الرباط ـ «القدس العربي»: اختار حزب “الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية” المغربي الرد على ما نشرته صحيفة “الغارديان” البريطانية حول ما تمَّ التَّرويج له من معطيات ترتبط بعلاقات الشهيد المهدي بن بركة مع مخابرات عدد من البلدان، عبر توجيه رسالة منشورة في عدد الثلاثاء من جريدة الاتحاد الاشتراكي (لسان الحزب الإعلامي).
وأكدت “رسالة الاتحاد”، رداً على الاتهامات التي وردت ضمن حوار أجرته صحيفة “الغارديان” البريطانية مع أستاذ متخصص بتاريخ أوروبا الشرقية إبّان الحرب البادرة، الذي زعم أنه “قلّب كامل ملف المهدي بن بركة في أرشيف استخبارات تشيكوسلوفاكيا، وتأكد من أن اليساري المغربي كان يتعامل بشكل سري مع أجهزة الأمن بالدولة الشيوعية”، أن علاقات الشهيد المهدي بن بركة المُعلنة مع زعماء دول وقادة حركات التحرر أكبر من التقزيم الوارد في “الغاريان” و”الاكسبريس” الفرنسية التي سبق أن نشرت نفس المعطيات عام 2006.
وقالت صحيفة “الغارديان” البريطانية إن المناضل اليساري المغربي الشهير المهدي بن بركة، الذي يعتبره المغاربة أيقونة النضال ضد الاستعمار والذي اغتيل في باريس عام 1965 في عملية أزمّت علاقات فرنسا والمغرب حينها، “كان عميلاً” لجهاز أمن الدولة في تشيكوسلوفاكيا، حسب وثائق استخباراتية رفعت عنها السرية حديثاً.
وأجرت الصحيفة البريطانية حواراً مع أستاذ متخصص في تاريخ أوروبا الشرقية إبّان الحرب البادرة يزعم فيه أنه قلّب كامل ملف بن بركة في أرشيف استخبارات الجمهورية الشيوعية التي انقسمت بعد 1993 إلى دولتين هما تشيك وسلوفاكيا، والتي كانت قبل ذلك أحد أعمدة المعسكر الشرقي.
الحزب اليساري المغربي المعارض أكد أن ما نشرته الصحيفتان البريطانية والفرنسية، كان محطَّ محاولات الهيئة القضائية التي تتابع قضية الشهيد بفرنسا، والتي خلُصت بعد تدقيقها في حوالي 1500 وثيقة من وثائق أرشيف المخابرات التشيكوسلوفاكية إلى “عدم اقتناعها بأن الشهيد كان مُجنداً لصالحها، وأنها لم تجد أي مستند يحمل آثار الشهيد (تسجيل صوتي له، كتاب بخط يده، توقيه له..)، مما جعلها تستبعد كل هذه الادعاءات وتعتبرها غير جدية وغير مجدية”.
وأشار “الاتحاد الاشتراكي” إلى أن “علاقة الشهيد المهدي بن بركة المعلنة مع زعماء دول وقادة حركات تحرر عالمية هي أكبر من ذلك التقزيم الوارد في “الإكسبريس” و”الغارديان”، وأن ما كان يمكن أن يجنيه من أموال ومكاسب شخصية لو كان طامعاً في الجاه والسلطة والمال والنفوذ هو أكبر بكثير من تلك الأرقام الهزيلة المزعومة، وكان يمكن أن يجنيها دون مُخاطرة أو مُجازفة”.
وشدد على أن بن بركة “كان رجل مبادئ وقائداً يطمح لتحرر الشعوب وبناء مجتمعات التقدم والتحرر والعدالة الاجتماعية ومقاومة كل أشكال الكولونيالية الظاهرة والمقنعة”.
وقال الأستاذ المساعد في جامعة شارلز ببراغ، جان كورا، للغارديان: “يحمل بن بركة صورة المناضل ضد المصالح الاستعمارية والمدافع عن مصالح العالم الثالث، لكن الوثائق ترسم صورة مختلفة جداً. صورة تتحدث عن رجل بولاءات عديدة، كان يعرف الكثير وكان يعرف القيمة العالية للمعلومات في الحرب الباردة، صورة انتهازي كان جزءاً من لعبة خطيرة جداً”. وحسب المؤرخ التشيكي الذي قلّب، وفق ما يقول، ألف و500 صفحة عن بن بركة، “لم يكن لديه اتصال وثيق فقط بأمن الدولة بتشيكوسلوفاكيا ولكنه تلقَّى تحويلات مالية نقداً وعيناً”. يقول كورا: “بدأت علاقة المعارض المغربي مع الأمن التشيكوسلوفاكي في 1960 حين التقى عميلاً رفيع المستوى بباريس بعد مغادرته المغرب فاراً من نظام الحسن الثاني”، وكانت المخابرات التشيكوسلوفاكية تأمل حينها الحصول على معلومات حساسة حول التطورات السياسية بالمملكة وأيضاً حول توجهات القادة العرب مثل جمال عبد الناصر.
ووصف جهاز أمن الدولة بتشيكوسلوفاكيا بن بركة بالمصدر “بالغ الأهمية” للمعلومات وأعطاه لقب “الشيخ”، وبحلول سبتمبر/أيلول 1961، تلقى بن بركة ألف فرنك فرنسي من الجهاز الاستخباراتي نظير تقاريره عن المغرب والتي نقلها، وفق ما كان يخبر الاستخبارات من نشرة داخلية للاستخبارات الفرنسية”، سيتبيّن أنها كانت في حقيقة الأمر من معطيات مفتوحة للعموم، مما سيتسبب في غضب براغ من المعارض المغربي.
رغم ذلك، تواصل “الغارديان” نقلاً عن كورا، “استمرت علاقة الطرفين، وأرسلت المخابرات التشكيوسلوفاكية بن بركة نحو غرب إفريقيا لجمع معلومات حول أنشطة الولايات المتحدة في غينيا الاستوائية وهي المهمة التي وصفتها الوثائق بالناجحة”.
تعليقاً على الموضوع، رفض البشير بن بركة الاتهامات الموجهة لوالده، معتبراً، في تصريح “للغارديان”، أن علاقات أبيه مع الدول الاشتراكية وغيرها من الدول كانت شبيهة بالعلاقات المتوقع أن تكون لأي شخص منخرط بقوة في النضال العالمي ضد الإمبريالية والاستغلال الاستعماري في ذلك الوقت.
ونبه البشير إلى أن الوثائق التي يستند إليها الأستاذ بجامعة براغ تبقى من “إنتاج جهاز مخابرات، ومن ثم فمن الممكن أن يكون جرى تعديلها أو بترها”. وفي حوار خاص أجرته جريدة “مدار 21” المغربية مع المؤرخ التشيكي جان كورا، رفض هذا الأخير بشكل باتٍّ الاتهامات بأن مقالته البحثية وحوار “الغارديان” كانت وراءهما دوافع سياسية؛ مؤكداً “لا أعلم أي شيء عن وجود تحقيق قد يكشف في وقت قريب أسماء قتلة بن بركة ولا أعتقد أن ذلك قد يحصل فعلاً. لا شك أن المخابرات المغربية والفرنسية متورطتان في اختطاف بن بركة ولا أرى أي رغبة لدى الدولتين في رفع السرية عن الوثائق التي قد تكشف حقيقة من يقف وراء اغتياله. مع ذلك، خلاصتي هي أن علاقته بالمخابرات التشيكوسلوفاكية وطلبه المتكرر للدعم لإسقاط الملك الحسن الثاني قد تكون قطعة في الصورة الفسيفائية الأكبر التي تفسر اختفاءه”.
ولفت كورا إلى أن مقالته البحثية، تضم الإحالات للمصادر الأرشيفية التي تم استعمالها (بعضها تم رفع السرية عنه مؤخراً استجابة لطلب تقدمت به). وأكد بالقول “يمكن لأي شخص يرغب بذلك زيارة الأرشيفات التشيكية وطلب الحصول على الوثائق نفسها. أنا مؤرخ مهني مهتم بتشيكوسلوفاكيا زمن الحرب الباردة وانخراطِها في النزاعات التي تلت الحربين العالميتين. وقد أوّلت قصة بن بركة بالطريقة التي أراها. يمكن لأي شخص أن يستعمل تلك الوثائق نفسها ويتحدّى التأويل الذي قدّمته”.
وعاد المؤرخ ليؤكد للصحيفة المغربية أن بن بركة قدم معلومات وتحليلات وبعض الوثائق للمخابرات التشيكوسلوفاكية. كما تم تكليفه بمهام عدة مرات من طرف هذا الجهاز. “ووضعته المخابرات في قائمة “الاتصالات السرية” وهي ثاني أعلى مرتبة في قائمة المتعاونين مع جهاز أمن الدولة. ولم تكن اتصالات بن بركة مع جهاز أمن الدولة التشيكوسلوفاكي مجرد تبادل للمعلومات، بل كانت تعاوناً أشمل حول مهام وتبادل للمعلومات وتدريبات استخباراتية”، وفق تعبيره.
اليسارشيوعيا كان أو اشتراكيا أو قوميا.. اليسار دائما يحتاج إلى أوثان كبوصلة.. وأساطير اليسار حول زعمائهم كثيرة.. وشخصية المرحوم بن بركة أسطورة خلقها اليسار المغربي، والدولي، كما خلق أساطير أخرى..
كان من البداية لنا شك في وطنيته.. وكانت لنا قناعة في انتهازيته.. والآن بدأت تظهر حقائق وستظهر أخرى.. وطبعا ستخرج أصوات الرفاق للدفاع عن الزعيم..
المؤرخ والمفكر الكبير عبد الله العروي في أبحاثه، لم يعطيه أي صفة سوى ما يمكن تسميته ب حامل حقائب.. ولم يكن يرى فيه رجل دولة كما يريد أن يوهمنا رفاقه، إلى يومنا..
في المغرب دامت تجربة اليسار بضع سنين، ولم يكونوا أذكى الناس.. وهكذا أنهينا خرافتهم.. ثم جائت تجربة الإسلاميين على عشر سنين.. وبهم أنهينا خرافة الغوغائيين، بعد أن أوصلناهم إلى التدبير..
والآن المغاربة يعرفون من هو من.. وقوة التمييز أصبحت حقيقة..