مهرجان «بيروت تُرنّم» حضور ثقافي وتأكيد بأن الموسيقى حاجة وليست ترفاً
بيروت ـ «القدس العربي»: مهرجان «بيروت تُرنّم» المنتظر من قبل عشّاق الموسيقى منذ انطلاقه قبل 14 سنة لا يزال قائماً، والفعالية الفنية والدينية ستؤنس وحشة المدينة في شهر كانون الأول/ديسمبر المقبل. رغم الصعوبات التي لا تُحصى قرر المنظمون التحدي ومواجهة العقبات وتذليلها، فللمهرجان جمهور ينتظره بفارغ الصبر.
«بيروت ترنّم» مهرجان ميلادي الهوى والهوية، وإلى جانب الفنانين اللبنانيين الذين يحيون أمسياته عزفاً أو ترنيماً داخل الكنائس المنتشرة في وسط المدينة، ثمة ضيوف أجانب كثر لبوا الدعوة ورغبوا بزيارة مدينتنا وتقديم فنهم لجمهورها.
في عامه الـ14 يمكن تشبيه المهرجان بالبدر ابن «الأربع تعشر» كما يردد شعبياً، لكنه فعلاً يتألق رغم الظروف المأساوية غير المسبوقة وذلك بإرادة وفعل فريق عمله المتطوع.
مع مؤسسة ورئيسة مهرجان بيروت تُرنّم ميشلين أبي سمرا هذا الحوار:
○ مهرجانكم هذا العام صار بدراً «ابن 14». أين انتم بين الولادة والآن؟
•جميل عمر المهرجان بكافة التوصيفات الأدبية والشعبية، وهو منذ بداياته كانت له رسالة بأن تكون الموسيقى بمتناول الجميع، ومجانية. نحن مهرجان لا يبغي الربح، وحين انطلقنا في يومنا الأول ورغم كافة التحديات، كان الإصرار على بدء فعاليات المهرجان في الأول من كانون الأول/ديسمبر وحتى 23 منه. وهذا ما كان رغم الصعوبات التي نواجهها سنوياً والتي تتنوع وتكبر كل عام. إنها مصاعب اجتماعية وصحية واقتصادية ومع ذلك يُثبت المهرجان ذاته سنوياً ويواصل رسالته كما بدأها في اليوم الأول. نحن نصر على مجانية الحفلات وأن تكون متاحة للجميع. فالموسيقى بالنسبة لنا حاجة وليست ترفاً. ومن خلال هذا اللقاء أقول بأهمية أن تبقى الموسيقى الصوت الأعلى في هذه المدينة التي يلفها الظلام اليوم. ظلام كثيف يشعرنا بأن الضوء لم يعد له حضور في حياتنا. نتمنى من خلال استمرار هذا المهرجان أن نساهم بتكوين بقعة ضوء ورجاء أمل. ونحن في كل عام نؤكد أن مهرجان «بيروت تُرنّم» انطلق من صلب الحضور الثقافي لمدينة بيروت، ومن حضور ناسها جميعهم. هذه المبادرة ستستمر في بيروت وفي كل أنحاء العالم حيث تساهم وسائل التواصل الاجتماعي في نشرها. ومن خلال هذا المهرجان يرانا من هم في الخارج على حقيقتنا وليس من منظار الشفقة على حالنا. بالرغم من الحال الصعبة والمأساوية التي نعيشها، يبقى كلٍ منا مؤمنا بأن التمسك بالقيم هو الذي ينتشلنا من القعر الذي نحن فيه.
○ كيف تنظرين كمؤسسة للمهرجان إلى الاختلاف إن كان موجوداً بين السنة الأولى والسنة الرابعة عشرة؟
• لا اختلاف مطلقاً ورغم كافة الظروف، بل العكس. فالقمر «ابن اربع تعشر» أكد أن ما بدأنا زرعه أينع اليوم وأثمر. نصر على إحياء المهرجان لأن تدمير وسط بيروت بات ممنهجاً، وهناك إصرار كي يستمر في الظلمة. بيروت تُرنّم مستمر للتأكيد أن وسط بيروت ما زال يعيش.
○ ماذا عن المشاركين في إحياء المهرجان هذا العام؟
•تضم نسخة هذا العام إلى جانب الأسماء اللبنانية التي نفتخر بها، أسماء لامعة من العالم. ولأننا نتعامل مع الجميع بشفافية ومصداقية خاصة تجاه السفارات الأجنبية، فهم وسواهم مستمرون بالتعاون معنا بالاحترام عينه الذي بدأنا به قبل 14 عاماً.
○ هل نفهم أن السفارات الأجنبية في لبنان هل التي تمول مهرجان بيروت تُرنّم؟
•ليس جميعه، بل كل سفارة تمول حضور النجم الذي نختاره من بلدها. هذا العام طلبنا من السفارة الأمريكية استقبال التينور جاك سوانسون في المهرجان، فرحبت وتولت كافة التكاليف وبشكل مباشر.
○ من هي السفارات التي دعمت عملكم هذا وبشكل دائم؟
•السفارة الإيطالية هي الأكثر تشجيعاً لنا، والسفارات الفرنسية، والسويسرية، والبرازيلية، والأمريكية، والسويدية، ولأول مرة نتعاون مع السفارة الإسبانية. وبعيداً عن رعاية أو دعم السفارة المصرية لبّت دعوتنا لهذا العام السوبرانو المصرية فرح ديباني، وهي أول عربية تفوز من اوبرا باريس بجائزة أفضل مغنية أوبرا. مع العلم أن الفنانين اللبنانيين يشكلون الركن الأساسي للمهرجان كما غادة شبير، وعازفة التشيللو جنى سمعان، والإفتتاح سيكون مع عبير نعمة، والختام مع غي مانوكيان. بدون أن ننسى الجوقات الكنسية التي ستنشد الميلاد، إلى جانب جوقات الجامعة الأنطونية، وجامعة سيدة اللويزة، وجامعة القديس رومانوس، وجوقة قوسان الأرمنية، وغيرها. كذلك يتضمن برنامج هذا العام موسيقى الجاز. كما رسّخ المهرجان هذا العام معايير جديدة محافظاً على التوازن بين المحلي والعالمي. وهو اكتسب قيمة ثقافية وموسيقية فريدة في لبنان خاصة وأنه يتمتع بثقة عالية لدى الداعمين وهم المراكز الثقافية، والسفارات الأجنبية، إلى جانب المغتربين الذين يتولون تغطية قسم كبير من نفقات المهرجان.
○ وهل من حضور داعم لبلدية بيروت؟
•مطلقاً. للسنة الثالثة على التوالي لا دعم لبناني رسمي لنا، بخلاف السنوات السابقة.
○ وماذا بشأن الصحة والحد من انتشار كورونا؟
•نلتزم بكافة الإجراءات التي تحفظ السلامة العامة، حتى في العام الماضي والذي سبقه فنحن لم نعتمد بيروت تُرنّم عن بعد مطلقاً، نركز على الحضور الشخصي والتباعد المدروس صحياً.
توفيق معتوق: نطمح لمحاكاة كبريات البرامج الموسيقية العالمية
وفي حوار مع المدير الفني لمهرجان بيروت ترنّم الدكتور توفيق معتوق قال لـ«القدس العربي»:
○ ما هو عدد الكنائس التي يتوزع عليها مهرجان بيروت تُرنّم؟
•يتوزّع المهرجان على ثماني كنائس بالإضافة إلى الحفلات الموسيقيّة المبرمجة في أسواق بيروت والأسمبلي هول في الجامعة الأمريكيّة.
○ ما هي الآليات التي تحكم توزيع البرنامج على الكنائس في وسط بيروت؟
•ليس هناك من برنامج يحكم إقامته في الكنائس. يتنوع البرنامج بين الموسيقى الكلاسيكية والموسيقى الدينيّة المسيحيّة منها والصوفيّة، إلى جانب موسيقى الجاز، والموسيقى المعاصرة.
○ ما هو نوع التعاون مع الضيوف الأجانب؟ وهل لهم حفلات مشتركة مع فنانين لبنانيين؟
•دأب مهرجان بيروت ترنم على استضافة ضيوف وموسيقيين عالميين منذ أكثر من عشر سنوات. لدى هؤلاء الموسيقيين يعتبر المهرجان فسحة للتعرف على جمهور جديد. لقد اعتدنا في البرمجة الموسيقية على إشراك الموسيقيين العالمين مع موسيقيين لبنانيين. من هذه الحفلات التي تعتمد الشراكة بين الأجانب واللبنانيين، حفل الأوركسرا الفيلهارمونية الوطنية اللبنانية بقيادة ومشاركة موسيقيين عالميين.
○ نعرف أهمية الصوت البشري في الترانيم. هل تتولى كمدير فني الاختيار والتدريب خاصة في الجانب اللبناني؟
•تتلخص مهامي كمدير فني للمهرجان بالاهتمام في البرمجة الموسيقية، بحيث تحاكي تطلعات الجمهور الذي ينتظر «بيروت ترنّم» من سنة إلى أخرى. أما فيما يتعلق بالتدريب فإنني اهتم ببعض الحفلات الموسيقية كتحضير وقيادة الأوركسترا الفيلهارمونية اللبنانية وإدارة بعض الجوقات المشاركة في المهرجان. وهنا أكون على موعد مع التدريب المباشر للموسيقيين اللبنانيين المشاركين.
○ هل من طموح تعمل لأجله كمدير فني للمهرجان؟
•إنّ طموحي كمدير فني للمهرجان هو كطموح كل مدير فني ألا وهو تطوير البرمجة الموسيقية للمهرجان لتحاكي كبريات البرامج العالمية. وأن نقدّم في كل سنة جديدة الأفضل للجمهور فتبقى بيروت منارة للثقافة في وجه العتمة التي تلفها.
في البرنامج
موعد حفلات المهرجان اليومية في الثامنة مساء بدءاً من الأول من كانون الأول/ديسمبر. ومن الضيوف الأجانب التينور جورجيو بيروجي. وعازف البيانو فابيو سنتاني. الديفا فرح الديباني من مصر، وكثيرين غيرهم. ومن اللبنانيين ستعزف جنى سمعان باروك تشيللو. وغادة شبير. وعبير نعمة. وأوبرا شرقية مع بشارة مفرّج.
وستعزف الأوركسترا الفيلارمونية بقيادة فلوران استيفان السيمفونية الثانية لبتهوفن في كنيسة القديس يوسف.