ستنظم وحدة بحث « السرديات وتحليل الخطاب» في جامعة نواكشوط العصرية، المؤتمر الأول للسرديات وتحليل الخطاب تحت عنوان: «واقع السرديات ومستقبلها في التجربة العربية» خلال الأيام 22 و24 ديسمبر/كانون الأول 2021. كما أن جامعة الملك خالد في أبها، تعقد مؤتمرا دوليا حول: «الخطاب السردي، ورهانات العصر» في أواخر شهر يناير/كانون الثاني 2022 (25 ـ 26). وستقوم وحدة الدراسات السردية في كلية دجلة الجامعة، بعقد مؤتمرها الأول حول «السرد والأيديولوجيا» في 13 و14 إبريل/نيسان 2022.
لا شك في أن الدراسات السردية العربية تتحرك، والإقدام عليها يتزايد تحت طائلة ارتفاع منسوب الاهتمام بما هو سردي في الكثير من الجامعات العربية. فمن موريتانيا إلى العراق مرورا بالسعودية، والبقية آتية من أقطار عربية أخرى، نجد أنفسنا أمام ضرورة متابعة وقائع مؤتمرات عربية، أو دولية، تركز على السرد العربي القديم الذي لم يكن يثير الاهتمام الذي كان منصبا على الشعر، وعلى السرد العربي المعاصر، وقد فرضت فيه الرواية نفسها نوعا يثير فضول القارئ، وميول الناشر.
عندما قلت في محاضرة في جامعة السلطان قابوس سنة 2013 إن على السرد والدراسات السردية أن يحتلا المكانة اللائقة بهما في كليات الآداب العربية التي عليها أن تغير مسمياتها من «كليات الآداب والعلوم الإنسانية» إلى كليات «السرد والإنسانيات الرقمية» أثار هذا الكلام حفيظة بعض الزملاء، وناقشني مطولا في هذا الطرح الذي بنيته على أساس أن السرد موجود في اللغة، وفي كل الأجناس الأدبية التاريخية، والجديدة، وأن الرهان الرقمي يضعنا، في كليات الآداب أمام ضرورة الانكباب والانفتاح على أجناس غير لغوية، وغير أدبية مثل، السينما، والرسوم المتحركة، والتشكيل، والموسيقى، وكل ما يتصل بالوسائط الجديدة، من جهة. وأن مجال الاهتمام عليه أن يتجاوز العلوم الإنسانية والاجتماعية الكلاسيكية إلى الإنسانيات الرقمية التي تولي اهتماما خاصا بكل ما هو رقمي تكنولوجي، إلى جانب ما هو علمي في دراسة الظواهر والقضايا التي كنا نشتغل بها في كليات الآداب والعلوم الإنسانية، من جهة أخرى.
إن مفهوم الأدب الذي نتعامل به اليوم وليد القرن التاسع عشر الذي استقلت فيه العلوم التجريبية عن الفلسفة، وبدأت تتأسس فيه العلوم الاجتماعية والإنسانية.
إن مفهوم الأدب الذي نتعامل به اليوم وليد القرن التاسع عشر الذي استقلت فيه العلوم التجريبية عن الفلسفة، وبدأت تتأسس فيه العلوم الاجتماعية والإنسانية. وكان هذا المفهوم اسم الجنس الدال على كل النصوص اللغوية المتميزة بلغتها وجماليتها وموضوعاتها. فتعاملت الدراسات الأدبية مع الإبداع، متأثرة في ذلك بالعلوم التجريبية والاجتماعية. ومنذ أواسط الستينيات، وتحت التطور الذي عرفته الوسائط الجماهيرية، وبداية هيمنة وسائل الإعلام، بدأ السرد يحتل مكانة خاصة، على حساب الأدب، وكان لقولة رولان بارث، إن السرد موجود في كل شيء، في الأدب، وغير الأدب، أن صار هذا المفهوم الجديد أشمل وأوسع من المفهوم القديم. وكان للثورة الرقمية أثرها في توسيع مجال التفكير في السرد، وهو يتحقق من خلال وسائط مختلفة، فبات موضوعا يهتم به إلى جانب دارسي الأدب التقليديين، مختصون من مجالات واختصاصات علمية متعددة. فكان بذلك ما صار يسمى: بـ«المنعطف السردي» تعبيرا عن حقبة جديدة في التعامل مع كل الإبداعات التي ينتجها الإنسان، سواء تحققت من خلال اللغة، أو الصورة، أو الحركة، وأيا كان الوسيط الذي تنتج من خلاله، أو نوع الثقافة التي ينتمي إليها، بحيث توسع الاهتمام فلم يعد هناك مجال للتمييز بين الثقافة العالمة، والشعبية، أو الجماهيرية.
هذه التطورات التي حصلت في الغرب كان لها صدى في المجال العربي، فكانت التحولات والتغيرات، وأدى الاهتمام بالسرد العربي قديمه وحديثه إلى بروز ما يمكن أن نسميه «الدراسات السردية العربية» التي صار لها موقع في كلياتنا سواء من خلال الأطاريح، أو المواد، أو فرق البحث ووحداته، ومن خلال المنشورات التي تظهر بين الفينة والأخرى. لكن هذا التطور لم يواكبه نقاش علمي بين المشتغلين. فكل يغامر في اقتحام مجال هذه الدراسات معولا على فهمه الذاتي، ورؤيته الخاصة، وعلى ما يستفيده أو يستلهمه من الدراسات الأجنبية. فلم يكن ثمة حوار يؤسس لمنطلقات نظرية تحدد المنطلقات والمقاصد والأبعاد لتحقيق صورة جديدة داخل كلياتنا وساحتنا الثقافية. وحتى عندما تكون دراسات لبعض التجارب، فإننا نجدها تصب إما في اتجاه الثناء المتهور، أو الهجوم المتعمد. وبدل أن يكون الحوار النقدي نجد الإلغاء أو الإقصاء. ولا يمكن لهذا الواقع السائد أن يسهم في تطوير الدراسات السردية العربية لتكون في مستوى ما وصلت إليه الدراسات الأجنبية. ويبدو لي أن هذا ما يسعى إلى التفكير فيه المؤتمر الأول في نواكشوط حول واقع السرديات ومستقبلها في التجربة العربية.
تتعدد محاور هذا المؤتمر، وهي تتوزع إلى طرح قضايا، ومناقشة منجزات، وتعمل على الانطلاق من الواقع بهدف الوقوف على ما يتميز به من إنجازات، وما تعترضه من إكراهات تحول دون تطوير الدراسات السردية العربية. إن قراءة هذا الواقع، ورصد ما طرأ عليه من تحولات في الصيرورة إلى الآن كفيل بالكشف عن مواطن القوة والضعف، وفتح آفاق مستقبل مختلف. هذا هو رهان المؤتمرات حول الدراسات السردية.
كاتب مغربي