القدس- عبد الرؤوف أرناؤوط: ليس ثمّة حاجة لإجراء دراسات، لاكتشاف الفارق الكبير ما بين شطري مدينة القدس الشرقي والغربي، فحتى في الشطر الشرقي ثمة فوارق ملحوظة بين المستوطنات الإسرائيلية والأحياء الفلسطينية.
ويفصل الشارع رقم واحد، أجزاء كبيرة من شطري المدينة، اللذين لا تفصلهما أسوار أسمنتية كتلك التي تفصل القدس الشرقية، عن محيطها الفلسطيني من ناحيتها الشرقية.
ويقول زياد الحموري، مدير مركز القدس للحقوق الاجتماعية والاقتصادية (غير حكومي)، إن بالإمكان لمس الفارق ما بين شطري المدينة الشرقي والغربي “بالعين المجردة”.
ويضيف الحموري في حديثه لوكالة الأناضول: “اكتشاف الفارق الكبير جدا في البُنى التحتية والخدمات والأبنية والمرافق العامة، ملموس وهو ليس بحاجة إلى أبحاث أو دراسات”.
ويتابع: “هناك حتى فوارق واضحة ما بين المستوطنات الإسرائيلية المقامة على أراضي القدس الشرقية والأحياء الفلسطينية في داخل المدينة”.
استنادا إلى معهد القدس لبحث السياسات (إسرائيلي غير حكومي) فإن عدد سكان القدس بلغ 936 ألفا و400 نسمة نهاية عام 2019، بينهم 581 ألفا و100 من اليهود و355 ألفا و300 من العرب.
وعلى ذلك، يُشكّل الفلسطينيون 38 بالمئة من عدد سكان المدينة بشطريها، في حين يُشكّل اليهود 62 بالمئة من عدد السكان.
وبالمقابل، يشير المعهد إلى أن فلسطينيي القدس الشرقية يشكلون 61 بالمئة من السكان في حين يشكل اليهود 39 بالمئة، أما في القدس الغربية فإن 99 بالمئة من السكان يهود ويسكنها فقط 4800 عربي.
وطبقا للمعهد، ففي نهاية العام 2019 وصل عدد السكان اليهود الحريديم (المتدينون الأرثوذكس) في المدينة إلى حوالي 242 ألف نسمة ليشكلوا 24 بالمئة من إجمالي عدد الحريديم في إسرائيل.
وقال في تقرير إحصائي صدر حديثا، حصلت الأناضول على نسخة منه: “خلال عام 2019 ازداد عدد سكان القدس بما مجموعه 17000 نسمة (بنسبة 1.8 بالمئة): الفئة السكانية اليهودية ازدادت بـ7800 نسمة (1.4بالمئة) والفئة السكانية العربية ازدادت بـ9200 نسمة (2.6 بالمئة)”.
وفي القدس الشرقية أحياء: بيت حنينا، شعفاط، مخيم شعفاط، كفر عقب، العيساوية، الشيخ جراح، وادي الجوز، الطور، الصوانة، الشياح، رأس العامود، سلوان، الثوري، البلدة القديمة، جبل المكبر، السواحرة الغربية، صور باهر وأم طوبا.
وأكبر الأحياء في القدس الشرقية هي بيت حنينا، يليها كفر عقب، ثم جبل الزيتون، يليه جبل المكبر، ثم شعفاط.
ولكن هناك أيضا مستوطنات إسرائيلية أبرزها النبي يعقوب، بسغات زئيف، التلة الفرنسية، راموت، رامات شلومو، تلبيوت، أرمون هنتسيف، غيلو، هار حوماه، جفعات هاماتوس، والمنطقة الصناعية عطاروت.
وتشهد المدينة صراعا ديمغرافيا ما بين الفلسطينيين والإسرائيليين، حيث يتحكمون الأخيرون بدفة الميزان في هذا الصراع لوجود السلطة بأيديهم.
ويريد الفلسطينيون، جعل القدس الشرقية التي احتلتها إسرائيل عام 1967 عاصمة لهم؛ ولكن الأخيرة التي ضمت القدس الشرقية عام 1981، تعتبرها جزءا من عاصمتها التي تشمل القدس الغربية.
ولم يعترف العالم بضم إسرائيل للقدس الشرقية، ولكن محاولات إسرائيل ترسيخ أغلبية يهودية في مدينة القدس، بشطريها، لا تتوقف.
ويقول الحموري: “لم تترك إسرائيل وسيلة لم تلجأ إليها في محاولة لتكريس أغلبية يهودية في المدينة بشطريها، بما في ذلك الضرائب والمستوطنات وهدم المنازل وسحب الهويات وغيرها من أساليب الطرد”.
ويضيف: “منذ السبعينيات، كان القرار الإسرائيلي بألا يزيد عدد الفلسطينيين في القدس عن 22 بالمئة من عدد سكان شطري المدينة (..) ولكن في واقع الحال فإنهم الآن 38 بالمئة أو حتى 39 بالمئة”.
ويفيد الحموري أن إسرائيل تحاول جعل كفة الصراع الديمغرافي يميل لصالحها بما في ذلك من خلال تشجيع السكن في القدس الغربية وبناء المستوطنات بالقدس الشرقية، وجعل الحياة شبه مستحيلة للفلسطينيين في مدينتهم.
ويوضح: “أرقام الشقق المهددة بالهدم في القدس الشرقية مقلقة جدا، فهي تصل إلى ما بين 20-25 ألف وحدة سكنية، وبالمقابل فإنه في القدس الغربية والمستوطنات المقامة على أراضي القدس الشرقية هناك تراخيص بناء ضخمة ومساعدات ومنح وقروض لليهود فقط”.
واستنادا إلى معطيات مركز المعلومات الإسرائيلي لحقوق الإنسان في الأراضي المحتلة “بتسيلم” (غير حكومي) فقد هدمت إسرائيل 3780 مبنى بالقدس الشرقية منذ العام 2004 من بينها 178 مبنى منذ بداية العام الجاري 2021.
وبموجب القانون الإسرائيلي، فإن الفلسطيني في القدس الشرقية مقيم وليس مواطنا. ويسمح القانون للفلسطينيين بالحصول على الجنسية الإسرائيلية لكن الغالبية العظمى منهم يرفضون الحصول عليها.
ولا تسمح إسرائيل للفلسطينيين بالحصول على جواز السفر الفلسطيني، ولكنها تسمح لهم منذ العام 1967 بالحصول على جواز السفر الأردني.
وتضع إسرائيل قيودا أمام مشاركة الفلسطينيين المقدسيين بانتخابات المجلس التشريعي الفلسطيني؛ كما يمنعهم قانونها من المشاركة في انتخابات الكنيست ما لم يحصلوا على الجنسية الإسرائيلية.
ويسمح القانون الإسرائيلي للفلسطينيين المقدسيين بالمشاركة في الانتخابات لبلدية القدس الغربية، لكن الغالبية العظمى منهم تعزف عن المشاركة؛ فالمقدسيون ينظرون إلى البلدية ومعها مؤسسة التأمين الوطني الإسرائيلية (حكومية) ووزارة الداخلية الإسرائيلية باعتبارها أدوات رئيسية في الحرب الديمغرافية ضدهم بالمدينة.
ويطل المبنى الضخم للبلدية، المقام على الطرف الغربي لشارع رقم واحد، على القدس القديمة وأحياء بالقدس الشرقية لكن سكان المدينة الفلسطينيين يقولون إن البلدية تنشط فقط في تحصيل الضرائب الباهظة منهم.
ويقول الحموري: “نحن ندفع 100 بالمئة من الضرائب المفروضة علينا وهي تشكل 35-37 بالمئة من مجمل ميزانية بلدية الاحتلال، ولكن بالمقابل لا نحصل سوى على نسبة 6-7 بالمئة خدمات بأقصى حد”.
ويردف: “لا يمكن المقارنة بين الخدمات التي يحصل عليها الإسرائيليون بالقدس الغربية بتلك التي نحصل عليها نحن في القدس الشرقية رغم أننا ندفع نفس نسب الضرائب، وإن كان الإسرائيليون يحصلون على تخفيضات وإعفاءات لا نحصل عليها”.
ويتابع مدير المركز قائلًا: “خذ مثالا الحدائق ومراكز الترفيه، فهي منتشرة بشكل كبير جدا بالقدس الغربية ولكنها تكاد تكون مختفية بالقدس الشرقية والأمثلة الأخرى كثيرة بما فيها التعليم”.
وغالبا، ما تنفي المؤسسات الإسرائيلية ممارسة أي تمييز ضد المواطنين في القدس الشرقية، لكنّ المؤسسات الحقوقية الفلسطينية والإسرائيلية والدولية تميل إلى تأكيد اتهامات الفلسطينيين.
وتقول جمعية حقوق المواطن في إسرائيل (غير حكومية)، عبر موقعها: “منذ ضم القدس لم تخصص إسرائيل موارد لصيانة وتطوير القدس الشرقية، ويعاني سكانها من التمييز والإهمال منذ أكثر من 50 عامًا”.
وتلفت في هذا الصدد إلى أن 72 بالمئة من الأسر الفلسطينيّة في القدس الشرقية تعيش تحت خطّ الفقر؛ مقابل 26 بالمئة من مجمل الأسر اليهوديّة في القدس.
وتقول: “81 بالمئة من الأولاد الفلسطينيّين في القدس الشرقيّة يعيشون تحت خطّ الفقر؛ مقابل 38 بالمئة بين الأولاد اليهود”.
وتضيف: “الاكتظاظ في الأحياء الفلسطينيّة يبلغ ستّ أشخاص تقريبًا للشقة وحوالي 1.8 شخص للغرفة، مقابل نحو 3.2 أشخاص للشقة وشخص واحد للغرفة لدى اليهود”.
(الأناضول)