الخرطوم ـ «القدس العربي»: في وقت أعلنت لجان المقاومة عن تظاهرة جديدة اليوم الثلاثاء، توالت ردود الأفعال على استقالة رئيس الوزراء عبد الله حمدوك، التي جاءت بعد ستة أسابيع من عودته لمنصبه، فيما يتجه قائد الجيش عبد الفتاح البرهان لتشكيل حكومة تصريف أعمال لإكمال الفترة الانتقالية.
وحسب بيان للناطق الرسمي باسم القوات المسلحة السودانية، الاثنين، فقد أكد البرهان على ضرورة تشكيل حكومة مستقلة ذات مهام محددة يتوافق عليها جميع السودانيين في هذا الظرف التاريخي الذي تمر به البلاد.
وأكد التزامه بإكمال مهام الانتقال الديمقراطي، خلال تقديمه تنويراً لضباط القوات المسلحة وقوات الدعم السريع من رتبة عميد فما فوق في القيادة العامة للجيش في الخرطوم، مشيراً إلى ضرورة العمل على تحقيق تلك المهام المتمثلة في تحقيق السلام وبسط الأمن ومعالجة قضايا معاش الناس وإجراء الانتخابات.
وأضاف البرهان أن تحقيق هذه الأهداف يحتاج إلى تلاحم الشعب السوداني إعلاء لمصالح الوطن العليا والبعد عن المصالح الحزبية الضيقة، مؤكداً أن القوات المسلحة هي صمام أمان الوطن وستظل متماسكة تحرس ترابه وأمنه وتحمي الانتقال الديمقراطي وصولاً لانتخابات حرة ونزيهة ترضي طموحات كل السودانيين.
موظف في حكومة الانقلاب
وفي الأثناء، طالب المتحدث الرسمي باسم تجمع المهنيين السودانيين الوليد علي، قائد الجيش والمجلس العسكري بالاستقالة، مؤكدا في حديثه لـ«القدس العربي» أن استقالة حمدوك أو عدمها لا تقدم أو تؤخر شيئا، معتبرا توقيع حمدوك الإعلان السياسي مع قائد الجيش بمثابة القبول بالعمل كموظف في حكومة الانقلاب. وأكد على أن أسوأ حالات الانزلاق والمهددات الأمنية في البلاد وصلت لها خلال فترة حكم قادة الانقلاب، مشيرا إلى أن اتفاق السلام الذي وصفه بـ«اتفاق المحاصصات» هو أحد أكبر هذه الانزلاقات التي هددت أمن البلاد. وشدد على أن القوى الثورية لن تتوافق أبدا مع القوى الانقلابية، وبالمقابل ستعمل على إكمال ميثاقها السياسي الذي سيحكم الانتقال الديمقراطي بعد إسقاط الانقلاب.
رصاصة الرحمة
أما المتحدث الرسمي باسم لجان مقاومة الخرطوم، محمد أنور، فقد قال لـ«القدس العربي» إنهم يقرأون استقالة حمدوك في إطار الاتفاق السياسي بينه وبين قائد الجيش غير الشرعي، معتبرا الاستقالة بمثابة رصاصة الرحمة على الانقلاب، وفضحه بعد زوال واجهته الأمنية.
وبين أن لجان المقاومة ستستمر في التصعيد والمقاومة بأشكالها المتنوعة والمتعددة حتى إنهاك الانقلاب وسقوطه وتسليم السلطة للمدنيين.
القيادي في «الحرية والتغيير» مجدي عبد القيوم، بين لـ«القدس العربي» أن استقالة حمدوك كانت متوقعة وسبقتها إرهاصات، مؤكدا أنها مبررة جدا لجهة أنها جزء من العملية السياسية المرتبكة، موضحا أنها ستزيد المشهد تعقيدا وإرباكا.
وتوقع أن تزيد الاستقالة الضغط على المكون العسكري والذي سيؤدي إلى ارتفاع وتيرة العنف ضد المحتجين، لافتا إلى أن العنف من الأدوات التي لا يعرف غيرها الانقلابيون.
ولفت إلى أن ما سبق سيقود إلى زيادة تأثير العامل الدولي في ترتيب المشهد السوداني.
وشدد على أن القوى السياسية بكافة تشكيلاتها غير قادرة على الوصول لحل للازمة الوطنية العميقة، مؤكدا أنها كانت جزءا من الأزمة بسبب سلوكها السياسي الخاطئ.
«استمرار الحكم المدني»
دولياً، طالب وزير الخارجية الأمريكي، أنتوني بلينكن، في بيان أمس، القادة السودانيين بتنحية الخلافات جانباً والتوصل إلى توافق وضمان استمرار الحكم المدني، مؤكدا على ضرورة تعيين رئيس وزراء، وأن تكون الحكومة السودانية المقبلة متماشية مع الوثيقة الدستورية.
وأكد بلينكن وقوف واشنطن بجانب شعب السودان في مسعاه من أجل الديمقراطية، مشددا على ضرورة وقف العنف ضد المتظاهرين والوصول لتوافق بين القادة السودانيين وتجاوز الخلافات لضمان استمرار الحكم المدني.
رئيس البعثة الأممية لدعم الانتقال في السودان، فولكر بيرتس، أبدى أسفه لاستقالة حمدوك، مؤكدا احترامه لقراره، وإشادته بفترة قيادته للانتقال في البلاد.
وقال إنه لا يزال يشعر بالقلق من استمرار الأزمة السياسية الراهنة عقب انقلاب قائد الجيش، مؤكدا أنها تهدد بالمزيد من الانحراف عن مسار الانتقال الديمقراطي.
من هو حمدوك؟
وبرز اسم حمدوك لأول مرة في نهاية عام 2018، عقب رفضه تولي منصب وزير المالية في حكومة عمر البشير الأخيرة، ثم بعد نجاح الثورة السودانية عاد للواجهة مرة أخرى كأبرز المرشحين لتولي رئاسة مجلس وزراء الحكومة الانتقالية. وقبل توليه رئاسة الوزراء، عمل حمدوك في المعهد الدولي للديمقراطية ومساعدة الانتخابات، ثم تولى منصب كبير الاقتصاديين ونائب الأمين التنفيذي للجنة الاقتصادية الأفريقية وصولا لتوليه منصب القائم بأعمال الأمين التنفيذي للجنة الأمم المتحدة الاقتصادية لأفريقيا.
فضلا عن ذلك عمل في البنك الأفريقي للتنمية ومستشارا في منظمة العمل الدولية.
وأدى حمدوك اليمين الدستورية كرئيس لمجلس وزراء الحكومة الانتقالية، في الحادي والعشرين من أغسطس/آب 2019، بعد ترشيحه للمنصب من قبل المجلس المركزي لقوى «الحرية والتغيير» بالتوافق مع المجلس العسكري الذي كان يسيطر على الحكم وقتها.
بلينكن حثّ قادة البلاد على تنحية الخلافات والتوصل لتوافق
ووقعت قوى «الحرية والتغيير» والمجلس العسكري وثيقة دستورية في السابع عشر من أغسطس/آب 2019، تشارك بموجبها المدنيون والعسكريون السلطة في الفترة الانتقالية حتى انقلاب قائد الجيش عبد الفتاح البرهان في 25اكتوبر/ تشرين الأول الماضي.
واجهت حكومة حمدوك أزمات اقتصادية وسياسية كبيرة في ظل استقطاب دولي واسع لأطراف الحكم في السودان، وأطلق عدد من المبادرات في الصدد، منها مبادرة «الأزمة الوطنية وقضايا الانتقال – الطريق للأمام» يونيو/حزيران الماضي، وخريطة الطريق ومبادرة خلية الأزمة في أكتوبر/تشرين الأول الماضي، التي أعلنها قبل أسبوع من انقلاب قائد الجيش.
وفي المقابل، نجحت حكومة حمدوك في رفع اسم السودان من القائمة الأمريكية للدول الراعية للإرهاب، وعملت على إعادة البلاد للمجتمع الدولي والدخول في مبادرة إعفاء الديون للدول الفقيرة المثقلة بالديون، بالإضافة إلى إلغاء عدد من القوانين المقيدة للحريات وتوقيع اتفاق السلام بين الحكومة والتنظيمات والحركات المسلحة في أكتوبر/ تشرين الأول الماضي.
ألا أن الشراكة السودانية الفريدة بين العسكريين والمدنيين التي كان يبشر بها حمدوك لم تصل إلى غاياتها المحددة بالانتقال الديمقراطي نحو الحكم المدني والانتخابات الحرة والنزيهة.
وقبل أيام من الموعد المحدد لتسليم العسكريين رئاسة المجلس السيادي للمدنيين، نفذ قائد الجيش انقلاب 21 أكتوبر/ تشرين الأول، ووضع حمدوك في الإقامة الجبرية، واعتقل عددا من أعضاء المجلس السيادي المدنيين ووزراء الحكومة والسياسيين ولجان المقاومة في المعتقلات.
وبعد سقوط قتلى خلال قمع القوات الأمنية للتظاهرات الرافضة للانقلاب، أخرج قائد الجيش حمدوك، الذي كان يتمتع بشعبية كبيرة، من الإقامة الجبرية، ووقع معه اتفاق إعلان سياسي عاد بموجبه رئيسا للوزراء، ولكن دون حكومته من قوى «الحرية والتغيير».
وقال رئيس الوزراء إنه وقع الاتفاق حقنا لدماء السودانيين والحفاظ على مكتسبات الفترة الانتقالية.
ونص الإعلان السياسي على تشكيل رئيس الوزراء لحكومة من الكفاءات، إلا أنه لم ينجح طوال الستة أسابيع التي تلت عودته للمنصب في تشكيلها، وأرجع ذلك وفق خطاب استقالته، لعدم الوصول لتوافق سياسي يدعم تشكيل الحكومة واستمرار الخلافات بين المكونات العسكرية والمدنية.
وعلمت «القدس العربي» أن إصرار وزراء الحركات المسلحة على الاحتفاظ بمناصبهم باعتبارها مكتسبات اتفاق السلام كان واحدا من أسباب الاستقالة، فضلا عن استمرار القتل والعنف في مواجهة التظاهرات وإعادة صلاحيات الاعتقال لجهاز المخابرات واعتراض العسكريين على بعض المدنيين الذين كلفهم حمدوك بعد عودته لرئاسة الوزراء.
«لم يطبق»
وفي السياق، قال أستاذ العلوم السياسية في جامعة النيلين مصعب محمد علي لـ«القدس العربي» إن نص الاتفاق السياسي الموقع بين حمدوك والبرهان على إعلان سياسي، تتم به إدارة الفترة الانتقالية لم يطبق بسبب رفض الاحزاب السياسية للاتفاق، مؤكدا أن الاتفاق كان مهما لحمدوك لإيجاد دعم يوقف به تمدد العسكريين في السلطة».
ورأى أن المشهد الآن عاد إلى المربع الأول، متوقعا أن تزداد المواجهة في الشارع وترتفع وتيرة العنف لفرض الأمر الواقع.
ولفت إلى أن استمرار التصعيد الشعبي قد يقود لانقلاب عسكري، أو تنحي القيادة العسكرية الحالية وظهور قيادة أخرى جديدة. ولم يستبعد احتمال قبول الشارع والأطراف السياسية والعسكرية بتسوية سياسية، أو انزلاق البلاد إلى فوضى وانقسامات تعصف باستقرارها في حال لم يحدث أي مما سبق.
ورجح أن تكون خريطة طريق استعادة الشرعية واستكمال الفترة الانتقالية، التي قدمها حزب الأمة القومي، بديلة للإعلان السياسي الموقع بين حمدوك والبرهان يوم 21 نوفمبر الماضي.
إلغاء الاتفاق
الخبير القانوني عبد الباسط الحاج أوضح لـ«القدس العربي» أن ما يترتب على استقالة حمدوك هو إلغاء الاتفاق الإطاري الموقع بينه كرئيس وزراء والقائد العام للقوات المسلحة البرهان، لأن الصفة الاعتبارية التي كان يمثلها حمدوك قد سقطت مع الاستقالة المقدمة منه.
وأضاف: وفقا للاتفاق، فإن حمدوك والبرهان كانا يسعيان إلى تأسيس إطار سياسي جديد يعقب الانقلاب الذي قام به البرهان عن طريق وثيقة الاتفاق الثنائية، وقد عجزا عن ذلك، ولم تتحقق بنود الاتفاق.
وأكد على أن الاتفاق الإطاري للبرهان وحمدوك قام، تأسيساً على قرارات الخامس والعشرين من أكتوبر/تشرين الأول، الأمر الذي يعني أن الوضع السياسي في البلاد بعدها سيعود إلى تلك نقطة، أي وضع الانقلاب على الحكومة المدنية الذي عطل فيها العمل بعدد من مواد الوثيقة الدستورية وخاصة تلك التي تؤسس للشراكة بين الجيش وقوى الحرية والتغيير.
وأضاف: لكن البرهان أكد في انقلابه على أنه ملتزم باتفاق السلام، ما يعني أن اتفاق جوبا سيظل قائماً في موقف البرهان استقراء من بيان الانقلاب، ما لم يصدر موقف آخر غير ذلك.
وبيّن أن اتفاق السلام هو جزء من الالتزامات الدستورية وليس مرجعية دستورية، لافتا إلى أن المرجعية الواردة في كل الاتفاقات السابقة تقول إن الوثيقة الدستورية هي المرجعية الانتقالية المعترف بها.
وأشار إلى أن اتفاق السلام نفسه نتج عن الوثيقة الدستورية.