رئيس الوزراء اللبناني: نتطلع لإعادة العلاقات الطبيعية مع السعودية

سعد الياس
حجم الخط
1

بيروت-“القدس العربي”: وأخيراً بعد شهر ونيف على الأزمة الدبلوماسية بين لبنان ودول الخليج وعلى رأسها السعودية، قدّم وزير الإعلام جورج قرداحي استقالته لفتح الباب أمام معالجة هذه الأزمة عشية زيارة الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون إلى دول خليجية ولقائه عدداً من القيادات، مؤكداً “قرّرت أن أتخلّى عن منصبي الوزاري لأن لبنان أهم مني ولا أقبل أن أُستخدم كسبب لأذية اللبنانيين في دول الخليج”، معرباً عن اعتقاده ” أن الرئيس نجيب ميقاتي لديه ضمانات بأن الرئيس الفرنسي سيفتح الحوار مع السعوديين حول العلاقة مع لبنان ولذلك فاتحني بالموضوع”.

وقد وقّع قرداحي كتاب استقالته وسلّمه إلى كل من رئيس الجمهورية ميشال عون ورئيس الحكومة اللذين استقبلاه بعد مؤتمره الصحافي، ثم تشاورا في اتصال هاتفي في المستجدات وبعدما وقّع ميقاتي مرسوم قبول الاستقالة وأحاله إلى رئيس الجمهورية طلب من وزير التربية عباس الحلبي تصريف الأعمال في وزارة الإعلام. وأكد في بيان “أن استقالة الوزير كانت ضرورية ومن شأنها أن تفتح باباً لمعالجة اشكالية العلاقة مع الأشقاء في المملكة ودول الخليج، بعد تراكمات وتباينات حصلت في السنوات الماضية”. وأكد “أن لبنان كان وسيبقى عربي الهوية والانتماء وهو عضو مؤسس وعامل في جامعة الدول العربية وملتزم بمواثيقها، ويتطلع إلى أفضل العلاقات مع الأشقاء العرب وأمتنا بروح الروابط التاريخية التي تجمع بين دولنا وشعوبنا. ومن هذا المنطلق، فإننا حريصون على على تطبيق ما ورد في البيان الوزاري لحكومتنا لجهة تعزيز علاقات لبنان مع الدول العربية الشقيقة والإصرار على التمسك بها والحفاظ عليها والحرص على تفعيل التعاون التاريخي بين بلداننا العربية والنأي بالنفس عن التدخل في الشؤون الداخلية للدول العربية وفي أي نزاع عربي عربي، ودعوة الأشقاء العرب إلى الوقوف إلى جانب لبنان في هذه المحنة التي يرزح تحتها شأنهم دائماً مشكورين”. ووعد ميقاتي “بالتشدّد في ضبط الحدود البحرية والبرية ومنع تهريب كل أنواع الممنوعات الذي يضرّ بأمن الدول العربية وخصوصيتها”. ودعا “كل الأطراف اللبنانية إلى وضع المصلحة اللبنانية فوق كل اعتبار وعدم الإساءة إلى الدول الشقيقة والصديقة بأي شكل من الأشكال أو التدخل في شؤونها”، مجدداً “مطالبة جميع الأطراف إلى طاولة مجلس الوزراء للقيام بتنفيذ ما هو مطلوب من الحكومة في هذا الظرف الصعب”، مبدياً أسفه “لما حصل وأن يكون صفحة من الماضي قد طويت”.   

وشكّل بيان ميقاتي دعوة ضمنية لحزب الله بالامتناع عن التهجّم على السعودية والتدخل في الشؤون الداخلية للدول العربية، كما تضمّن تأكيداً على هوية لبنان العربية وضبط الحدود واعتذاراً ملطّفاً عما بدر عن وزير الإعلام، وهذا من ضمن نقاط المبادرة التي يحملها معه ماكرون والذي إذا نجح في إحداث خرق في الخليج سيصار إلى إعادة تدريجية للعلاقات الديبلوماسية بين لبنان والسعودية، تبدأ بعودة السفراء، مروراً بالتخفيف من الإجراءات المتخذة في ملف التبادل التجاري بين البلدين، وصولاً إلى رفع كل الإجراءات التي تطال المنتجات الصناعية والغذائية اللبنانية، وبالتالي عودة العلاقات الطبيعية.

مؤتمر قرداحي

وكان وزير الإعلام أعلن في مؤتمر صحافي غطّت وقائعه وسائل إعلام محلية وعربية ودولية “أن “قصتي أصبحت معروفة، ولا أعتقد أن هنالك من داع لتكرار تفاصيلها والتطورات التي رافقتها منذ بث تلك المقابلة المشهورة في إحدى المحطات الخارجية… ولا أعتقد أن هناك من داع للتذكير بأن المقابلة كانت قد أجريت معي قبل أكثر من شهر من تعييني وزيراً للإعلام، وبأن ما ورد فيها من مواقف لا تلزم الحكومة بشيء، كما أنني لم أقصد في كلامي عن حرب اليمن الاساءة لأحد، بل كانت دعوة صادقة من القلب الى وقف هذه الحرب لمصلحة الأطراف كافة. تلك المقابلة، بثت، بعد ثلاثة أشهر من إجرائها، وعلى الفور، فتحت علي حملة شعواء ومقصودة في بعض الإعلام اللبناني وفي بعض المواقع الإلكترونية، وفي وسائل التواصل الاجتماعي تعتبر ما قلته جريمة بحق السعودية وسرعان ما انتقلت هذه الحملة إلى الخليج ووسائله الإعلامية”.
وقال: “لا أخفيكم، أن هذه الحملات المسعورة التي تضمنت الكثير من التحامل والتجني والتطاول علي وعلى عائلتي أزعجتني في الشخصي وأزعجتني في مشاعري تجاه أناس أحبهم في السعودية وفي الإمارات وفي دول الخليج ولم يكن بيني وبينهم إلا المحبة والتقدير والاحترام والوفاء… وأزعجتني أكثر، لأنه وبسبب هذه الحملة اللا أخلاقية، والمؤذية باشرت السعودية ودول مجلس التعاون الخليجي، وعلى الفور إجراءات مقاطعة دبلوماسية واقتصادية وتجارية بحق لبنان، وطالبت بإستقالتي من الحكومة. أزعجتني اكثر وأكثر، لأنها تسببت بحالة من القلق لدى إخواني اللبنانيين في دول الخليج الذين خافوا على أعمالهم وإقاماتهم ومصالحهم في تلك الدول…
وما أزعجني فوق كل ذلك أنه كيف يمكن تحميل شعب بكامله مسؤولية كلام قلته بحسن نية وصدق ومحبة. لذلك، وجدت من المنطقي والواجب الوطني أن أرفض الاستقالة تحت هذا الضغط الهائل وهذا التحامل الجائر، وهذا الظلم المتعمد”.

وأضاف: “رفضت الاستقالة لأقول إن لبنان، أولاً لا يستحق هذه المعاملة، وثانياً لأقول إنه، ولو كان يمر بصعوبات كبيرة ولو كان يبدو للأشقاء بأنه دولة ضعيفة، إلا أن فيه شعباً له كرامته وعزة نفسه واستقلاله وحريته وسيادته. للأسف، أكثر الذين تحاملوا عليّ في لبنان من سياسيين وإعلاميين هم الذين رفعوا في وقت من الأوقات شعار: الحرية والسيادة والاستقلال”.

ولفت إلى “أننا اليوم أمام تطورات جديدة. الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، ذاهب إلى السعودية بزيارة رسمية، وقد فهمت من السيد رئيس الحكومة الذي قابلته، قبل يومين بناء على طلبه، بأن الفرنسيين يرغبون في أن تكون هناك استقالة لي، تسبق زيارة الرئيس ماكرون إلى الرياض، وتساعد ربما على فتح حوار مع المسؤولين السعوديين حول لبنان، ومستقبل العلاقات اللبنانية السعودية. تشاورت مع الوزير فرنجية، ومع جميع الحلفاء حول هذا الأمر، وتركوا لي حرية اتخاذ الموقف المناسب. لذلك، وبعد التفكير العميق، وحرصاً مني على استغلال هذه الفرصة الواعدة، والمتاحة، مع الرئيس ماكرون، دعوتكم اليوم لأقول بأنني لا اقبل بأن أُستخدم سبباً لأذية لبنان واخواني اللبنانيين، في المملكة العربية السعودية وفي دول الخليج الأخرى. وبين أن يقع الظلم والأذية على أهلي في لبنان، ودول الخليج، وبين أن يقع علي أنا، فضلت أن أكون أنا، فمصلحة بلدي وأهلي وأحبائي هي فوق مصلحتي الشخصية”.

وأكد أن “لبنان هو أهم من جورج قرداحي، ومصلحة اللبنانيين أهم من موقع وزاري، لذلك قررت، التخلي عن موقعي الوزاري، على أن أظل في خدمة وطني، حيثما أكون، متنياً للحكومة التي أستقيل منها التوفيق والنجاح كما اتمنى أفضل العلاقات بين لبنان ومحيطه العربي، القريب والبعيد وخاصة مع دول الخليج”. وتوجّه “بتحية شكر خالصة إلى الوزير الفارس والأخ الحبيب سليمان فرنجية على ثقته بي ومحبته وشهامته، وليعذرني إذا تسبّبت له بأي جرح ولن يصح إلا الصحيح”.

وختم “أما حرب اليمن التي تسببت لنا بكل هذه الأزمة فلن تستمر إلي الأبد وسيأتي يوم، يجلس فيه المتحاربون على الطاولة ويتصافحون ويوقعون سلام الشجعان، عندئذ أرجو أن يتذكروا أنه ذات يوم قام رجل من لبنان، ودعا إلى وقف تلك الحرب، محبة باليمن وأهل اليمن… ومحبة بالسعودية وأهل السعودية، ومحبة بالإمارات واهل الامارات… ومحبة بلبنان، واهل لبنان… ومحبة بجميع العرب”.

وؤداً على سؤال، نفى قرداحي أن يكون أقرب إلى حزب الله من البطريرك الماروني الذي هو رأس كنيستنا، وختم “أن بقاءه في مجلس الوزراء أصبح عبثياً بعدما وجد نوعاً من التضامن الحكومي فيما آخرون يطالبون باستقالته”.

وسبق خطوة قرداحي مشاورات أجراها مع حلفائه وأصدقائه لحسم خياره بعد لقائه رئيس الحكومة الذي نقل إليه ما جرى بينه وبين الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون الذي قال له “إذا أردتم أن أناقش الوضع اللبناني مع المسؤولين السعوديين، فعليكم أن تعطوني شيئاً ما أستطيع أن أنطلق منه”. 

تزامناً، نُقل عن الرئيس ماكرون أنه يأمل في حدوث تقدم بشأن الأزمة اللبنانية في غضون الساعات المقبلة، وصرّح ماكرون خلال زيارته لدولة الإمارات “سنفعل ما في وسعنا لإعادة إشراك منطقة الخليج من أجل صالح لبنان… أتمنى أن تسمح لنا الساعات المقبلة بتحقيق تقدم”.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

  1. يقول ميساء:

    التنازل يؤدي إلى مزيد من التنازلات يا ترى على من سيأتي الدور بعد السيد قرداحي؟!

إشترك في قائمتنا البريدية