيام مهمة للغاية «الإمارات تتخذ خطوات لتهدئة التوتر مع إيران في إطار خيار سياسي مؤيد للدبلوماسية وتجنب المواجهة».
الإمارات مجبرة على تغيير بوصلتها الجيوسياسية، لتفادي التعرض لخسائر كبيرة هي ناتج حلم لعب دور الدولة الكبيرة القادرة على صنع خرائط سياسية
وارتباطا بإيران، تدرك الإمارات صعوبة تحقيق فوز في الحرب في اليمن ضد الحوثيين، في ظل إصرار من طهران على عدم هزيمة حلفائها. وبدأت بفك الارتباط العسكري – الحربي مع السعودية تدريجيا، مع الإبقاء على نفوذها جنوب اليمن. فهي لم تغير السعودية كحليف لكنها تقترب من إيران، وتبقى حرب اليمن هي المحك والشاهد على هذا التغيير الصامت، الذي بدأته سنة 2019، لكنها لم تجد بعد الوصفة المناسبة لانسحاب حقيقي خوفا من تطورات المستقبل. ومن المفارقات الكبيرة في التغيير الحاصل في بوصلة الإمارات هي، حين حط وزير خارجيتها عبد الله بن زياد الرحال في العاصمة دمشق يوم 9 نوفمبر/تشرين الثاني الجاري، في وقت الذي كانت فيه الإمارات من أكبر ممولي الحرب ضد هذا البلد العربي، وكانت على رأس من نفذ أكبر دعاية مضادة لنظام الرئيس بشار الأسد. وفسر محللون مرتبطون بالدولة الإماراتية في الإعلام العربي والدولي هذه الخطوة، بأنها «لصالح الشعب السوري». وعليه، متى كانت الإمارات تفكر في الشعوب وهي التي تزعمت الثورة المضادة؟
وغير بعيد عن دمشق، بدأت الإمارات تغازل تركيا، وهي مفارقة أخرى تثير التعجب نظرا للدور الإماراتي في مناهضة سياسة الرئيس طيب رجب أردوغان، الذي كانت تتهمه بأنه نصير «الإخوان المسلمين» بل تشير كل المعطيات إلى تورط هذا البلد في الانقلاب الذي شهدته تركيا خلال يوليو /تموز 2016. وتجد الإمارات نفسها مجبرة على هذا التقارب، بعدما بدأت القاهرة وأنقرة تتحاوران، وتبدي الرياض استعدادا للتفاهم مع الأتراك لتجاوز مشاكل الماضي ومنها، ملف الصحافي جمال خاشقجي. كما تقترب من تركيا بعدما بدأت تحجز لنفسها موقعا قويا في صناعة القرار الإقليمي، بفضل صناعتها العسكرية المتميزة خلال السنوات الأخيرة. التغيير الحاصل والمثير في البوصلة الجيوسياسية للإمارات العربية نابع من التطورات التي يشهدها العالم، خاصة منطقة الشرق الأوسط. ويشكل رحيل دونالد ترامب الدافع الرئيسي وراء هذا التغيير، فهو الذي كان يحتضن المغامرات السياسية لأبوظبي في مختلف الدول. في الوقت ذاته، يتراجع دور الحليف الفرنسي في الشرق الأوسط والبحر الأبيض المتوسط، ثم إن التحالف مع إسرائيل لا يكفي وحده لضمان المستقبل، في وقت تعاني منه إسرائيل نفسها من تعاظم قوة الجيران، ولم تعد قوة حاسمة في قرارات الشرق الأوسط. وأخيرا قدوم إدارة جو بايدن الديمقراطية إلى البيت الأبيض بمخططات مختلفة منها مناهضة الانقلابات البيضاء، وهو ما تؤكده من خلال ضغطها القوي على زعماء الانقلاب في السودان وتونس.
الإمارات التي تزعمت مغامرات سياسية انطلاقا من قيادة الثورة المضادة ضد الربيع العربي، ثم التورط في ملفات ليبيا والسودان وتونس، بل من المحيط إلى الخليج، تجد نفسها الآن مجبرة على تغيير بوصلتها الجيوسياسية. وهذه العملية، هي استباقية استعدادا، بل تحسبا للمستقبل، وكذلك لتفادي التعرض لخسائر كبيرة هي ناتج حلم أو وهم لعب دور الدولة الكبيرة القادرة على صنع خرائط سياسية.
كاتب مغربي من أسرة «القدس العربي»
بعد التحية للكاتب القدير مجدوبي والجميع ، يقول الكاتب:”في هذا الصدد، تقتفي خطوات إسرائيل، التي بدأت في إقامة لوبي يهودي – صيني خلال السنوات الأخيرة، يشبه عملية انتقال اللوبي اليهودي من بريطانيا إلى الولايات المتحدة بشكل صامت، بعد الحرب العالمية الأولى، ثم بشكل كبير بعد الحرب العالمية الثانية، بعدما أدرك اليهود انتقال ثقل العالم من أوروبا إلى الولايات المتحدة. ” في الواقع هذا الطرح سليم تماما ويدركه من يعيش في الصين ، وهذا بالرغم ان المصالح العليا الصينية اكثر قربا ومراهنة على الدول العربية ، على افتراض انها يجب تأخذ بعين الاعتبار الصراع العربي الاسرائيلي ، من هنا نرى ان التطبيع العربي مع اسرائيل كان مصيبة وكارثة ليس على الفلسطينيين وحسب بل على العلاقات الاستراتيجية بعيدة المدى مع دولة كبرى مثل الصين كانت في اغلب الأحيان صديق وفي للعرب والقضايا العربية .
الإمارات … “دعوها فإنها مأمورة” .
كيف اي حكومة لها ضمير تعيد العلاقة مع نظام الأسد الوحشي الذي ليس له مثيل على مر التاريخ. اكثر من نصف قرن على إجرام عائلة الأسد بحق الشعب السوري الطيب.العرب عليهم الاتحاد في مواجهة هذا النظام وازاحته بالقوة.