الجزء المثير للجدل في تعديلات الدستور وهو ذلك المتعلق بتأسيس المجلس الوطني الأمني الجديد أحرج الحركة الإسلامية وحزبها ويحرج الشارع الأردني أيضا.
عمان ـ «القدس العربي»: هل يحتاج الأمر إلى إعادة تقييم فعلية للمشاركة في لجنة وثيقة تحديث المنظومة السياسية؟
هذا سؤال يطرحه أصدقاء الحركة الإسلامية الأردنية وأحيانا حلفاؤها في الحراك السياسي على رموزها وقادتها في محاولة لمراجعة وإعادة تقييم شكل وجوهر وصنف ليس المشاركة فقط ولكن المخرجات أيضا.
مبكرا وصف الأمين العام لحزب جبهة العمل الإسلامي الشيخ مراد العضايلة التعديلات الدستورية الأخيرة التي رافقت المنظومة بأنها «صدمة كبيرة تؤسس لانقلاب على الدستور» وتؤشر على إنغلاق الأفق في الإصلاح السياسي.
يبدو ان حجم الشعور بتلك الصدمة وخوف قيادة الحركة الإسلامية من تحميلها من جهة القواعد لمسؤولية التحولات الدستورية التي تجري الآن هو المحرك لصدمة موازية على مستوى السلطات والحكومة قوامها الاستغراب الشديد من مشاركة الحركة الإسلامية في وقفات احتجاجية تعترض على تعديلات دستورية لم تقرر بعد.
ضمنيا يتبادل الإسلاميون والرسميون الآن ليس التلاوم فقط فقد تجاوزه حزب الجبهة، ولكن الصدمات المتبادلة، لان الجزء المثير للجدل في تعديلات الدستور وهو ذلك المتعلق بتأسيس المجلس الوطني الأمني الجديد أحرج كما شرح العضايلة الحركة الإسلامية وحزبها ويحرج الشارع الأردني أيضا.
لكن على الجبهة الرسمية والحكومية الشعور يزيد بان قواعد الاشتباك والتفاهم التي نمت مع الإسلاميين على هامش لجنة المنظومة وجهود رئيس الوزراء الأسبق سمير الرفاعي، يمكن ان تتأخر سلبا في حال اتجاه التيار الإسلامي إلى لعبة الشارع تحت يافطة الاعتراض على تعديلات دستورية، وهي يافطة بحث الإسلاميون بقدر من التذاكي السياسي عن المشاركة فيها مع آخرين يبدو ان على رأسهم المراقب العام الأسبق للإخوان المسلمين ومؤسس حزب الإنقاذ الذي استهدفته الحكومة الشيخ سالم الفلاحات.
لا يزال وقد استمعت «القدس العربي» مؤخرا منه وزير التنمية السياسية وشؤون البرلمان في الحكومة موسى المعايطة مصر على الانتقال بالمنظومة بروح إيجابية تمضي قدما إلى الأمام وتتجاوز الشخصي والذاتي لصالح الوطني مع الإسلاميين وغيرهم.
لكن بتقدير العضايلة الصدمة يبدو أنها أكبر مما تستوعبه الحكومة التي تستغرب الآن بعض تداعيات الجملة التكتيكية في الرد والتعليق والاشتباك للحركة الإسلامية عندما يتعلق الأمر بصدمة موازية من العودة إلى تكتيكات الشارع.
في مقاربة التيار الإسلامي الأردني اليوم لم يكن من الممكن إطلاقا تمرير ما سمي باتفاقية خطاب النوايا بدون العودة إلى الشارع وفي الصف الأمامي تنديدا بالتطبيع وعلى اعتبار التنشئة والتربية الإخوانية القديمة والتي تعتبر القضية الفلسطينية هي الأساس وتستبعد أي سيناريو بصرف النظر عن الثمن السياسي يصمت فيه الإسلاميون حيث لا يمكنهم ذلك في أي جزئية لها علاقة بالتطبيع.
لذلك اندفع الإسلاميون إلى الصفوف الأولى في عدة فعاليات ووقفات احتجاجية على اتفاقية دبي الشهيرة.
ولذلك يتفهم رجال السلطة الأمر وقد ألمح لذلك التفهم الرفاعي في محاضرة عامة وأعاد الوزير المعايطة التأكيد على ان حريات التعبير مصونة مع ان الجناح العقائدي ضد الإخوان المسلمين في مؤسسات السلطة الأردنية توفرت له ذخائر لهجوم معاكس قوامها محاولة اللعب بورقة المخيمات في الاشتباك المتعلق بالتطبيع. ولاحقا محاولة النزول إلى الشارع ضد تعديلات دستورية مهمة.
هنا حصريا انتعش الجناح المخاصم وبشدة للإخوان المسلمين وبدا ان لديه وقائع مقلقة يمكن ان تنسف ما حصل من تفاهمات عبر لجنة المنظومة.
والتقط اليسار الذي جلس في حضن السلطة بكثافة مؤخرا ما هو جوهري في المسألة للانقضاض المعاكس تحت لافتة جبهة لا ينبغي الرهان على إنتاجية التشبيك والعلاقة معها.
يبدو في السياق ان تحضيرات الانتخابات المقبلة في مؤسسات الحركة الإسلامية عنصر أساسي في المشهد. وان عملية تقاسم الأدوار ما بين ثلاثية الجماعة والحزب والكتلة تخللها بعض الاندفاع أو ازدحمت فيها بعض الاجتهادات مما قاد إلى ارتفاع جديد لأصوات دعاة المرتابين في السلطة بالحركة الإسلامية أو لتلك النخب التي تحترف إرباك العلاقة بين الدولة والإسلاميين فيما توفر لها اجتهادات خالية من التكتيك أو طموحات ذاتية لبعض الإسلاميين بعض الذخائر.
الموقف في زاوية ضيقة ومحاولة احتواء أي صدام محتمل بين الإسلاميين والسلطة في الأردن يزداد تعقيدا، فالتيار لا يستطيع الصمت عندما يتعلق الأمر بالقضية الفلسطينية والتطبيع مع إسرائيل وأذرع السلطة بالمقابل لا تستطيع الصمت طويلا عندما يتعلق الأمر بالنزول إلى الشارع احتجاجا على تعديلات دستورية أساسية في خيارات الدولة أو عندما يتعلق الأمر باللعب بورقة نشطاء المخيمات.
ثمة درب ثالث مسيس أكثر بالتأكيد لا بد ان تصله بوصلة الطرفان وإلى ان يحصل ذلك الجميع يراقب الآن تبادل اللكمات بسبب تبادل الصدمات.