الرياض ـ «القدس العربي» ـ وكالات: شاركت حشود كبيرة من السعوديين، عصر أمس الجمعة، في تشييع جنازة العاهل السعودي الملك عبدالله بن عبدالعزيز بمشاركة عدد من زعماء العالم.
وأدت حشود كبيرة من المصلين يتقدمهم العاهل السعودي الجديد الملك سلمان بن عبدالعزيز صلاة الجنازة في جامع الإمام تركي بن عبدالله، جنوبي الرياض.
وشارك قادة قطر والكويت والبحرين والسودان وتركيا في الجنازة، فيما حضرها نائب رئيس الوزراء لشؤون مجلس الوزراء العُماني فهد بن محمود آل سعيد، الذي يعد أعلى مسؤول بالسطنة بعد سلطان عمان قابوس بن سعيد، الذي يعالج في ألمانيا منذ أغسطس / آب الماضي.
وووري جثمان الملك عبدالله الثرى في مقبرة العود بالرياض.
وتميزت جنازة ملك السعودية، التي تعد من أغنى دول العالم، بالبساطة وعدم التكلف.
وكان عدد من زعماء العالم وصلوا إلى المملكة قبيل صلاة الجنازة للمشاركة في تشييع جنازة الملك الراحل إلى مثواه الأخير، وتقديم العزاء والمواساة للملك سلمان بن عبدالعزيز آل سعود، ولولي عهده الأمير مقرن بن عبدالعزيز آل سعود، وللأمير محمد بن نايف بن عبدالعزيز آل سعود ولي ولي العهد، وللأسرة المالكة.
ومن أبرز من وصل المملكة الرئيس التركي رجب طيب أردوغان وأمير قطرالشيخ تميم بن حمد آل ثاني والشيخ صباح الأحمد الجابر الصباح أمير الكويت، وعاهل البحرين الملك حمد بن عيسى آل خليفة، ورئيس السودان عمر البشير، ورئيس الوزراء الأثيوبي هايلي ماريام ديسالين، ورئيس مجلس الأمة الجزائري عبدالقادر بن صالح .
كما وصل السعودية، أيضا، نائب رئيس الوزراء لشؤون مجلس الوزراء العُماني فهد بن محمود آل سعيد، ورئيس الوزراء المصري إبراهيم محلب ورئيس الوزراء الباكستاني نواز شريف.
ومن الإمارات، شارك في الجنازة سلطان بن محمد القاسمي حاكم إمارة الشارقة، وسعود بن صقر القاسمي حاكم رأس الخيمة، وحميد بن راشد النعيمي حاكم عجمان.
ويأتي تشييع العاهل الراحل الملك عبد الله بعد ساعات من تحرك السعودية لضمان الانتقال السلس للسلطة من خلال الاعلان عن اسم الملك الجديد وولي العهد لتهدئة مخاوف بشأن انعدام الاستقرار في قيادة المملكة في وقت تشهد فيه المنطقة اضطرابات. وأصبح الملك سلمان الآن على رأس السلطة في بلد يواجه قلاقل لم يسبق لها مثيل في المنطقة وتحديات داخلية صعبة على المدى البعيد تفاقمت بسبب الانخفاض الشديد في سعر النفط.
وسيتعين على الملك الجديد إدارة منافسة محتدمة مع إيران القوة الشيعية في العراق وسوريا واليمن ولبنان والبحرين إلى جانب صراع مفتوح في دولتين مجاورتين وتهديد الإسلاميين المسلحين وعلاقات مع الولايات المتحدة تعتريها بعض المطبات.
ومن غير المرجح أن يغير الملك سلمان نهج المملكة في الشؤون الخارجية أو مبيعات الطاقة إذ يعرف عنه أنه واقعي وماهر في إدارة التوازن الحساس بين المصالح الدينية والقبلية والملكية والغربية التي تؤثر في صنع السياسة في السعودية. لكن الاعلان فورا عن ولي العهد الجديد وهو الأمير مقرن بن عبد العزيز الأخ الأصغر للملك ومن ثم ولي ولي العهد يعني أن الملك سلمان تحرك بحسم لوضع حد للتكهنات بشأن مسار الخلافة الملكية وبشأن وجود انقسامات في الأسرة الحاكمة.
ولن يتمكن شبان سعوديون كثيرون من تذكر الفترة التي سبقت حكم الملك عبد الله سواء كملك منذ عام 2005 أو كحاكم فعلي للبلاد خلال عشر سنوات قبل هذا.
وترك الملك عبد الله إرثا يتمثل في جهود إصلاح النظامين الاقتصادي والاجتماعي في المملكة في مواجهة أزمة سكانية تلوح في الأفق وذلك من خلال توفير فرص عمل في القطاع الخاص وجعل الشبان السعوديين أكثر استعدادا على شغلها.
وقال جمال خاشقجي وهو رئيس قناة إخبارية يملكها أمير سعودي «أعتقد أن (سلمان) سيستمر في إصلاحات عبد الله. فهو يدرك أهمية هذا. ليس شخصية محافظة لكنه يقيم وزنا لرأي الدوائر المحافظة في البلاد.»
وارتفعت أسعار النفط الجمعة إذ زادت وفاة العاهل السعودي من حالة عدم اليقين في أسواق الطاقة التي تواجه بالفعل عددا من أكبر التغيرات منذ عقود.
وكان الديوان الملكي السعودي أعلن وفاة الملك عبد الله عاهل السعودية في وقت مبكر الجمعة وقال إن ولي العهد الامير سلمان أصبح ملكا للبلاد وانه دعا لمبايعة الامير مقرن وليا للعهد.
ونقل التلفزيون عن بيان من الديوان الملكي قوله «ببالغ الأسى والحزن ينعى صاحب السمو الملكى ولى العهد الامير سلمان بن عبد العزيز ال سعود وكافة افراد الاسرة والامة خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز ال سعود حيث وافته المنية فى تمام الساعه الواحدة من صباح اليوم الجمعه وقد تقرر الصلاة على خادم الحرمين الملك عبد الله بن عبد العزيز ال سعود بعد صلاة عصر هذا اليوم الجمعه فى جامع الامام تركي بن عبد الله.»
وقال البيان «تلقى صاحب السمو الملكى الامير سلمان البيعة ملكا على البلاد وفق النظام الاساسى للحكم وبعد اتمام البيعة وبناء على البند (ثانيا) من الامر الملكى ..الذى نص على ان يبايع صاحب السمو الملكى الامير مقرن بن عبد العزيز ال سعود وليا للعهد فى حال خلو ولاية العهد دعا خادم الحرمين الملك سلمان بن عبد العزيز ملك المملكة العربية السعودية لمبايعة صاحب السمو الملكى الامير مقرن بن عبد العزيز وليا للعهد وقد تلقى سموه البيعة على ذلك وستبدأ البيعة من المواطنين لخادم الحرمين الشريفين الملك سلمان وولى عهده الامير مقرن بن عبد العزيز فى قصر الحكم فى الرياض بعد صلاة العشاء هذا اليوم الجمعة.»
وبمبايعته الفورية للامير مقرن بن عبد العزيز وليا للعهد فإن الملك الجديد تحرك سريعا لتفادي التكهنات وتهدئة أي مخاوف بشأن الخلافة في السعودية أكبر مصدر للنفط في العالم في وقت تواجه فيه المملكة اضطرابات غير مسبوقة على حدودها.
ومع صعود الدولة الاسلامية في العراق وفي سوريا التي تعصف بها الحرب اقترب من حدود السعودية تنظيم متشدد توعد بإسقاط الأسرة الحاكمة في المملكة.
وفي اليمن سيطر الحوثيون الشيعة المتحالفون مع ايران على السلطة مما دفع البلاد الى حالة من الفوضى العارمة تفتح المجال أمام تنظيم القاعدة الذي شن تمردا في السعودية في الفترة من عام 2003 الى عام 2006 وكاد يغتال أحد كبار الأمراء عام 2006.
ومما يزيد الاضطرابات التي تجتاح تلك الدول منافسة مريرة جارية بين المملكة العربية السعودية السنية وخصمها الاقليمي ايران الشيعية والهزة التي تتعرض لها علاقة الرياض بالولايات المتحدة.
وانخفضت أسعار النفط لأكثر من النصف منذ يونيو/ حزيران مما قد يجعل المملكة تواجه على الارجح أول عجز في الميزانية منذ عام 2009 وتتعامل مع مشاكل مع اعضاء آخرين في اوبك يختلفون مع سياستها التي لا تدافع عن الاسعار.
واعتلى الملك عبد الله -الذي من المعتقد انه ولد في عام 1924- عرش السعودية في عام 2005 لكنه كان يدير فعليا شؤون المملكة منذ 1996 بعد أن اصيب سلفه الملك فهد بجلطة في الدماغ.
والملك سلمان بن عبد العزيز -الذي من المعتقد ان عمره 79 عاما- هو ولي العهد ووزير الدفاع منذ 2012. وقبل ذلك كان أمير منطقة الرياض على مدى خمسة عقود.
وأدخل العاهل الراحل بحذر تغييرات في المملكة المحافظة منها تعزيز حقوق المرأة والتحرر الاقتصادي لكنه لم يتخذ خطوات على طريق الديمقراطية.
ومع وصول سلمان الى سدة الحكم تسلط الاضواء على التوجه الذي ستتبناه مستقبلا المملكة أهم حليف عربي للولايات المتحدة والتي تتزعم العالم الاسلامي السني ولعبت دورا محوريا في المشهد الذي خلفه الربيع العربي في المنطقة.
ولعب عبد الله دورا واضحا في تأييد السعودية لحكومة مصر بعد تدخل الجيش عام 2013 كما قاد تأييد بلاده للمعارضة السورية ضد الرئيس بشار الأسد.
تحديات طويلة الأجل
والملك سلمان ظل ضمن حفنة من الأمراء تحكم المملكة منذ عقود ومن المرجح ان يستمر على الخطوط الرئيسية في السياسة الاستراتيجية السعودية بما في ذلك الحفاظ على التحالف مع الولايات المتحدة والعمل على استقرار سوق الطاقة.
وعلى مدى خمسة عقود كان سلمان خلالها أميرا لمنطقة الرياض عرف بمهارته في ادارة التوازن الدقيق بين مصالح رجال الدين والقبائل والأمراء الذي يحدد السياسة السعودية وفي الوقت نفسه حافظ على علاقات طيبة مع الغرب.
وحرص العاهل الراحل قبل عام على ترسيخ وضع مقرن وليا للعهد بعد ان عينه رئيسا للمخابرات ثم مستشارا للملك في الشؤون الخارجية والأمنية.
ووعد ولي العهد الجديد بمواصلة الاصلاحات التي بدأها عبد الله كما حرص على كسب تأييد شعبي حين طلب من البنوك وضع مصلحة المواطن السعودي أولا والتعامل معه بمزيد من العدل.
وعلى المدى الطويل سيكون على المملكة التعامل مع احتياجات العدد المتنامي لسكانها الذي يعاني من البطالة والتعامل أيضا مع اقتصاد ما زال معتمدا بقوة على النفط.
واعتاد ملوك السعودية لدى توليهم الحكم اختيار وزراء جدد للوزارات الهامة ومنها النفط والمالية.