الجزائر: الغاز الصخري قنبلة موقوتة تهدد بأزمة عميقة في الجنوب

حجم الخط
4

الجزائر – «القدس العربي»: تحول استغلال الغاز الصخري إلى موضوع الساعة في الجزائر، فالخطوة التي اتخذتها الحكومة منذ أشهر بإعطاء الضوء الأخضر للشروع في عمليات حفر آبار تجريبية تحسبا للبدء في استغلال الغاز الصخري، ما فتئت أن تحولت إلى أزمة تتعقد يوما بعد آخر، وتفرض على الحكومة التراجع إلى الوراء، وهو الأمر الذي ترفضه الحكومة، أو على الأقل لا تريد القيام به علنا.
أكثر من ثلاثة أسابيع قضاها المحتجون في مدينة عين صالح ( 1300 كيلومتر جنوب العاصمة) في الساحة الرئيسية التي أطلق عليها اسم «ساحة الصمود» لرفض استغلال الغاز الصخري، حيث شرعت الحكومة في حفر آبار تجريبية، الأمر الذي جعل سكان المنطقة يخشون من تأثيرات استغلال هذا الغاز على صحتهم وعلى البيئة، خاصة وأن دولا كثيرة منعت استغلال الغاز الصخري على أراضيها.
الرفض الشعبي لهذه الخطوة التي أقدمت عليها الحكومة انتشر من مدينة إلى أخرى، وشمل 11 مدينة، إذ نظمت اعتصامات واحتجاجات رفعت فيها شعارات «لا للغاز الصخري»، ووصل الأمر إلى العاصمة إذ حاول عدد من الناشطين تنظيم وقفة احتجاجية لرفض استغلال الغاز الصخري، والتعبير عن التضامن مع سكان عين صالح، لكن الشرطة التي طوقت ساحة البريد المركزي في ذلك اليوم، سارعت إلى اعتقال المشاركين في الوقفة واحدا واحدا، بمجرد وصولهم إلى ساحة البريد المركزي، ووزعتهم على محافظات الشرطة المختلفة، التي بقوا فيها حتى نهاية اليوم، ثم أخلي سبيلهم.
الحكومة التي تجاهلت في البداية الحركة الاحتجاجية في عين صالح، وراهنت على استنزاف عزيمة المشاركين فيها مع مرور الأيام، تفاجأت بصمود المحتجين، وإصرارهم على المواصلة في رفض استغلال الغاز الصخري، ثم أوفدت في وقت ثان وزير الطاقة يوسف يوسفي، الذي حاول إقناع المحتجين بعدم خطورة استغلال الغاز الصخري، حتى وجد نفسه يقول إنه جزائري يحب بلده أكثر منهم، ولما ثار الموجودون في القاعة على هذه الجملة، صححها قائلا بأنه جزائري مثلهم.
الخرجة الفاشلة لوزير الطاقة جعلت الحكومة تتريث في إيفاد الوزير الأول عبد المالك سلال، خوفا من أن يكون الاستقبال سيئا، ثم يزداد الحرج وتتعقد الأمور أكثر، وأوفدت الوزارة الأولى بعثة لقياس حرارة الشارع في عين صالح، ليتبين أن ذهاب الوزير الأول في هذه الحالة قد لا يكون مناسبا، فيما قرر الرئيس عبد العزيز بوتفليقة إيفاد مدير الأمن العام اللواء عبد الغني هامل، في خطوة فاجأت الجميع، لأنها المرة الأولى التي يرسل فيها رجل أمن للقيام بعمل رجل سياسة، وقد جرت زيارة مدير الأمن العام في ظروف حسنة نسبيا، واستقبل اللواء هامل وفدا عن المحتجين، واستمع إليهم واعدا إياهم بنقل انشغالاتهم ومطالبهم إلى الرئيس بوتفليقة.
مباشرة بعد عودة اللواء هامل إلى العاصمة، سرت أخبار مفادها أن الرئيس بوتفليقة يستعد لإصدار قرار يقضي بتجميد استغلال الغاز الصخري، وهي «أخبار»انتشرت كالنار في الهشيم، وبدأ المحتجون في الاحتفال وتهنئة بعضهم بهذا الإنجاز، لكن ساعات قليلة بعد نشر هذا «الخبر»، نفى وزير الطاقة يوسف يوسفي بأن يكون هناك أي قرار بشأن تجميد استغلال الغاز الصخري، وهو ما جعل الفرحة تتحول إلى إحباط.
ظهور الوزير الأول عبد المالك سلال على شاشة التلفزيون الحكومي من أجل الحديث أساسا عن موضوع الغاز الصخري، لم يؤد الغرض منه، رغم أن سلال اجتهد في التأكيد على أنه ورئيس الجمهورية يحبان الجنوب وسكانه وحريصان عليه، بل ذهب إلى حد القول بأن أحد ابنائه ولد في الجنوب، وأنه يعتبره من أبناء المنطقة.
أما في شأن الغاز الصخري، فأكد على أن موضوعه لم يحن بعد، وأن ما يتم القيام به حاليا مجرد عمليات حفر وإجراء تجارب، وبعد الانتهاء من حفر البئر الثانية، ستبدأ مرحلة الدراسة، والتي ستستغرق أربع سنوات، وأن القرار باستغلال الغاز الصخري من عدمه سيتخذ بعد ذلك في مجلس الوزراء برئاسة بوتفليقة.
سلال استمات في التأكيد على أن استغلال الغاز الصخري ليس مدمجا في جدول أعمال الحكومة، وأنه ما زال هناك وقت طويل، قبل أن يحين وقت الفصل في هذا الموضوع، لكن هذا الكلام لم يهدئ الشارع في عين صالح، إذ خرجت في اليوم التالي مظاهرات جديدة، رافضة لكلام الوزير الأول، ومطالبة بقرار رسمي يعلن فيه عن تجميد استغلال الغاز الصخري.
كلام الوزير الأول الذي يظهر كمحاولة للرد على غليان الشارع في الجنوب، مناقض لما قاله وزير الطاقة يوسف يوسفي أمام نواب البرلمان في حزيران/يونيو الماضي، عندما أكد على أن عدم التفكير في استغلال المحروقات غير التقليدية سيكون تصرفا غير مسؤول، معتبرا أنه من الضروري أن تفكر الجزائر في أمنها الطاقوي على المدى البعيد، لضمان استقلاليتها المالية.
الوزير أوضح أن الجزائر ليست لديها موارد طاقوية أخرى يمكنها استغلالها غير الغاز الصخري، وأن المخزون الحالي مهما كانت كميته فإنه سينضب في وقت من الأوقات، وأن الموارد الأخرى من فحم وطاقة نووية مكلفة وتتطلب إمكانيات لا تمتلكها الجزائر.
كما أن أحمد مشراوي مستشار وزير الطاقة أكد خلال استضافته في برنامج إذاعي أنه يستحيل البحث عن بديل للمحروقات قبل 2050، وأن الحكومة ملزمة بحفظ أمنها من خلال تأمين اقتصادها، وأن قرار استغلال الغاز الصخري لا رجعة فيه.
الأحزاب السياسية دخلت أيضا على الخط، فالمعارضة استغلت الفرصة لمهاجمة السلطة، مؤكدة على أن تسييرها لموضوع استغلال الغاز الصخري، أكبر دليل على إفلاسها، لأنها اتخذت قرارا استراتيجيا باستغلال الغاز الصخري، دون استشارة أحد، وأنه مع انهيار أسعار البترول، فإن أسعار الغاز تراجعت أيضا، وبالتالي فإن الغاز الصخري لن يغير من المعادلة شيئا، كما أن جبهة التحرير الوطني (الأغلبية) استغل الفرصة لمهاجمة الحكومة، التي ينتمي إليها، داعيا الرئيس بوتفليقة إلى التدخل، أما حزب العمال الذي وقف ما بين سنتي 2003 و2004 ضد قانون المحروقات الذي كان يمنح الأغلبية في استغلال حقول النفط للشركات الأجنبية العاملة في الجزائر، فقد شذ مرة أخرى عن القاعدة بمهاجمة المحتجين، والتأكيد على أن الحكومة ليس عليها أن تستشير أحدا في مثل هذه المشاريع، مؤكدة على أن المحتجين تم التلاعب بهم وتوظيفهم، وأن هناك رجال أعمال وأصحاب مصالح وراء هذه الاحتجاجات، وهو ما أثار حالة استغراب لهذا الموقف البعيد عما عرف به الحزب في سنوات، الذي كان يدافع عن العمال، فأصبح يدافع عن السلطة وعن الرئيس وعن الحكومة وعن الوزير( الطاقة).
الأمور تسير نحو مزيد من التأزم في الجنوب، خاصة وأن الطريقة التي عالجت بها الحكومة هذه الأزمة منذ اندلاعها، لم تمكن من حلحلتها ومن تهدئة الشارع، الذي يزداد غليانا مع مرور الأيام، الأمر الذي سيفرض على الرئيس الإعلان عن قرار رسمي، بعيدا عن الوعود والحلول المؤجلة.
جدير بالذكر أن احتياطي الجزائر من الغاز غير التقليدي يقدر بـ 9089 مليار متر مكعب، وكان الكثير من الخبراء حذروا من مخاطر سوء استغلال الغاز الصخري، فقد اعتبر البنك الأفريقي للتنمية عدم امتلاك الخبرة الضرورية لاستغلال هذا الغاز، سيرفع من وتيرة النشاط الزلزالي، ويؤثر على المياة الجوفية، حتى وإن اعترف تقرير البنك الأفريقي بما يمكن أن يدره استغلال الغاز الصخري من مداخيل بالنسبة للجزائر.

كمال زايت

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

  1. يقول أسومة م سويسرا:

    هل الغازالصخري بدعة ابتدعتها الجزائر في مجال الطاقة
    الغاز الصخري شرعت أمريكا في استغلاله و تسويقه منذ مدة ليست بالطويلة و مع ذلك لم نسمع لغطا خاصة و نحن نتحدث عن مجتمع يملك من الوسائل التكنولوجية ما يجعله قادرا على معرفة ايحابيات و سلبيات هذا العنصر الحيوي
    و نحن لسنا أكثر أهلية من أمريكا تكنولوجيا للقول بأن الغاز الصخري جالب للضرر و لو كان كذلك لرأيت المجتمع المدني في أمريكا يعارض ذلك
    الأمر لا يعدو آن يكون ركوبا سياسويا للظرف للوصول الى مآرب أقل ما يقال عنها أنها انتهازية و نخشى أن يهدر الوقت في هذا الزخم و نتأخر عن الركب و نجد سوق الغاز استحوذ عليه المستحوذون خاصة و أننا أصبحنا نعلم أن الجزائر تحوي ثاني احتياط عالمي من الغاز الصخري (حسب دراسة حديثة) و أصبح تسيد الجزائرللسوق العالمية في هذه المادة أمرا حتميا
    نحمد الله و نشكره على ما حبانا من نعم

  2. يقول ثائر من بلاد العرب:

    لسان في حاجة الى استغلال الغاز الصخري في الوقت الحالي، فهذه الثروة نريد ان تبقى بعيدة عن النهابين حتى تبقى لأبنائنا حينما ينضب النفط، غير ان هؤلاء يريدون ان يبتلعوا كل شيء في الجزاير. ان استخراج الغاز الصخري هو اقل ما يقال عنه انه عملية عبثية فهو من جهة مكلف ومن جهة اخرى فهو وديعة الأجيال المقبلة في الجنوب والشمال وفوق ذلك كله ان الغاز الطبيعي متوفر وبكميات كبيرة، فلماذا الغاز الصخري الان بالذات؟
    واما بالنسبة لتقلبات حزب العمال فلمن لا يعرف وايضاً للمغفلين والجاهل بن ان الاشتراكيين والشيوعيين والذين تخلصنا منهم في الجزاير، فهذه هي عادتهم هم مع مصالحهم ومع السلطة أينما دارت يدورون ولا علاقة اهم بالشعب فقد كانوا ضد الحركة الوطنية وضد الثورة وضد الاستقلال وضد كل شيء. ومن ثمة فالحل الوحيد هو في اي استحقاق قادم أخرجوهم أصفار، رغم ان السلطة التي يريدونها ستمنحهم مقاعد كما فعلت وتفعل دوما، لكن حينما تتجندون فسيتم إفشال كل المحاولات.

  3. يقول foufou lakhdar:

    اخالنا نملك ما يكفينا من الغاز الطبيعي في وقتنا الحالي.ولعل الحديث عن انتاج الغاز الصخري من اختصاص العلماء وليس من اختصاص رجال السياسة سواء كانوا في السلطة او خارجها فان اقر العلم بجدوى الاستغلال من دون ضرر يجب على الهيئة التنفيذية العمل بما راه العلم وان راى العلم بان ذلك مضر بالبئة يجب الاحجام عن الفكرة بصفة نهائيةى وقطعية.

  4. يقول عبود الجزائر الغاز الصخري و السلطة:

    تاسست سونطراك 1964 و فتحت معاهد بومرداس التقنية منذ 40 سنة و ما زالت سونطراك لا تستطيع ان تستغل الحقول العادية بكفأة و الدليل استدعاءؤ انا دركو و بريتش برتر ليوم 1996 لرفع انتاج الحقول التي تراجعغ انتاجها الي 700الف برميل فما بالك بالغاز الصخري و النفط الصخري
    و الذي تحتكر تكنولوجية انتاجه الشركات الامركية علي الاخص حوض البرتا
    اذن القضية قضية نهب و سرقة لاستمرار السلطة الحاكمة لان شرعيتها الوحيدة
    و بقائها مرتبط بالمحروقات
    لهذا لن يتوقف هذا المشروع
    الكاتب من الجنوب

إشترك في قائمتنا البريدية