كان الرئيس الأمريكي جو بايدن من أوائل من قدموا التهنئة للمستشار الألماني الجديد (أولاف شولتز) بتوليه منصبه، بعد تشكيل إئتلافه الحاكم.
ويبدو أن إدارة بايدن ستجد في شولتز حليفاً أقرب إليها فكرياً، وأفضل من أنغيلا ميركل. وسبب ذلك أن توجهات شولتز اليسارية تتوافق مع بايدن وإدارته، أكثر من توافقها مع توجهات ميركل، ابنة القسيس وزعيمة (الحزب المسيحي الديمقراطي).
فقد نشأ حزب ميركل، لتجميع التيارات المسيحية في البلاد، بعد الحرب العالمية الثانية، على 3 أفكار رئيسية هي: القيم المسيحية، والديمقراطية، والليبرالية.
وما زال الحزب يجسد تأثير الدين على السياسة في ألمانيا، بمذهبيها البروتستانتي والكاثوليكي، اللذين يشكلان مرجعية القيم والأخلاق في البلاد. ويسير الحزب في سياساته، في أحيان كثيرة، حسب ما تراه الكنائس.
وفي المقابل، وبعكس ميركل تماماً، نجد أن المستشار الألماني الجديد (أولاف شولتز)، يساري، غير متدين، رغم أنه ينتمي لعائلة بروتستانتية، وقد ترك الكنيسة مبكراً ولم يدخلها منذ أربعين عاماً.
وقاد حملة في ثمانينيات القرن الماضي من أجل (اشتراكية راديكالية للتغلب على الاقتصاد الرأسمالي)، وها هو الآن يصبح زعيماً لأكبر اقتصاد رأسمالي في أوروبا. يضاف إلى ذلك أنه يحمل وجهات نظر علمانية إلى حد كبير.
أصبح شولتز الآن يقود إئتلافاً حكومياً يضم حزبه الاشتراكي، وحزب الخضر، والليبراليين، وقد حرص على توزيع الحقائب الوزارية بين الجنسين، فكانت أبرز سمات إئتلافه أن نصف الوزراء تقريباً من النساء. إذ يضم الإئتلاف 9 وزراء من الرجال، و8 وزراء من النساء. وتتولى النساء أهم الوزارات، منها الدفاع، والداخلية، والخارجية، والاقتصاد، والبناء، والبيئة، والتعليم.
هزيمة متوقعة
رغم كل ما قدمته ميركل من خدمات لبلادها، فإن أول امرأة تتولى هذا المنصب، استشعرت مبكراً تغير مزاج الناخبين الألمان الذين انتخبوها عضواً في البرلمان، بعد توحيد ألمانيا، عام 1990، وأبقوها في سدة الحكم من 2005 إلى عام 2021، قادت خلالها إئتلافاً كبيراً.
وكونها سياسية متمرسة، أدركت أن نتيجة الانتخابات البرلمانية، ستؤدي حتماً لانتقال السلطة إلى إئتلاف يقوده الحزب الاشتراكي، وحزب الخضر، والحزب الديمقراطي الحر، الليبرالي التوجه، وسط تراجع شعبية حزبها المسيحي.
وقد حذرت ميركل من أن إئتلافاً كهذا سيقود ألمانيا في طريق غير الذي اتسمت به فترة حكمها من ضمان (الاستقرار والموثوقية والإعتدال والوسط، الذي تحتاجه ألمانيا).
وكما توقعت ميركل، فقد قلبت الانتخابات الألمانية المعادلة السياسية، وخسر حزبها المسيحي أغلبيته النيابية، وفاز الحزب الاشتراكي برئاسة (أولاف شولتز)، الذي خلفها في المنصب. وجاء في المركز الثالث (حزب الخضر)، ثم حزب الليبراليين.
الإئتلاف الجديد
يجري انتخاب أعضاء البرلمان الألماني (البوندستاغ) كل أربع سنوات، وقد إزداد عدد مقاعده، بعد انتخابات هذا العام، إلى 735 مقعداً، وبلغت نسبة النساء فيه 35 في المئة.
وكان مجموع المقاعد التي حصلت عليها الأحزاب المشاركة في الإئتلاف 416 مقعداً، وبذلك تكون قد حصلت الحكومة الألمانية على أغلبية مريحة.
وحصلت أكبر كتلة برلمانية، (الحزب الاشتراكي)، على 206 مقاعد، وهو من أقدم الأحزاب السياسية الألمانية، وكان من أكبر المشاركين، منذ 2005، في الإئتلاف الحكومي الذي قادته ميركل.
أما (حزب الخضر)، الذي تأسس عام 1980، فحصل على 118 مقعداً. وضم الحزب على مدى تاريخه خليطاً من المناهضين للطاقة النووية، ومن حركات البيئة، وحركات السلام، وحركات اليسار، والحركات الاجتماعية الداعمة للحريات الشخصية.
وحصل (الحزب الديمقراطي الحر)، الليبرالي، الذي نشأ نهاية الأربعينيات بعد الحرب، على 92 مقعداً. ويدعو الحزب إلى ضمان الحرية الشخصية وإتباع المذهب الحر في الاقتصاد.
السياسات الخارجية
وتشير ملامح السياسة الخارجية للإئتلاف أنه سيواصل نهج حكومة ميركل الذي ركز على تقوية وتعزيز الإتحاد الأوروبي، وإحياء العلاقة بين ضفتي الأطلسي.
أما الموقف تجاه روسيا والصين، فتدعم ألمانيا المعارضة في روسيا وفي الصين وفي روسيا البيضاء. إلا ان مشروع أنابيب الغاز الروسي، (نورث ستريم2)، الذي كانت تؤيده حكومة ميركل، لا يلقى تأييد حزب الخضر.
وهناك توافق بين الإئتلاف على مكافحة التغير المناخي، وخفض إنبعاث الغازات، والتحول إلى الطاقة النظيفة، وزيادة عدد السيارات الكهربائية. أما من الناحية الاجتماعية فإن الإئتلاف يدعو إلى مكافحة (التطرف اليميني) في البلاد، وإلى (المساواة بين الجنسين)، كما عكست ذلك التشكيلة الحكومية.
وهكذا فإن ما حدث من تغيير سياسي في ألمانيا، يشبه إلى حد بعيد، التغيير الذي شهدته الولايات المتحدة نفسها في الانتخابات الرئاسية الأخيرة، قبل عام، والتي جاءت بإدارة بايدن اليسارية، مقابل إدارة سلفه الرئيس دونالد ترامب اليمينية.
وهكذا كان الانتقال من حكم (ميركل اليميني) إلى حكم (شولتز اليساري) هو غاية ما تتمناه، وتسعى إليه، وترحب به، الإدارة الأمريكية، ليس فقط في ألمانيا، بل تريد أن تراه في كل بلدان العالم.
٭كاتب من الأردن
شمرًا أخي داود عمر داود. فيما أظن مثلما سار بايدن على خطى ترامب في السياسة الخارجية ان يتغير الكثير مع شولتز في السياسة الألمانيا. وبالمناسبة شولتز هو من رفاق شرودر الذي أطاح بالإشتراكية على غرار بلير في بريطانيا حيث كان هذا الأخير هو المثال الذي تحتذى به شرودر. أنا لاأتوقع إلا تغيير ظاهري في السياسة الألمانية وبالطبع سيكون تعاون مع أمريكا والأطلسي فهذا أمر واضح.