هل اقترب موت وكالات الأنباء؟

علي لفتة سعيد
حجم الخط
0

هل باتت وكالات الأنباء في مختلف دول العالم غير مرغوبٍ فيها، أو لم تعد المصدر الأهم والأوحد من بين وسائل الإعلام المختلفة، بعد أن طغت وسائل التواصل الاجتماعي المختلفة، خاصة فيسبوك وتويتر، حيث صار الجميع وأهمهم الرؤساء والوزراء يلجأون إلى تلك الوسائل لبثّ تصريحاتهم وتغريداتهم التي تعد الأسرع والأهم في المصادر الخبرية؟ وربما يكون السؤال الأشمل: هل باتت وسائل الإعلام المختلفة إذا ما استثنينا الفضائيات لوجود المعادل الصوري للخبر، وما ما بعد الخبر، في خطرٍ، خاصة الصحف والإذاعات؟
إن وسائل التواصل الاجتماعي باتت هي الأقرب وأقصر الطرق للوصول إلى المتلقّي، حيث يمكنه أن يتابع التصريحات التي يدلي بها المسؤولون من خلال جهازه المحمول المرتبط بشبكة الإنترنت أينما كان موجودا، ولا يحتاج إلى العودة إلى البيت لمتابعة التصريحات عبر الفضائيات، أو يشتري جريدةً ليقرأ التصريح في اليوم التالي. فثمة أمورٌ استحدثت ضمن تطوّرات العالم التقنية، التي جعلت من شبكات التواصل الاجتماعي هي الأقرب إلى إيصال المعلومة والغاية والهدف، وحتى الأسرع في الوصول إلى أكبر قدرٍ ممكنٍ من الناس، بل باتت هذه الوسائل هي المعين للوكالات ووسائل الإعلام المختلفة المتعارف عليها للبحث عمّا وراء الخبر والفعل الاستقصائي. فما بين غاية المرسل وسرعة التوصيل وجد المستقبل هدفه والعكس صحيح. ما بين سرعة الإرسال وغاية الرسالة، وجد المرسل غايته في الوصول. لهذا فإن الوكالات بعد أن كانت الملاذ الأسرع في بثّ الأخبار العاجلة المختصرة والمصورة والسريعة، كونها تعتمد على نشر ما لديها وما تبثّه من معلوماتٍ عبر المواقع الإلكترونية من خلال محرّرٍ واحدٍ يضغط على زرّ النشر والمتابعة والإرسال، لتكون هي أسرع حتى من الفضائيات التي تحتاج إلى وقتّ لبثّ الخبر عن طريق نشرة الأخبار التي تعتمد على عملية التحرير، ومن ثم الطباعة ومن ثم انتظار وقت الأخبار لقراءته من قبل مذيع بما يحمله من معلوماتٍ، أو اللجوء إلى الخبر العاجل المختصر جدا، أو إلى طريقة (السبتايتل) وهي أي الوكالات كانت أسرع من الصحف التي تحتاج إلى إعدادٍ وتحرير وتنضيد وتبويب وتسطير وتصميم ومتابعة من هيئة التحرير، وتنظيم صفحات ومن ثم طباعة وإصدار وتوزيع، لتصل المعلومة في اليوم التالي، فتفقد المعلومة التي يراد بثّها مفاجأتها وقوتها، كون الوكالات نشرت الخبر وسرّبت محتوياته. لكن الأمر لم يعد كذلك خلال السنوات الماضية. فقد استحدثت منصّات التواصل الاجتماعي ما يمكن تسميته بالوكالة الأسرع، ومنها منصّة «تويتر» مثلا التي استغّلها الرؤساء، بمن فيهم الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب، وتبعه رؤساء العالم وسياسييه، فبدلّا من «دوخة الراس» إن صحّ التعبير، في الاتّصال بمراسل الوكالة ومنحه التصريح الذي قد يحرّف بطريقةٍ مقصودةٍ أو غير مقصودة، بهدف تغيير هدف الخبر وغايته حتى في أبسط الكلمات، كما حصل مرّة مع تصريح لشخصية دينية، سأله مراسل إحدى الوكالات العالمية، فقال له بما معناه «إن الأمر سيكون بهذه الطريقة أو تلك» فتحولت الجملة، «إن الأمر سيكون بهذه الطريقة وتلك» فتغيّر الحال من الاستثناء إلى الجميع.
إن الوكالات لها خدمة معروفة منذ تأسيسها، وهي خدمة إخبارية تقوم كوادر الوكالة بجمعها وتغطية الأحداث عبر العالم، بالصورة والكلمة والصوت لتقديمها إلى مؤسّسات إعلامية أخرى، يمكن للمتلقّي متابعتها قبل أن تنشط فعّاليات النشر عبر محرّك البحث غوغل. وإن أوّل وكالة أنباء عالمية أسّسها شارل لوياس هافاس الذي اطلق عليها اسم جده هافاس، وكانت في باريس عام 1835 التي تحوّل اسمها إلى وكالة «فرانس برس» ثم إلى وكالة الأنباء الفرنسية، فضلا عن الوكالة الألمانية التي تأسّست أوًّا تحت اسم وكالة «وولف» عام 1849 وأعيدت هيكلتها عام 1934 وكذلك وكالة «تاس» السوفييتية التي لم تزل هي الوكالة الروسية بعد تفكيك الاتحاد السوفييتي وتأسّست عام 1925. ولكن في الوطن العربي كانت وكالة أنباء «الشرق الأوسط» المصرية التي تأسّست عام 1956 لتؤسّس بعدها بعامين وكالة الأنباء العراقية «واع» عام 1958 لتنبثق بعدهما وكالات أنباء للدول العربية المختلفة، التي تختصر فيها اسم الوكالة والدولة. ولأن العالم مهووس بالأخبار، فقد كانت هذه الوكالات تتفنّن في عملية نشر الأخبار حول بقاع العالم، لقاء اشتراك شهري تدفع المبالغ لمنح الجهة المستفيدة الرقم السرّي «الباسوورد» لقراءة ما ينشر عبر صفحات الوكالات. كما هي وكالة «رويترز» مثلا، التي تبث أخبارها بلغات مختلفة، وبالصورة والصوت والكلمة، بل إنها في السنوات الأخيرة باتت المصدر الأهم في الصور التي يلتقطها مصّوروها الموزّعون بين أغلب بقاع الأرض، ولها مصداقية كبيرة وتعتمدها حتى وكالات الأنباء الأخرى والمواقع الخبرية العامة التي تعتمد على كتابة التقارير والتي استعانت في السنوات الأخيرة لبثّ تقارير لها من مختلف دول العالم، من تلك التي لا يمكن لوسائل التواصل الاجتماعي مثل تويتر بثّها. لذا يمكن طرح السؤال التالي: هل باتت هذه الخدمة الإعلامية للوكالات الخبرية مهدّدة بالتراجع؟ كما هي الصحف التي قلت مبيعاتها إلى أكثر من 85 في المئة عما كانت عليه قبل شيوع نشر الصحف الصادرة عبر شبكات التواصل الاجتماعي ذاتها والشبكة العنكبوتية؟
إن الأمر يبدو واضحا، إن هناك تراجعا في الاعتماد الكلّي على هذه الوكالات، التي غيّرت من ثوبها وجلدها الإعلامي من أجل البقاء واقفة على الأقل حتى لو لسنوات مقبلة. فالخبر الذي تبثّه هذه الوكالات بات خبرا يعتمد على ما يمكن أن يطلق عليه الأهمية الثانية، إن لم تكن الثالثة، وهي المتعلقة بأخبار المشاهير والتحليلات الفنية والأدبية والجرائم، وما يمكن أن نطلق عليها أخبار «الأكشن» التي تولد ردود فعلٍ اجتماعية، لأن مصادر الأخبار الأولى المتعلقّة بالواقع السياسي، أمست عبر تدوينات وتغريدات، لتصبح هي المصدر الأهم الذي تعتمد عليه حتى الوكالات نفسها، التي تقوم بتفكيك التغريدة من خلال ملاحقة ما يقوله المحلّلون، وما يمكن أن يزودهم به المراسل لما بعد التغريدة من أثر في العالم، أي أن التغريدة تولّد سلسلة من الأخبار والبرامج والتحليلات، فيكون لها السبق الصحافي.
إن التطورّات الحاصلة في العالم والتسارع الفوقي لما يمكن أن نطلق عليه سباق السحاب، حيث يمكن لأي أحد خزن معلوماته في السحاب بطريقة الحفظ الافتراضي، قد يتسبب باندثار الكثير من التقنيات التي أصبحت أو ستصبح كلاسيكية، الأمر الذي يؤدّي بالمتلقّي إلى الاستعانة بما يمنحه مستطيل شاشة الهواتف الذكية، التي يمكن لها أن تنطوي أو تنفرش بمساحة تكبيرٍ لرؤية أفضل، أو متابعة المعلومات وهو جالس في مربّعٍ مكانيّ لا يزيد على كرسي خيزران مؤثّث بفراشٍ قطني، مرتديا نظارات غير عاكسة لأشعة الشاشات كي لا تؤثّر في قوة البصر وضعف العين، وبالتالي فإن الحاجة لن تكون كبيرةً لبقية الوسائل بما فيها الفضائيات، فكلّ شيء سينقل مباشرةً عبر تلك التقنيات والأجهزة المتطوّرة، التي تتطوّر بسرعةٍ عجيبة. لذا فإن تغريدةً واحدةً تعني انتشارا في العالم أكثر من أي خبرٍ يكتب، خاصة أن طبيعة التلقّي ستعتمد بشكلٍ كبيرٍ على الخبر الموجز الذي انتبهت له المواقع الإلكترونية التي جعلت من تقاريرها أيضا موجزة، إلّا بما تريد تسويقه من معلومات لا يمكن اختصارها ولا يمكن بثّها عبر التطوّرات الهائلة. إنه زمن السوشيال ميديا حتى منتصف خمسينيات القرن الحاضر حتى يأتي العلم بأمر صار مقبولا.

كلمات مفتاحية

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إشترك في قائمتنا البريدية