الخرطوم ـ «القدس العربي»: عقب عودته إلى منصبه، في الحادي والعشرين من نوفمبر/ تشرين الثاني الماضي، تعهد رئيس الوزراء السوداني، عبد الله حمدوك، بحماية التظاهرات السلمية، لكن شخصين قتلا بعد عودته، وأصيب العشرات جراء قمع أمني عنيف، يوم الثلاثاء، رغم تغييره قيادات الشرطة، وهو الأمر الذي يشير إلى أن الانتهاكات أكبر من تعهدات حمدوك، الذي عيّن، أمس الأربعاء، وكلاء جددا للوزارات، كما رهن استمراره في منصبه بتطبيق الاتفاق المبرم مع قائد الجيش عبد الفتاح البرهان.
وقالت لجنة أطباء السودان المركزية إن حوالى 100 شخص أصيبوا في تظاهرات الثلاثاء الماضي، أمام القصر الرئاسي وسط الخرطوم، ونددت باقتحام القوات الأمنية للمستشفيات واعتقال المصابين.
وحسب تقرير ميداني للجنة، أصيب 6 بقنابل صوتية، واحدة منها أدت إلى تهتك أنسجة يد أحد المتظاهرين، وأخرى أدت إلى تهشيم عظام الأنف والوجه لآخر.
وأصيب 11 متظاهرا أيضا بعبوة غاز مسيل للدموع في الرأس و4 آخرون في الوجه، بالإضافة إلى 4 إصابات في الصدر وإصابة واحدة في الظهر، نتج عنها كسر بالفقرة الخامسة لأحد المتظاهرين، بالإضافة إلى (49) حالة إصابة في أطراف الجسم المختلفة، حسب اللجنة التي كشفت أيضاً عن (22) حالة اختناق بالغاز المسيل للدموع، وحالة إصابات متعددة بالجسم نتيجة للضرب بالهراوات من قبل الأجهزة الأمنية.
اقتحام المستشفيات
كذلك اقتحمت القوات الأمنية مساء الثلاثاء مباني المستشفيات في محيط القصر الرئاسي، وألقت عبوات الغاز المسيل للدموع، والقنابل الصوتية داخل مبانيها.
واعتبر مكتب أطباء السودان الموحد ذلك استمرارا لانتهاكات قوات الانقلاب، مشيرا إلى اقتحام مجموعات أمنية مساء الثلاثاء مباني مستشفى الفيصل التخصصي،وأنها قامت بترويع المرضى والمصابين واعتقال أحد الثوار المصابين وحرمانه من حق العلاج.
وحسب بيان للمكتب، شهدت المستشفيات في شارع الحوادث وجوداً أمنياً وإطلاقا كثيفا للغاز المسيل للدموع أدى لحالات اختناق كثيرة وسط المرضى والمرافقين والمارة، فضلا عن إعاقة وصول البعض للمستشفيات لتلقي العلاج.
ولفت إلى متابعته لإفادات من عدد من الأطباء والمصابين، بخصوص إصابتهم بأعراض مختلفة ومتباينة عقب تعرضهم للغاز المسيل للدموع، تختلف عن أعراض الأنواع المعروفة منه. وأشار إلى رصد المستشفيات لعدد من الإصابات بحروق متفاوتة الخطورة بسبب القنابل الصوتية التي تم استخدامها في تظاهرة القصر، مؤكدا أنه يعمل على إيجاد طريقة علمية وفعالة والبدء في حصر هذه الأعراض وتحليلها ودراستها لمعرفة مدى أثرها على صحة المواطنين على المدى القريب والبعيد.
وبين أنه سيقوم بالتواصل والتنسيق مع خبراء السلاح والجهات ذات الصلة داخل وخارج السودان لمعرفة تفاصيل أكثر عن ما يُقذف به المواطنون أثناء التظاهرات.
وأكد أن استخدام الغاز المسيل للدموع بكافة أنواعه وعلاماته التجارية المصرح بها وغير المصرح بها يشكل خطراً مباشراً على الصحة، خصوصاً على كبار السن ومرضى الجهاز التنفسي وليس حصراً عليهم.
ولفت إلى أن تلك الحوادث أمثلةٌ للكثير من الآثار القاتلة التي يسببها الغاز المسيل للدموع، واستخدام السلطة لنوع آخر منه بأعراض أكثر حدة، هو إمعان في القتل غير مستغرب من سلطة قتلت الشعب بالرصاص الحي المباشر على الرؤوس والأعناق والصدور، حسب البيان.
وأشار إلى استخدام القوات الأمنية القنابل الصوتية في التظاهرات وإحداثها لمضار حارقة على الأطراف والجلد للمتظاهرين نتجت عنها تقرحات يصعب علاجها.
وأوضح أن التقرحات الناتجة عن تلك القنابل غالبا ما تتفاقم وتسبب حالات تصل لتعفن العضو المصاب واحتمالية بتره، كما يمكن أن يطال الحرق والشظايا المتناثرة عن هذه القنابل أعضاءً أكثر حيوية في الجسم.
وأكد أن كل ما سبق يضر بصحة المواطنين بصورة مباشرة ويهدد حياتهم.
المقرر الخاص المعني بالحق في حرية التجمع السلمي وتكوين الجمعيات التابع لمجلس حقوق الإنسان، كليمان نيالسوسي، دعا حمدوك لضمان تحقيق العدالة وإنهاء الوسائل غير القانونية لقمع التظاهرات.
وعبر في تغريدة على حسابه في «تويتر» أمس عن مخاوفه من استمرار استخدام القوة غير المبررة ضد المتظاهرين السلميين الذين يطالبون بالحكم المدني الكامل.
«تجمع المهنيين» يتوقع تصاعد وتيرة العنف لمحاصرة الاحتجاجات ضد الانقلاب
وكان اثنان من المتظاهرين قد قتلا عقب عودة حمدوك لرئاسة الوزراء، أحدهما يبلغ من العمر 16 عاما، قتل برصاصتين في الرأس يوم توقيع اتفاق حمدوك والبرهان، في الحادي والعشرين من نوفمبر/ الماضي، والثاني أمس الأول، متأثرا بنزيف في الرأس بعد تعرضه للضرب بالهراوات من قبل الأجهزة الأمنية في تظاهرة 25 نوفمبر، في وقت أصيب العشرات.
ووقع حمدوك اتفاقا سياسيا مع البرهان، في الحادي والعشرين من نوفمبر/ تشرين الثاني الماضي، عاد بموجبه رئيساً للوزراء، ولكن دون حكومته من ائتلاف قوى «الحرية والتغيير» الحاكم سابقا. ونفذ البرهان في الخامس والعشرين من أكتوبر/ تشرين الأول الماضي انقلابا عسكريا أطاح من خلاله بالحكومة المدنية الانتقالية في السودان. وقتل 43 شخصاً منذ انقلاب قائد الجيش في وقت جرح واعتقل العشرات.
وقال إنه وقع على الاتفاق مع البرهان «حفاظا على دماء المواطنين السودانيين» وللحفاظ على المكتسبات السياسية والاقتصادية التي نالها السودان في العامين الماضيين.
وأكد على حق المواطنين في التظاهر السلمي، وطالب قوات الشرطة بحماية المتظاهرين السلميين.
تجمع المهنيين السودانيين يرى أن ما حدث في تظاهرات الثلاثاء، مؤشر واضح على أن حمدوك لا يستطيع حماية حق المواطنين في التظاهرات.
وقال المتحدث الرسمي باسم تجمع المهنيين، الوليد علي، لـ«القدس العربي» إن «حمدوك لا يمكن أن يعد بشيء ليس في يده» مؤكدا أن «الوضع لم يتغير بعودته، وأن قبضة الانقلابيين الأمنية هي الحقيقة الماثلة».
وتوقع أن «تزيد وتيرة العنف من قبل القوات الأمنية خلال الفترة المقبلة لجهة محاصرة الاحتجاجات لقادة الانقلاب».
وحسب الخبيرة في حقوق الإنسان منال حليم، فإن «قتل المتظاهرين ليس الانتهاك الوحيد في التظاهرات، ولكن استخدام الضرب المبرح والذي وصل أحيانا للموت، بالإضافة إلى استخدام الغاز المسيل للدموع والقنابل الصوتية بكثافة وبقصد الإضرار بالمتظاهرين يعتبر استخداما مفرطا للقوة وانتهاكا لحقوق الإنسان وحق التظاهر السلمي.
وأكدت لـ«القدس العربي» أن «السودان بمصادقته على اتفاقية مناهضة التعذيب وغيره من ضروب المعاملة أو العقوبة القاسية أو اللاإنسانية أو المهينة، والاتفاقية الدولية لحماية جميع الأشخاص من الاختفاء القسري في شباط / فبراير الماضي» لافتة إلى ان «مخالفة هذه الاتفاقيات يعرضه للإدانة والتنديد».
ردّة كبيرة
ولفتت إلى أن «الفترة ما بعد انقلاب البرهان شهدت ردة كبيرة بخصوص الاختفاء القسري والاختطاف والاعتقال في جهات مجهولة على أعلى مستوى، ابتداء من الذي حدث لرئيس الوزراء وحكومته بعد الانقلاب من اختطاف واعتقال، وكذلك للسياسيين والناشطين من لجان المقاومة الذين ما زال بعضهم في أماكن غير معلومة، فضلا عن التعذيب الذي حدث لعدد من المعتقلين، خاصة لجان المقاومة وطرق الاعتقال المزلة التي استخدمت».
وشددت على «ضرورة التحقيق بخصوص المواد المستخدمة في تفريق التظاهرات وهل تتطابق مع المعايير، وهل تحتوي على مواد محرمة دوليا، خاصة وانها أدت إلى أضرار جسيمة وصلت للموت وفقد الأطراف، وآثار صحية مزمنة» لافتة إلى أن «الطريقة التي تستخدم بها العبوات المسيلة للدموع والقنابل الصوتية مخالفة تماما للمعايير المحلية المفروضة على الشرطة وليست الدولية فحسب».
وأكدت أن «الغاز المسيل للدموع يستخدم لصناعة غمامة ضبابية ليتم تفريق المتظاهرين ويستخدم حال اقتحامهم لمبان أو مؤسسات وليس على رؤوس وأطراف المتظاهرين ولخنقهم وقتلهم».
وشددت أيضا على أن «اقتحام المستشفيات بالقوة المسلحة واعتقال المصابين وحرمانهم من حقهم في العلاج عمل إجرامي في كل الأعراف والاتفاقات الدولية» لافتة إلى أن المستشفيات حتى في مناطق الحرب تعتبر «مناطق آمنة».
واعتبرت أن «عدم قيام قوات الشرطة بمهام حماية المستشفيات والتظاهرات، فضلا عن وجود قوات وجيوش متعددة في البلاد خطر كبير على المدنيين ومؤشر واضح لاحتمالات الإفلات من العقاب» مؤكدة على ضرورة «رصد وتوثيق جميع الانتهاكات للوصول للعدالة مستقبلاً».
والقوانين السودانية «تمنع العنف المستخدم ضد المتظاهرين» حسب ما بيّن المحامي الناشط في مجال حقوق الإنسان معز حضرة لـ«القدس العربي» مؤكداً أن «حق التظاهر السلمي محمي وفق الوثيقة الدستورية وبكل المواثيق الدولية التي صادق عليها السودان وأصبحت جزءا من القانون السوداني».
وشدد على أن «الانتهاكات والعنف الذي يحدث في مواجهة التظاهرات السلمية مخالف للقانون المحلي ويعاقب عليها، وكذلك هي مجرّمة دوليا».
«مخالف للقوانين»
ولفت إلى أن «استخدام الغاز المسيل للدموع في التظاهرات وفق القوانين السودانية يجب أن يكون بحضور وكيل نيابة يوجه الأوامر لقوات الشرطة باستخدامه حال وجد ضرورة لذلك» مشددا على ان «الشرطة لا يحق لها أن تستخدمه كما تشاء».
وأوضح أن «الشرطة يتم تدريبها على تفريق التظاهرات بشكل سلمي، وأن ما يتم من استخدام مفرط للعنف فيه تجاوز لمناهج الشرطة نفسها، فضلا عن غياب وكلاء النيابة عن كل التظاهرات الأخيرة وتصدي الشرطة وحدها لها».
وبيّن حضرة أن ذلك «يعتبر مخالفا لقانون الشرطة والقوانين المحلية وانتهاكا للاتفاقات والأعراف الدولية».
في سياق مواز، نقلت وكالة رويترز للأنباء عن مصدر مقرب من رئيس الوزراء، «أن استمرار حمدوك في منصبه رهين بتنفيذ الاتفاق السياسي الذي وقعه مع قائد الجيش»
كما أطاح رئيس الوزراء بوكلاء الوزارات الذين عينهم قائد الجيش عقب الانقلاب.
وأصدر حمدوك قرارا أمس بإنهاء تكليف معظم وكلاء الوزارات السابقين وعين وكلاء جددا لتسيير المهام الحالية في الوزارات.
وحسب وثيقة لمجلس الوزراء السوداني اطلعت عليها «القدس العربي» كلف حمدوك وكلاء لعشرين وزارة أبرزها الخارجية والعدل والري والموارد المائية، في وقت لم يعين وكلاء وزارات المالية والحكم الاتحادي التي كانت ضمن حصة الحركات الموقعة على اتفاق سلام جوبا، بالإضافة إلى وزارة الإعلام.