أسئلة التطبيع الإماراتي

حجم الخط
1

ثلاثة «اختراقات» أقدمت عليها أبو ظبي، في الأشهر الماضية، تدعو للتأمل:
مع إسرائيل أولاً، حيث تجاوزت العلاقات المستوى العادي من فتح سفارات أو تبادل زيارات سياسية… إلخ، لتصل حدود المناورات العسكرية المشتركة في البحر الأحمر، وما يعنيه ذلك من علاقة تحالفية.
ومع نظام الأسد الكيماوي ثانياً، الأمر الذي انتقل من مجرد فتح السفارة الإماراتية في دمشق، نهاية العام 2018، إلى زيارة وزير الخارجية إلى دمشق قبل نحو أسبوعين.
ومع أنقرة ثالثاً، التي زارها رجل الإمارات القوي ولي العهد محمد بن زايد، حيث استقبل ببروتوكول يخصص عادةً لرؤساء الدول، وتم التوقيع خلال الزيارة على حزمة استثمارية بلغت عشرة مليارات دولار.
ما يجمع الدول الثلاث، على اختلافاتها الكثيرة، هو أنها منبوذة بدرجات ومعان مختلفة. فإسرائيل منبوذة في محيطها العربي كدولة (أو كانت كذلك إلى ما قبل معاهدات ابراهام) بصرف النظر عن الحزب الذي يحكمها. إضافة إلى كونها «مكروهة» في كثير من الدوائر الغربية، وينظر إليها في الرأي العام بوصفها تشكل عبئاً أخلاقياً ثقيل الظل. وإذا كانت الولايات المتحدة حليفاً استراتيجياً لإسرائيل، بصرف النظر عن التغيرات السياسية في كل من واشنطن وتل أبيب، فلا تخلو العلاقة بين البلدين من توترات سياسية، كثيراً ما ترجمت في تدخلات أمريكية في السياسة الداخلية الإسرائيلية بهدف التخلص من حكومة غير مرغوبة واستبدالها، بواسطة الانتخابات، بغيرها. وبصرف النظر عن حملة التطبيع العربي مع إسرائيل التي قادها جاريد كوشنر في عهد الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب، ما زالت قرارات الأمم المتحدة بحقها، في مجلس الأمن والجمعية العامة، بشأن احتلالها للأراضي الفلسطينية والعربية وإجراءاتها العنصرية، دليلاً على عزلتها ونبذها، وإن كانت بعيدة عن التطبيق.
نظام بشار الكيماوي هو أشد عزلة ونبذاً اليوم من إسرائيل، وإن كان هذا النبذ لا يستغرق الدولة السورية، إذا كان جائزاً الحديث عن دولة سورية في الشروط القائمة الآن. وعلى رغم «أجواء التطبيع» التي أسعدت النظام في الأشهر الأخيرة منذ لقاءات وزير خارجيته فيصل المقداد مع بعض نظرائه العرب على هامش الجمعية العامة للأمم المتحدة في شهر أيلول، ومشروع نقل الغاز والكهرباء إلى لبنان عبر الأراضي السورية، والاتصال الهاتفي مع ملك الأردن عبد الثاني… يبقى النظام بعيداً عن نيل الاعتراف الدولي بمشروعيته، ويبقى هو نفسه العقبة الرئيسية لأي تطبيع مع الدول الأخرى، لأنه ليس في وارد «تحسين سلوكه» كما هو مطلوب منه، أي أنه لا يعطي الراغبين في التطبيع معه أي سبب قد يغطي على سلوكه الإجرامي. وستبقى «الاختراقات» العربية في التطبيع معه مجرد نقاط سوداء في سجل المطبعين، وبلا فائدة عملية للنظام، حتى نقول لسوريا.

السياسة لا تقوم على ثوابت أيديولوجية أو مبدئية، بل على «البراغماتية والواقعية» كما برر أحد مستشاري الرئيس التركي حدوث الزيارة في وجه منتقدي الحكومة

أما تركيا فعزلتها النسبية من قبل حلفائها في حلف الناتو، من أمريكيين وأوروبيين، تتعلق بالسياسات الاقليمية التركية، وبدرجة أقل فيما يتصل بالشؤون الداخلية التركية. الحكومات الغربية، وبخاصة الإدارة الأمريكية، لا تخفي استياءها من السياسات التركية التي بات الرئيس أردوغان هو المسؤول عن رسمها منذ جمع كل الصلاحيات في يده. أما عزلتها العربية، مصر والسعودية والإمارات بصورة خاصة، فهي تتعلق أساساً بموقف تركيا من انقلاب السيسي في مصر عام 2013، وتداعيات ذلك. هذه العزلة بدأت تتفكك منذ أشهر في اجتماعات مصرية ـ تركية لتسوية الخلافات، لم تصل بعد إلى توافق بين الطرفين، وكانت زيارة ولي عهد أبو ظبي لأنقرة هي الاختراق الأهم على هذه الجبهة.
ليس فقط لأنه أرفع مسؤول في الدول الثلاث المناوئة لتركيا أردوغان، مصر والسعودية والإمارات، بل لأن أجواء العداء بين أنقرة وأبو ظبي وصلت درجات كان من الصعب تخيل تجاوزها. فقد واظبت أنقرة على اتهام القيادة الإماراتية، وولي العهد بالذات، بتمويل المحاولة الانقلابية في تموز 2016، وتحميله مسؤولية مقتل 251 تركياً قتلوا برصاص الجنود الانقلابيين.
لكن السياسة لا تقوم على ثوابت أيديولوجية أو مبدئية، بل على «البراغماتية والواقعية» كما برر أحد مستشاري الرئيس التركي حدوث الزيارة في وجه منتقدي الحكومة على عدم إثارة موضوع تمويل الانقلاب العسكري الفاشل في اللقاء بين أردوغان وبن زايد. أما أردوغان فقد قال للصحافيين إن خطوات مماثلة قد تحدث مع السعودية وإسرائيل.
على أي حال، بصرف النظر عن الدوافع التركية للتطبيع مع الإمارات، ومع وضوح الدوافع لدى كل من إسرائيل والأسد، يبقى التساؤل عن دوافع أبو ظبي لحملة التطبيعات الثلاث المذكورة.
بدايةً لا أحد يفترض مبادئ إيديولوجية لدى دولة الإمارات، قامت بتجاوزها في حملات التطبيع المشار إليها، وبخاصة بالنسبة لإسرائيل التي ربما كان التطبيع معها هو الأكثر انسجاماً مع براغماتيتها المطلقة. أما تطبيعها مع نظام بشار فيمكن قراءته بكون الإمارات قائدة التحالف المعادي لثورات الربيع العربي. فمن هذا الموقع كان لا بد لها أن تكافئ السفاح السوري على «نجاحه» الدموي في وأد ثورة الشعب السوري. أخيراً بالنسبة لتطبيعها المفاجئ مع أنقرة، فهذا هو الاختراق الأهم، لأن العداء السابق معها قام أساساً على الخيارات الإيديولوجية، أي العداء لجماعة الإخوان المسلمين، وللإسلام السياسي بصورة أعم من جهة الإمارات، والتحالف معه من جهة تركيا.
دولة الإمارات التي طالما كانت مكتفية بدورها الاقتصادي والمالي، غيرتها ثورات الربيع العربي فأصبح لها دور عسكري مباشر في ليبيا واليمن، وطموحات سياسية إقليمية للتنافس مع دول الإقليم الأخرى، وما حملات التطبيع المذكورة إلا خطوات في تمتين هذا الدور الإقليمي استعداداً لحصة في ترتيبات نهائية تأخذ بنظر الاعتبار فراغ القوة الأمريكية، وعودة روسيا، والتمدد الإيراني الذي بلغ ذروته. ويظهر بوضوح أن التنافس هو بين السعودية وإيران وقطر على قيادة المجال العربي، مع بقاء «القوى الكبرى الإقليمية» متمثلة في تركيا وإيران وإسرائيل.

كاتب سوري

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

  1. يقول محمد القحطاني:

    ما هي الرسالة التي يود إرسالها محمد إبن زايد في إختياره أن يلبس ألوان العلم الإسرائيلي؟ إنها رسالة الإصرار على أنه خائن من رأسه إلى أخمص رجليه. خيانة أمته تمشي في شرايينه.

إشترك في قائمتنا البريدية