السودان: تظاهرات منددة بانقلاب البرهان وسط قمع أمني واعتقالات

ميعاد مبارك
حجم الخط
0

الخرطوم ـ «القدس العربي»: أعلنت نقابة الأطباء الشرعية في السودان عن سقوط أربعة قتلى وعشرات الجرحى برصاص الأجهزة الأمنية خلال التظاهرات التي خرجت الخميس في العاصمة السودانية الخرطوم وعدد من المدن الأخرى، رفضا للانقلاب العسكري، الذي نفذه قائد الجيش عبد الفتاح البرهان، في الخامس والعشرين من أكتوبر/ تشرين الأول الماضي.
ودعت لجان المقاومة وتجمع المهنيين السودانيين لتظاهرات للمطالبة بالسلطة المدنية الكاملة في السودان وإبعاد العسكريين عن السلطة.
ورغم إغلاق السلطات لمعظم الجسور التي تربط مدن العاصمة السودانية الخرطوم بالحاويات والأسلاك الشائكة، إلا أن عشرات الآلاف من المتظاهرين استطاعوا الوصول إلى شارع القصر، القريب من مبنى القصر الرئاسي وسط الخرطوم، مطالبين بإسقاط الانقلاب العسكري وتسليم السلطة للمدنيين.
وأطلقت الأجهزة الأمنية الرصاص والغاز المسيل للدموع على التظاهرات التي انطلقت في مدن العاصمة السودانية الثلاث ـ أمدرمان، الخرطوم والخرطوم بحري ـ حيث تأكد سقوط أربعة قتلى بالرصاص في مدينة أمدرمان التي شهدت انتهاكات واسعة أمس، بينما أصيب العشرات، بعضهم إصاباتهم حرجة.
وحسب بيان للمكتب التنفيذي لقوى «الحرية والتغيير» فقد «قامت السلطات الانقلابية بإطلاق الرصاص الحي على المواكب السلمية لبنات وأبناء شعبنا في أمدرمان حي بانت، مما أدى الى قتل واستشهاد عدد من الثوار السلميين مع سبق الإصرار والترصد، وإصابة أكثر من عشرين منهم».
وحمّل «قادة الانقلاب المسؤولية عن هذه الجرائم التي لن تسقط بالتقادم مضاف إليها جرائمهم الممتدة منذ لحظة انقلابهم الفاشل في 25 أكتوبر/ تشرين الأول الماضي».
وأوضح البيان أن «السلطات الانقلابية قامت بقطع الطرقات والجسور وشبكات الاتصالات والإنترنت، وتصدت للمواكب السلمية واستخدمت القمع المفرط وانزلت إصابات مباشرة بالثوار السلميين، كما قامت باعتقالات في أوساط لجان المقاومة في العاصمة والأقاليم، وأعتدت على المواطنين العزل وحرمة منازلهم في الأحياء، ولا تزال تواصل انتهاكاتها لحرية الصحافة والإعلام والاعتداء على المراسلين ووسائل الإعلام وإعاقة عملهم واقتحام مكاتبهم كما حدث لقناتي الشرق والعربية الحدث».

« يبنون لا يدمرون»

وقد شملت المواكب، حسب البيان «العاصمة ومختلف أقاليم السودان، وتميزت بالعزيمة والإصرار والمشاركة الواسعة العابرة للإثنيات والجغرافيا والتنوع الثقافي والاجتماعي والنوع، والذي يشكل إطاراً صلباً لمستقبل السودان. إن عودة الانقلابيين لاستعمال الرصاص الحي لن تثني بنات وأبناء شعبنا كما أن صمت الجهاز التنفيذي عن كل هذه الانتهاكات والجرائم غير مبرر ويشجع السلطات الانقلابية».
وزاد: «كم كان مؤثراً اليوم (أمس) ويعكس وعي الشباب وتضحياتهم قيام مجموعة من الثوار والثائرات في وسط كثافة قنابل الغاز المسيل للدموع والرصاص والقنابل الصوتية بإطفاء الحرائق التي نشبت في بعض المنازل في منطقة وسط الخرطوم، إن الثوار السلميين يبنون لا يدمرون». وتعهد المكتب بـ«النضال حتى هزيمة الانقلاب وندعو المجتمعين الإقليمي والدولي وكافة منظمات حقوق الإنسان لإدانة الانقلابيين وانتهاكاتهم واتخاذ خطوات فعلية لدعم نضال شعبنا ومعاقبة قادة الانقلاب، كما ندعو الممثل المقيم للأمين العام للأمم المتحدة لمطالبة مجلس الأمن لتكوين لجنة دولية مستقلة للتحقيق في قتل ما يزيد عن خمسين من الثوار السلميين بالرصاص الحي للانقلابيين والعمل على حماية المدنيين وسط الانتهاكات الواسعة التي يشهدها إقليما دارفور وجنوب كردفان / جبال النوبة».
ودعا «كافة قوى الثورة والتغيير لسرعة الانتظام في جبهة واسعة لهزيمة الانقلاب والتأكيد على استمرارية المقاومة وتنوع أدواتها وأشكالها حتى تحقيق مطالب شعبنا، ولا غالب لإرادة الشعب».
وقطعت السلطات الأمنية خدمات الإنترنت والاتصالات الداخلية والخارجية، أمس الخميس، عن كافة المدن السودانية، الأمر الذي اعتبره تجمع المهنيين محاولة للتعتيم على انتهاكات حقوق الإنسان المتصاعدة في السودان.
وأعلنت اللجنة الفنية لمجلس الأمن والدفاع منذ مساء الأربعاء إغلاق كافة الجسور بولاية الخرطوم أمام حركة السير، ما عدا جسري الحلفايا وسوبا. ووضعت حاويات عملاقة وأسلاك شائكة في مداخل ومخارج الجسور لمنع المتظاهرين القادمين من مدينتي أمدرمان وبحري من الوصول إلى القصر الرئاسي الواقع في مدينة الخرطوم.

«قمع مفرط»

وقال تجمع المهنيين السودانيين، في بيان، إن التظاهرات تعرضت لقمع مفرط من قبل أجهزة الانقلاب الأمنية، وتم استخدام الرصاص الحي وكافة الأساليب القمعية، مما أدى لسقوط عدد كبير من الجرحى بعضهم حالتهم حرجة، فضلا عن اعتقال العشرات من المتظاهرين، حيث عادت سيارات جهاز المخابرات للظهور بعد إعادة قائد الجيش سلطات الاعتقال للمخابرات التي كانت حددتها الوثيقة الدستورية سابقا.
ووجّه نداء لكل الأطباء والجراحين للتوجه للمستشفيات خاصة في أمدرمان لإنقاذ المصابين، في وقت حاصرت الأجهزة الأمنية عددا من المستشفيات التي استقبلت الجرحى.
وشدد على أن التعتيم الإعلامي الذي ضربته السلطات حول انتهاكاتها لن يجعلها تفلت من العقاب، مؤكدا أن كل الانتهاكات مرصودة بدقة.

حملة «مسعورة»

وندد التجمع كذلك بالاعتقالات التي تنفذها القوات الأمنية التابعة للمجلس العسكري، واصفا إياها بـ«الحملة المسعورة التي تستهدف عضوية القوى الثورية في لجان المقاومة والقوى النقابية».
وحمّل المجلس العسكري المسؤولية كاملة عن سلامة المعتقلين، مؤكدا أن حملات الاعتقال لن ترهب الشعب السوداني، ولكن تؤكد الطبيعة الإجرامية لقادة الانقلاب وتزيد من جذوة المد الثوري الممتد منذ ديسمبر 2018 وتعمق الإيمان بأهدافه في انتزاع سلطة الشعب المدنية الكاملة، حسب البيان.

إغلاق الجسور في الخرطوم… وقطع خدمات الإنترنت والاتصالات

وسبقت تظاهرات الخميس اعتقالات واسعة لأعضاء لجان المقاومة في مدن السودان المختلفة.
وأدان عضو تنسيقية لجان مقاومة جنوب الحزام – جنوب الخرطوم، فوزي حسن، مواصلة السلطات الأمنية لعمليات اعتقال أعضاء لجان المقاومة، مشيرا إلى اعتقال اثنين من أعضاء لجان مقاومة جنوب الخرطوم من داخل منزليهما واقتيادهما إلى جهات غير معلومة، مساء الأربعاء.
وقال لـ«القدس العربي» إن القوات الأمنية اقتحمت منازل عدد من أعضاء لجان المقاومة بشكل عنيف واعتقلت من وجدتهم في منازلهم، في وقت أصبح عدد من أعضاء اللجان لا يعودون إلى منازلهم، مؤكدا أن ذلك ليس خوفا من قمع السلطات، ولكن حرصا على حضور التظاهرات.
وأضاف: على العسكريين أن يعلموا أننا لا نخافهم ولن يردعنا الرصاص أو الغاز المسيل للدموع ولا حتى المياه القذرة والمواد الكيميائية التي يرشوننا بها، وسننتصر في النهاية مهما طال الطريق.
وزاد: لسنا مستعجلين، وقمنا بتحضير جدول حافل للتظاهرات طوال العام المقبل إن اقتضى الأمر، ولنرَ من ستنفذ قوته قبل الآخر.
وتابع: نحن مستعدون لأي تضحية ولن نتراجع مهما كلفنا الأمر ونعلم أننا قادرون على الوصول للسلطة المدنية الكاملة.
واستنكر السيولة الأمنية في إقليم دارفور ومدن السودان المختلفة، مشيرا لما وصفه بتقصير الأجهزة الأمنية في أدوارها الأساسية الخاصة بحماية الوطن والمواطنين.
وأضاف: عسكريون لا يستطيعون حماية مقار المنظمات الدولية كيف سيستطيعون حماية البلاد؟ مشيرا إلى نهب مقار بعثة «يوناميد» ومخازن برنامج الغذاء العالمي في مدينة الفاشر.

التغيير الحقيقي

الناشط السياسي جعفر خضر قال لـ«القدس العربي» إن التغيير الحقيقي سيحدث عند تشكيل منصة قيادية للثورة، بعد إكمال لجان المقاومة للميثاق السياسي التي تعمل عليه وستعلنه في يناير/ كانون الثاني المقبل بمشاركة القوى المدنية والمهنية والسياسية الفاعلة، وكل من يريد الانضمام له من القوى الثورية.
مصطفى أبو زيد، الذي كان يتظاهر في شارع القصر، في مدينة الخرطوم قال لـ«القدس العربي»: «نحن قادرون على مواصلة المقاومة والتصعيد، ونعلم أن التغيير السلمي يحتاج للصبر ومواصلة الحراك» مؤكدا أنهم سيواصلون التظاهر حتى إسقاط العسكريين.
وأضاف: نريد بناء ديمقراطية حقيقية، على أن يتم التأسيس لها خلال فترة انتقالية خالية من الأحزاب، التي يجب أن تتفرغ للتحضير للانتخابات.
ورفعت لما مأمون (موظفة) لافتة كتب عليها: «التغيرات الاجتماعية العظيمة مستحيلة دون ثورة نسائية وتقدم أي مجتمع يقاس من خلال وضع المرأة فيه».
وقالت لـ«القدس العربي» إنها ورفيقاتها خرجن اليوم رغم مخاوف أسرهن بسبب حالات الاغتصاب التي حدثت في تظاهرة 19 ديسمبر/ كانون الأول، مشددة على أن النساء سيواصلن الرفض لكل أشكال القمع التي ظلت تمارسها السلطات العسكرية على النساء للتقليل من مشاركتهن في الفضاء العام.
وأضافت: التغيير عملية طويلة ومليئة بالتضحيات ونحن قادرات على إكمال الطريق الذي بدأناه وصولا لتحقيق أهداف الثورة «حرية، سلام وعدالة».
أحمد وعمر ظلا يبنيان الحواجز، كلما استطاع المتظاهرون كسر الطوق الأمني والتقدم نحو القصر الرئاسي، وبعد بناء كل حاجز، كان الشابان الصغيران يضعان (كرسيا متأرجحا) ويجلسان عليه دون مبالاة بالغاز المسيل للدموع والقنابل الصوتية التي كانت تطلقها الأجهزة الأمنية بكثافة على المتظاهرين.
الشابان قالا لـ«القدس العربي» إنهما غير خائفين من الأجهزة الأمنية ويجلسان على الكرسي نفسه أمام بوابة القصر الرئاسي.
وفي وقت خرج عشرات الآلاف من المتظاهرين في العاصمة الخرطوم، خرج الآلاف في مدن بورتسودان وكسلا شرق السودان ووود مدني والمناقل وعطبرة والدامر في الوسط ووادي حلفا في الشمال، وفي ولايات دارفور وكردفان المختلفة غربي السودان.
لكن لجان مقاومة مدينة الفاشر عاصمة ولاية شمال دارفور، أعلنت، مساء الأربعاء عدم الخروج في تظاهرات الخميس لقطع الطريق على المجموعات المسلحة التي تعتزم نهب وترويع مواطني المدينة بعد اعتدائها على مقرات بعثة «اليوناميد» وبرنامج الغذاء العالمي وعدد من المنشآت التي ظلت متواصلة حتى فجر الخميس.

«مسرحية مكتملة الأركان»

وقالت لجان مقاومة الفاشر، في بيان الخميس، إن المدينة تشهد مسرحية مكتملة الأركان برعاية العسكريين، جيش، شرطة، دعم سريع، حركات، وذلك بإثارة الفوضى في البلاد عبر سرقة مقر اليوناميد ومخازن برنامج الغذاء العالمي ومخازن وزارة التربية والتعليم.
وأكدت أن القوات الأمنية تريد تخويف المواطنين وإثارة الفوضى لتتمكن من تشديد قبضتها الأمنية على الإقليم. وطالبت لجان المقاومة المواطنين بالابتعاد عن مناطق إطلاق الرصاص.
وعن عمليات النهب في دارفور، قال تجمع المهنيين السودانيين في بيان أمس، إن الميليشيات المسلحة التابعة للدعم السريع وبعض الحركات المسلحة الموقعة على اتفاق السلام، قامت بالهجوم والنهب الممنهج لمقار يوناميد ولمباني ومخازن برنامج الغذاء العالمي.
وزاد: تلك الميليشيات تابعة لتحالف المجلس العسكري الانقلابي وغطاؤه المدني تسعى لإشاعة الانفلات الأمني وتبديد كل سبل توفير الخدمات الغذائية والصحية لمواطني الولاية وضحايا حرب الإبادة في معسكرات النازحين.
وقال إن ما يحدث من ممارسات وصراعات بين الميليشيات المسلحة التابعة للدعم السريع والحركات المسلحة يهدف لتجفيف معسكرات النازحين وتهجير قاطنيها، دونما توفير البيئة المناسبة والاحتياجات الأساسية والأمن للنازحين للعودة لقراهم ومناطقهم.
وأشار تجمع المهنيين إلى أن هذه الهجمات تأتي أيضا في سياق تهجير سكان المناطق الغنية بالموارد المعدنية والأراضي الخصبة بدارفور.
واعتبر ذلك استمرارا لحرب الإبادة والتهجير والتغيير الديموغرافي التي بدأها نظام الإنقاذ وشركاؤه الذين يسيطرون على السلطة الآن.
واعتدت مجموعات مسلحة الأربعاء على مخازن برنامج الغذاء العالمي في مدينة الفاشر، عاصمة ولاية شمال دارفور، غربي السودان.
وأعلنت لجنة أمن ولاية شمال دارفور، الأربعاء حظر التجوال داخل مدينة الفاشر، من الساعة السادسة مساء وحتى الخامسة صباحا، ابتداء من الأربعاء وحتى إشعار آخر.

كلمات مفتاحية

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إشترك في قائمتنا البريدية