معهد الشرق الأوسط: تتصدرها قاعدة عسكرية على البحر الأحمر.. هذه هي حسابات روسيا في السودان

حجم الخط
1

لندن ـ “القدس العربي”:

تناول صموئيل راماني في تحليل له على موقع “معهد الشرق الأوسط” موقف روسيا من تطورات الوضع في السودان وأشار إلى حسابات موسكو المتعلقة أساسا بقاعدة عسكرية لها في “بورتسودان” على البحر الأحمر.

ويبدأ الكاتب تحليله بقراءة تطورات المشهد السوداني، حيث ينوه إلى اشتداد حالة الاضطراب السياسي التي يشهدها السودان منذ أواخر أكتوبر/تشرين الأول الماضي، ففي 25 من ذلك الشهر استولى الجنرال عبد الفتاح البرهان على السلطة في انقلاب عسكري، ووضع رئيس الوزراء المدني عبد الله حمدوك قيد الإقامة الجبرية، وأعلن حالة الطوارئ.

واستجابة للضغوط الدولية المكثفة، وقع البرهان وحمدوك اتفاقًا من 14 نقطة في 21 نوفمبر/تشرين الثاني، أعاد حمدوك كرئيس للوزراء وأسفر عن إطلاق سراح السجناء السياسيين.

وبينما أحبط هذا الاتفاق انزلاق السودان إلى ديكتاتورية عسكرية، استمرت الاحتجاجات الجماهيرية ورفضت “قوى الحرية والتغيير” المعارضة الصفقة.

ويلفت الكاتب إلى أنه بينما أدانت الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي الانقلاب السوداني على الفور، كان رد روسيا على انقلاب البرهان وعودة حمدوك إلى السلطة في نهاية المطاف أكثر غموضًا.

ويشير إلى أن نائب ممثل روسيا لدى الأمم المتحدة ديمتري بوليانسكي صرح بأنه “من الصعب القول ما إذا كان هذا انقلابًا أم لا” وادعى أن أحداثًا مثل تلك التي وقعت في السودان تحدث في أماكن أخرى من العالم دون أن يطلق عليها اسم انقلاب، فيما أرجع وزير الخارجية الروسي “سيرجي لافروف” حالة عدم الاستقرار في السودان إلى الأعمال المزعزعة للاستقرار من قبل القوى الغربية، والتي أدت إلى تآكل وحدة أراضي البلاد وفرص الديمقراطية.

ويؤكد الكاتب أن رفض روسيا لإدانة مخططي الانقلاب جاء لتسليط الضوء على إمكانية استفادتها من الناحية الجيوسياسية من تغير الرياح السياسية في السودان، حيث تنظر روسيا إلى الاحتكاكات المحتملة بين السودان والدول الغربية، التي انبثقت عن الانقلاب، على أنها دفعة تعزيز لاحتمالات بناء قاعدة بحرية في بورتسودان ولشراكتها الدفاعية مع الخرطوم.

وبحسب الكاتب من المرجح أن تتعزز مصالح روسيا في السودان من خلال الانتقال الجزئي إلى الحكم المدني، وهو تحول غير ليبرالي بطبيعته ويمنح نفوذاً كبيراً للجيش السوداني.

ويقول إنه على الرغم من أن البرهان يحافظ على علاقات ودية مع المسؤولين الروس، فإن الرأي السائد في موسكو كان أن الانقلاب يضر بالشراكة الأمنية الروسية السودانية.

ويذكر أن العقيد جنرال “ليونيد إيفاشوف”، الذي شغل سابقًا منصب رئيس القسم الرئيسي للتعاون العسكري الدولي بوزارة الدفاع الروسية، أعرب عن قلقه من أن الانقلاب تم بتحريض من الولايات المتحدة وخشي أن يتسبب ذلك في نسيان القاعدة الروسية في بورتسودان.

ففي نوفمبر/تشرين الثاني 2020، أعلنت روسيا عن خطط لبناء قاعدة بحرية على ساحل البحر الأحمر السوداني، والتي ستكون بمثابة مركز إمداد لوجستي ومكان لاستراحة أفراد الطاقم، وستخفف هذه المنشأة الضغط على القاعدة البحرية الروسية في طرطوس على الساحل السوري على البحر المتوسط ​​وتسمح لروسيا بلعب دور أكبر في مهام مكافحة القرصنة في المحيط الهندي.

كما قوبل الدور المؤثر لنائب رئيس مجلس السيادة الانتقالي محمد حمدان دقلو، المعروف أيضًا باسم “حميدتي”، بعدم اليقين، بحسب الباحث.

وذكر ما قاله “سيرجي سيريجيتشيف”، المتخصص في شؤون السودان بجامعة الدولة الروسية للعلوم الإنسانية، “مراجعة السودان للاتفاقية بشأن القاعدة العسكرية الروسية لا تقدم حميدتي كشريك موثوق لروسيا”.

لكن خطاب “البرهان” بشأن قاعدة بورتسودان البحرية هدأ، بحسب الكاتب، من هذه المخاوف، ففي مقابلة مع وكالة “سبوتنيك” في 1 نوفمبر/تشرين الثاني الماضي، شدد “البرهان” على التزام السودان باتفاقية قاعدة بورتسودان، لكنه أقر بأنه “لا تزال هناك بعض العيوب التي يجب إصلاحها”.

ويرى الباحث أن إحدى النقاط التي لا تزال قيد التفاوض هي موقع القاعدة، حيث ترغب روسيا في بناء المنشأة في شبه جزيرة سواكن، والسودان يريد أن يتم بناؤها في موقع عركياي الأقل قيمة من الناحية الاستراتيجية.

ومع ذلك، كان تصريح “البرهان” أكثر تفاؤلاً إلى حد كبير من تصريحات رئيس أركان القوات المسلحة اللواء “محمد عثمان الحسين” في يونيو/حزيران، والتي شجبت البنود “الضارة إلى حد ما” في الاتفاقية ودعت إلى تعليقها التام.

وفي حين أن عودة اتفاقية تقاسم السلطة في السودان يمكن أن تقوض مرة أخرى اتفاقية القاعدة البحرية، فإن روسيا تتخذ خطوات بهدوء نحو الانتهاء من مجموعة من الاتفاقيات التي يمكن أن تؤدي إلى بناء مرفق بورتسودان في نهاية المطاف.

وبحسب الكاتب فوفقا لتقرير نشرته صحيفة “نيزافيسيمايا جازيتا”، فقد قدمت روسيا شحنات أسلحة مجانية للسودان ومعلومات حول الأرصاد الجوية المائية في البحر الأحمر ووافقت على بناء رصيف بحري للسفن السودانية الحربية.

ويذكر أنه في حين أن هذه العروض لا توفّي طلبات السودان الأولية، والتي شملت أنظمة الصواريخ المضادة للطائرات S-400، ومقاتلات “SU-30” وSU-35، ومحطة طاقة نووية بحجم 1200 ميجاوات على نهر النيل، إلا أنها يمكن أن تحفز الخرطوم لقبولها اقتراح القاعدة الروسية.

ويعتقد الباحث أنه بسبب احتكاكات السودان مع إثيوبيا بشأن حدود الفشقة وسد النهضة الإثيوبي، وفي خضم المخاوف المتنامية بشأن الاضطرابات الداخلية في إثيوبيا، تحاول روسيا رفع مستوى تعاونها الدفاعي مع الخرطوم.

وذكر أنه في أعقاب الانقلاب مباشرة، عقدت مديرية التعاون الدولية التابعة لوزارة الدفاع الروسية محادثات مع الجنرال “حسين” بشأن التعاون الأمني، ومن المرجح أن يستمر هذا التعاون، في وقت يبقى فيه المستقبل السياسي للسودان معرضًا للتغير وتلقي حرب تيجراي بإثيوبيا إلى دوامة من عدم الاستقرار.

ويرى الباحث أنه مثلما فعلت روسيا مع السعودية والإمارات ومصر، ظلت مؤيدة بثبات للاستقرار الاستبدادي في السودان، وقبل الإطاحة بالرئيس “عمر البشير” من السلطة في أبريل/نيسان 2019، نشرت روسيا المتعاقدين العسكريين الخاصين من مرتزقة “فاغنر” لحماية أصول التعدين الروسية في البلاد وعرقلة الإطاحة به.

وبحسبه فعلى الرغم من أن وزارة الخارجية الروسية أشادت بحفاوة بالانتقال الديمقراطي في السودان في أغسطس/آب 2019، فقد كانت هناك شكوك في موسكو بشأن استقرار التعددية في السودان.

وأشارت وسائل الإعلام الروسية إلى سابقة الانتقال الديمقراطي المجهضة في السودان في 1985-1989، والتي انتهت بانقلاب “البشير”، كدليل على عدم إمكانية الديمقراطية الليبرالية في السودان.

وخلال الفترة السابقة واللاحقة لانقلاب السودان، سلطت التغطية الإعلامية لشبكة “RT” الروسية الضوء على الدعم السوداني الشعبي للانقلاب العسكري، وانتقدت دور الحكومة المدنية في تفاقم النقص الغذائي، وادعت أن حمدوك كان يرأس “إدارة تكنوقراطية غير منتخبة”.

وعلى الرغم من أن جهود ترويج روسيا للأوتوقراطية موثقة جيدا، إلا أنها تجد أيضا إشكالية في إعادة ترسيخ دكتاتورية عسكرية.

وخلال الانقلاب، عززت وسائل الإعلام الروسية سردية بأن الدول الغربية ستستوعب النظام العسكري في السودان بدلًا من عزله، وأشارت مقالة على موقع “روسيا اليوم”  في 24 أكتوبر/تشرين الأول إلى أن “الولايات المتحدة تحتاج إلى الاحتفاظ بدعم أعضاء المجلس العسكري في البلاد إذا اتبع السودان مسار واشنطن في إبعاد روسيا والصين”.

تشبه هذه المخاوف الأولية في وسائل الإعلام الروسية ذات المخاوف لديها سابقًا حول مسار مصر بعد انقلاب الرئيس “عبد الفتاح السيسي” في عام 2013، والتي لم يخففها إلا تواصله اللاحق مع روسيا.

وحذر مقال على موقع “روسيا اليوم” في 25 أكتوبر/تشرين الأول من أن إعادة ترسيخ النظام العسكري يمكن أن يضع السودان على طريق “مزيد من الفوضى”.

وبحسب الكاتب فوفقا لمصادر أمريكية وسودانية، لا يزال دور مجموعة “فاغنر” في السودان محصورا على الوصاية على أصول التعدين ولم يمتد لمساعدة النظام العسكري على الاحتفاظ بالسلطة.

أما السيناريو الروسي المفضل في السودان فهو الانتقال إلى حكم مدني يمنح العسكر الحكم الذاتي على السياسة الخارجية، حيث سيكون هذا السيناريو مقبولًا لشركاء روسيا الرئيسيين مثل الصين والسعودية والإمارات ومصر، وفي الوقت ذاته يمنع فرض عقوبات من شأنها أن تحد من العلاقات الاقتصادية لروسيا مع السودان.

كما سيسمح هذا لموسكو بالتفاوض مباشرة مع الجيش السوداني ويسكت منتقدي العلاقات بين روسيا والسودان داخل المجتمع المدني.

وبالتالي، من المحتمل أن يتسبب هذا التفضيل في أن تعمل روسيا كمؤيدة علنية للانتقال السوداني وفي الوقت ذاته مفسدة للتحول الديمقراطي في الأشهر المقبلة أيضًا.

كلمات مفتاحية

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

  1. يقول alaa:

    العسكري يبيع بلده او يتركها للغرباء ليبنوا قواعد او ووووو المهم هو الاعتراف بالكرسي لصالحهم

إشترك في قائمتنا البريدية