دورة الدمّ

حجم الخط
0

شفيفٌ، ذلك الصوت الجريح الباهظ، مثل كفنٍ مستعمل، تطرح الغزالة الفاتنة كناياتها، ترتبها مصفوفةً أمامنا، وتبدأ في امتحان قدرتنا على اكتشاف دلالاتٍ غير مرئيةٍ، تشي بالطبيعة الكونية لمثل هذه المخلوقات. يندر أن يدرك أحدٌ من تكون على وجه التقريب، نتلعثم، أعني نتعثر بالقواميس وفهارس التأويل وحدود المعنى، دون أن ندرك مَنْ، أعني ما، هي هذه الجنية، مذبوحة الروح، كسيرة القلب، التي تتماثل أمامنا، بوجل المفقود وقلق الفاقد، تؤرجح قدميها المذعورتين، كمن يعبر حقل ألغام لا نهائي. فنستعيد قدرتنا على الاطمئنان والسكينة والثقة، فيما نصغي لذلك الصوت النازف الرهيف، متدفقاً مثل نبيذ مسكوب من عنق زجاجة مترنحة لفرط الانتشاء. نصغي، نصغي فحسب، لكننا لا ندرك، أعني لا نكاد أن ندرك، هل هي صورتها أم صوتها، أم هو طيفنا الذي نواصل فقده طوال الوقت، دون أن نعرف ذلك.

٭ ٭ ٭

بدوا كأنهم يخرجون من قمصان وسراويل النيران.
يتملَّصون قاذفين أعضاءهم الممزوقة من خرق تتهرأ مشتعلة تتلظى. لا تندفع ولا تنهار، معلقة في خيوط من هواء مسحور.
بدوا كأنما النار منجاة لهم من جحيم يوشك بهم.
ليتكم ترون إليهم كما يدون.
جرحى، ينزف منهم دمٌ لا لون له ولا طبع ولا طريقة.
أخطاء لهم تتراكم ولا يعقلون،
تتهرأ أجسادهم في قشورٍ وفي رقائق،
يتورَّمُ فيهم العظم وينزُّ القيحُ من أوراكهم،
ويستنجدون بصلاة بلا آلهة،
وليس لسجودهم ما يشفُ عن الخضوع.
بينهم وبين البحر ما صنع النجار من خشبٍ
ومن حديد الحداد لهم قبور وتوابيت.

٭ ٭ ٭

نحصي دورة الدم في أجسادنا
ونرصدها
ونغفو جالساتٍ في رمال البحر
في الخشب الخفيف يجفُّ في قاع السفينة
دورة في الدم
ثمة غربة يرتادها بحارةٌ
يطؤون موج الجمر
نرصدهم
وهم يرخون أعضاء التأمل.

٭ ٭ ٭

أشداقاً وتهلكة
وشكوى من جلاوزة يقودون السفينة
في المساقط
كلما قلنا لهم كفوا
مضوا
يا دورة في الدمّ
من يهتمّ
إن كان الجلاوزة الطغاة
الضالعون يؤجلون حريقنا في الدمّ
من يهتمّ
إن كان الضحايا مطمئنين افتراضاً
أنهم في جنة يمضون
نصغي مثل أطفالٍ
ونحن جالساتٍ في انتظار رجالنا
في البحر
كي يأتوا سريعاً قبل أن نقضي اشتياقا
جالساتٍ
يذهب الأطفال عن درس المسافر
كلما اغترب الرجال
استفردَ الغرباءُ فينا
واستحلنا غابةً مهدورةً تحت السنابك
كلما قلنا لهم كفوا
مضوا
نحن نساءُ الزرقة الملقاة
في غيم الرجال
وهم يعودون افتراضاً
دورة في الدمّ
نرصدهم ونغفوا ساعة اللقيا
لعل خديعة الرؤيا
تكفُّ
وينتهي ليل الضحايا
دورة في الدمّ
من يهتمّ

شاعر بحريني

كلمات مفتاحية

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إشترك في قائمتنا البريدية