شكرا لمملكة هولندا التي منحتني جنسيتها؛ حيث بات في مقدوري زيارة (140) دولة دون تأشيرة فيزا؛ بما فيها دولة الاحتلال الإسرائيلي التي أنشئت في أيار/ مايو من عام 1948 بدعم غربي؛ على خرائب وطني الأصلي فلسطين؛ بعد طرد 61 في المائة من إجمالي الشعب الفلسطيني؛ ومن بينهم أهالي قريتي “بلد الشيخ” الوادعة في قضاء مدينة حيفا عروس الساحل الفلسطيني ، ليدفن الوالدان، ومن قبلهم أجدادي وجداتي وأعمامي وأخوالي وخالاتي وعماتي في مقابراللجوء في سوريا بعيداً عن قريتنا التي تجسد الوطن التاريخي فلسطين.
وكيف لي أن أزور وطني ؛ وقد حولّ الاحتلال الإسرائيلي البغيض اسم قريتي من “بلد الشيخ” إلى “تل حنان”؛ نسبة لضابط يهودي ألماني هو “حنان زلنغر” قتل في وادي الحج يحيى أثناء تجسسه على القرية عام 1947. فالزيارة وإن حصلت لا تعني بأي حال حق العودة لي، بل هي زيارة لدولة مارقة تحاول تهويد الزمان والمكان في مناحي الوطن الفلسطيني.
صدق الشاعر الغائب الحاضر بيننا سميح القاسم في قوله ” يا قائمين على خرائب منزلي .. تحت الخرائب نقمة تتقلب”. قريتي “بلد الشيخ” هي قرية فلسطينية مهجرة تقع على بعد سبعة كيلومترات إلى الجنوب الشرقي من مدينة حيفا عروس الساحل الفلسطيني الجميل؛ وترتفع 75 متراعن سطح البحر؛ ويعود اسمها نسبة إلى الشيخ السهلي الصوفي.
بلغت مساحة أراضيها 9849 دونماً. قدر عدد سكانها عام 1922 حوالي (407) نسمة ؛ وفي عام 1945 ارتفع إلى (4120) نسمة.
وتحتضن القرية قبر ضريح الشهيد المجاهد عز الدين القسام الذي تربطه علاقة نسب مع أهالي القرية عن طريق ابنته عائشة (أم صلاح) التي توفيت في بداية التسعينيات من القرن المنصرم ودفنت في مقبرة مخيم اليرموك حيث كانت تقطن وعائلتها.
كان هناك مدرج طيران
كانت متزوجة من الشيخ مصطفى السهلي (أبوصلاح). تقع قريتي “بلد الشيخ “غربيّ الطريق العام الواصل مدينة حيفا في مدينة جنين، وكذلك غربي سكة الحديد الواصلة لسمخ. وعلى بعد نحو نصف كيلومتر غرب القرية كان هناك مدرج طيران. وخلال عام 1859 زار “إدوارد روجرز” نائب القنصل البريطاني القرية وقال إن عدد سكان بلغ في حينها 350 شخصا، كما زارها “غيرن” وهو رحالة فرنسي في عام 1875 وقدر عدد سكانها نحو 500 شخص ورأى عددا من أشجار الزيتون والنخيل والينابيع شمال القرية؛ كانت ثاني كبرى القرى في قضاء مدينة حيفا بعد قرية الطيرة، وكان في القرية محطتا وقود وعدد من المقاهي وقد أقيمت فيها مدرسة ابتدائية عام 1887 وحتى حلول عام 1948 كان في القرية ثلاث مدارس، وكان في القرية معصرة زيتون إضافة إلى أفران، وكان أهالي القرية يعتاشون من زراعة وفلاحة الأرض وتربية المواشي وقسم كبير منهم كان يعمل في المصانع في حيفا. ولأهالي القرية كما جنبات فلسطين التاريخية عادات وتقاليد وطقوس متشابهة في الأعياد والمناسبات الدينية والأفراح والأتراح ، فضلاً عن ذلك ثمة أغان خاصة للأطفال خلال عيدي الفطر والأضحى؛ ويحتفظ أهالي القرية بالتواتر بعض الأمثال الشعبية الفلسطينية وفي مقدمتها المثل القائل “الدار دار ابونا واجو الغرب يطحونا”
المجزرة والطرد
قامت العصابات الصهيونية بهدم غالبية منازل ودكاكين القرية بعد تنفيذ المجازر بأهلها وشردتهم. وقد بلغ عددهم عام 1948 حوالي (4779) نسمة. وفي فجر الأول من كانون ثاني /يناير 1948، ارتكبت عصابة البلماخ الصهيونية مجزرة مروعة ؛ حيث قتلت (60) من أطفال ونساء وشيوخ القرية. وتمّ تهجير أهالي القرية بعد قصفها الكثيف من قبل العصابات الصهيونية في الرابع والعشرين من شهر نيسان /إبريل 1948؛ أي بعد سقوط مدينة حيفا بيومين؛ واتجهت النسبة الكبرى من أهالي القرية إلى شمال فلسطين وصولاً الى لبنان فسوريا؛ في حين وصل عدد قليل إلى الأردن ومصر.
والثابت أن غالبية أهالي قريتي “بلد الشيخ ” هم لاجئون في سوريا هجروا مجدداً بعد عام 2012 إلى عدة دول أوروبية وعربية وتركيا وصولاً إلى أمريكا وكندا والبرازيل.
وقد استوطن المهاجرون الصهاينة قرية بلد الشيخ سنة 1949 وأطلقوا عليها اسم “تل حنان” وهي الآن جزء من مستعمرة “نيشر” أي النسر.
لم يبق من القرية سوى بيتين لعائلة السهلي تحولا فيما بعد لكنس يهودية . كما توجد مقبرة الشهداء في القرية المدفون فيها ضريح المجاهد عز الدين القسام جانب ملعب مستعمرة نيشر، كما توجد مقبرة أخرى لأهل القرية في شمالها ؛ ما زالت محاطة بسور تقع خلف مدرسة ابتدائية، وما زال هناك بيت في الحارة الغربية قائم وآخر مهدوم تعلوه الأشواك البرية؛ فضلاً عن وجود “حواصل” ،أي دكاكين مقفلة بأقفال عتيقة، ويستعمر القرية عدد من اليهود الروس حالياً في أبنية أنشئت على خرائبها.
وحاولت دولة الاحتلال جرف مقبرة الشهداء التي تحتضن رفات المجاهد عزالدين القسام ، بحجة تحديث المنطقة ، لكن تلك المحاولات فشلت بزنود مؤسسات وحراكات فلسطينيي الداخل وفي المقدمة مؤسسة الأقصى التي حظرتها دولة الاحتلال الصهيوني ومنعتها من النشاط قبل عدة سنوات .
ويبقى القول بأن دولة الاحتلال التي أنشئت عام 1948 على حساب وطن الشعب الفلسطيني، وهجرت النسبة الكبرى منه، وتحاول على مدار الساعة تهويد الزمان والمكان لفرض الرواية الصهيونية حول احتلال فلسطين؛ كل ذلك دفعني أن أوكد بأنني لن أزور وطني تحت راية دولة الاحتلال الإسرائيلي المارقة التي ضربت بعرض الحائط كافة الشرائع الدولية الإنسانية.
وصدق الشاعر الراحل الحاضر دائماً محمود درويش عندما قال” أعشق فلسطين ..وأعشق ترابها..وأعشق جنوبها ووسطها وشمالها.. أعشق كل من قال أنا فلسطيني وروحي فداها”.
٭ كاتب فلسطيني
هل كتبت بقلمك أم بجوارحنا
لقد نبشت فينا الشوق والحنين لقرانا وبلداتنا
سنعود بإذن الله منتصرين
سلمت يداك
الوصف متعة الشوق الى ارض الوطن كلمات لا نستطيع التعليق عليها ابدت صديقي لك كل الاحترام
إذن فلسطين كلها بكل ما في الكلمة من معنى و استعاره تم اختصارها في قصة قريتك بلد الشيخ، وعليه في الصورة المقابلة قد نجد أن نابلس ورام الله وبيت لحم والقدس والناصرة وغزة وخان يونس لا تعني لك الشيء الكثير
الم يحن الوقت للناس في الضفة الغربية وقطاع غزة لطرح مثل هذه الأسئلة على انفسهم . هنا في هذا المقال ، الوطنية والانتماء إلى فلسطين يتجلى في صورة مثيرة للتساؤل حقا ، مثل هذه الرؤى الواردة تطرح التساؤل كم نحن شعب وهل نحن شعب حقا. هنا جهل مطلق وخلط هائل بين مفهوم مسقط الرأس ومفهوم الوطن والانتماء إليه. لقد اختصرت فلسطين كلها في قريته وقرية آبائه وأجداده، الم يغادر المهاجرون اليهود في القرن التاسع عشر و القرن العشرين مسقط راسهم العزيز عليهم في مدنهم وقراهم في اوروبا وايران وتركيا والدول العربية لكي يؤسسوا الوطن الجديد ، الا يوجد بين ثنايا السطور خطاب استعلائي وفوقي على المكان او الحيز العام هناك ومن يسكن ويقيم فيه ، هم كائنات بشرية غير موجودة ، وهو بالمناسبة نفس الخطاب الذي أسس جزئيا للفكرة الصهيونية في تجاهل السكان المقيمين على الأرض ، كل ما يعنيه في الأمر هي القرية التي طرد منها اهله. الزمان والمكان و الناس الموجودون هناك شيء متوقف وثابت ومن غير ذي دلالة ، القدس ونابلس والخليل ورم الله وبيت لحم والناصرة وغزة وخان يونس يبدو انها لا تعني الشيء الكثير .. يتبع
ان شاء الله العودة قريبة
صديقي العزيز مقال رائع بتفاصيله المهمة والتاريخ.
لكني لست معك في امتناعك عن زيارتها . فالزيارة برأيي جدا مهمة حتى تلمس تراب الوطن وتتنشق نسيمه . والاهم ان ترى ما قرأت عن قريتك ان تراه بام العين .
اضف لذلك ان زيارة الوطن تزيد من ادراكنا ووعينا لتفاصيل مهمة تتعلق بهذا الوطن الغالي .
تحياتي يا غالي
مقال اكثر من رائع فى تفاصيل المكان والزمان ، لكن اضم صوتى لاصوات الآخرين… لابد من الزيارة .. وعدم التنازل … المكان هو الوطن والوطن لايباع ولا يتنازل عنه ، زيارتك واجبة وحتى تكون الثاني للأجيال حتى السعادة الأرض والوطن . تحياتى لك من البحرين