نواكشوط ـ «القدس العربي»: تنشغل المجموعة الدولية حالياً بتطورات الوضع في مالي منذ أن أصدرت المجموعة الاقتصادية لغرب إفريقيا قبل يومين، رزمة من العقوبات السياسية والمالية والدبلوماسية ضد نظام الطغمة العسكرية الحاكمة في باماكو، وذلك بالنظر للأهمية الاستراتيجية لدولة مالي في أي مجهود أمني أو عسكري حاضر أو قابل، ومنسق؛ للقضاء على الإرهاب المستفحل في منطقة الساحل.
وجاءت عقوبات المجموعة الاقتصادية لغرب إفريقيا لتشكل صدمة داخل مالي، ولتثير التضامن الداخلي، وهو ما سيقوي موقف الانقلابيين، كما أنها أدت إلى خلط الأوراق بين القوى الدولية المتصارعة على النفوذ في الساحل، بينما أحرجت الجزائر وموريتانيا، أبرز دولتين مجاورتين لمالي وغير عضوين في مجموعة غرب إفريقيا.
ولعب العقيد عاصيمي غويتا، رئيس المجلس العسكري الانتقالي الحاكم في مالي، في خطاب للشعب، أمس، على ورقة استئناف الحوار مع «إيكواس» دون أن يقدم مقترحاً محدداً.
وأكد أن بلاده منفتحة على الحوار مع المجموعة الاقتصاديّة لدول غرب إفريقيا، رغم عدم قانونية عقوباتها، وذلك من أجل إيجاد توافق في الآراء بين المصالح العليا للشعب المالي واحترام المبادئ الأساسية للمجموعة».
وأضاف غويتا: «حتى وإن كنا نأسف للطبيعة غير الشرعية وغير القانونية وغير الإنسانية لقرارات المجموعة، تظل مالي منفتحة على الحوار».
ودعا غويتا مواطنيه إلى «الهدوء والصمود لأننا اخترنا، حسب قوله، أن نكون صادقين حتى نقرر مصيرنا بأيدينا عبر شق طريقنا بأنفسنا».
ومع أن شركتها «موريتانيا للطيران» قد علقت رحلاتها إلى باماكو ودول «إيكواس» فقد أظهرت حكومة نواكشوط، تحفظاً إزاء العقوبات، مفهوماً من حصيلة مكالمة هاتفية جرت الإثنين بين نانا آكوفو آدو، رئيس جمهورية غانا، الرئيس الدوري للمجموعة الاقتصادية لدول غرب إفريقيا والرئيس الموريتاني محمد ولد الشيخ الغزواني، حول القرارات التي اتخذتها المجموعة خلال قمتها الاستثنائية المنعقدة، الأحد الماضي.
وأكد الرئيس الموريتاني، خلال المكالمة «حرص موريتانيا على أن يتجاوز الأشقاء في مالي الصعوبات الحالية، بما يضمن الحفاظ على أمن ووحدة واستقرار بلدهم الشقيق» واتفق الرئيس الغزواني مع الرئيس الغاني على «مواصلة التشاور بشأن الملف المالي».
وأكدت الجزائر أنها «تتابع عن كثب آخر تطورات الأزمة في مالي عقب العقوبات التي أعلنت عنها المجموعة الاقتصادية لدول غرب إفريقيا» داعية «كل الأطراف إلى ضبط النفس» حسبما أفاد بيان لوزارة الشؤون الخارجية الجزائرية.
وجاء في البيان الجزائري: «بصفتها رئيسة الوساطة الدولية ورئيسة لجنة متابعة اتفاق السلم والمصالحة في مالي المنبثق عن مسار الجزائر علاوة على كونها بلداً جاراً يتقاسم مع مالي حدوداً برية طويلة وتاريخاً أطول من علاقات حسن الجوار، فإن الجزائر تتابع عن كثب آخر التطورات للأزمة السياسية والأمنية التي تعرفها جمهورية مالي ناهيك عن المعاملة التي تلقتها من المجموعة الاقتصادية لغرب إفريقيا».
وتابعت الخارجية في بيانها: «احتراماً للوائح منظمة الوحدة الإفريقية سابقاً والاتحاد الإفريقي حول التغييرات الحكومية غير الدستورية، لم تتوان الجزائر عن الدعوة إلى الرجوع للنظام الدستوري والعمل وفق الصلاحيات الممنوحة لها في إطار اتفاق الجزائر بالتعاون الوثيق مع الشركاء الدوليين على تهيئة كل الظروف اللازمة لإحلال الانتقال السلس في سبيل إعادة إرساء النظام الدستوري بشكل دائم في هذا البلد الشقيق».
وأكدت الخارجية الجزائرية في فحوى البيان، أن «هذا الالتزام يجسد عمق قناعة الجزائر بأن مسار السلم والمصالحة وجهود إرساء النظام الدستوري الديمقراطي هي شروط متكاملة تتطلب دعم الجميع في إطار مسعى متوازن».
وأضاف البيان: «في هذا الإطار، وخلال اتصالاتها مؤخراً مع السلطات المالية، رافعت الجزائر، التي حذرت من العقبات على الصعيد السياسي والأمني والاقتصادي التي قد تنجم عن مرحلة انتقالية طويلة الأمد، مثل تلك التي يقترحها الطرف المالي، من أجل حوار هادئ وواقعي مع المجموعة الاقتصادية لدول غرب إفريقيا، للتوصل إلى مخطط للخروج من الأزمة يأخذ بعين الاعتبار المتطلبات الدولية والطموحات الشرعية للشعب المالي، وكذا العوامل الداخلية المتعلقة بالديناميكيات الوطنية المالية».
وسارع النظام العسكري في غينيا كوناكري، برئاسة العقيد مامادي دومبويا، إلى إعلان «رفضه تطبيق العقوبات التي فرضتها المجموعة الاقتصادية لدول غرب إفريقيا «إيكواس» ضد مالي».
وأوضح بيان رسمي غيني «أن حدود غينيا الجوية والبرية والبحرية تظل مفتوحة على الدوام لجميع البلدان الشقيقة تماشياً مع الإرادة الوحدوية الإفريقية».
وأضاف البيان أن غينيا «تجدد التأكيد على رغبتها في احترام وتطبيق الاتفاقيات والمعاهدات الثنائية ومتعددة الأطراف التي هي طرف فيها».
وأثارت العقوبات المفروضة على مالي، قلقاً دولياً كبيراً للتناقض القائم بين حمل الطغمة العسكرية الحاكمة في باماكو بالعقوبات وبالتلويح بالقوة، إلى تقصير مهلة الفترة الانتقالية نحو النظام المدني المنتخب، الأمر الذي ترفضه الطغمة، وبين عدم تحميل الشعب المالي تبعات وضع مفروض عليه.
وخلال جلسة لمجلس الأمن، أعلنت فرنسا الدولة الاستعمارية السابقة الغاضبة على نظام العقيد عاصيمي اغويتا الذي استبدل شراكة مالي مع باريس بشراكة مالية روسية، عن «مساندتها القوية للعقوبات التي فرضتها المجموعة الاقتصادية لغرب إفريقيا على النظام العسكري في باماكو إثر إخلاله بالتزاماته المتعلقة بالفترة الانتقالية».
أما الولايات المتحدة، فقد أكدت «انشغالها العميق لعدم إحراز أي تقدم في الملف المالي، داعية «سلطات باماكو للعودة إلى الديمقراطية في أسرع وقت».
وأكدت وزارة الخارجية الأمريكية «أن الولايات المتحدة تدعم العقوبات الإضافية التي فرضتها المجموعة الاقتصادية لدول غرب إفريقيا، (إيكواس) على مالي».
وأضاف المتحدث باسم الوزارة نيدبرايس: «نكرر أيضاً مخاوف «إيكواس» بشأن قوات مجموعة فاغنر المدعومة من روسيا في مالي، وما لها من تأثير محتمل على الاستقرار هناك».
وبعكس المواقف السابقة، دعت روسيا إلى «دعم الجهود المفهومة التي تبذلها سلطات باماكو في سبيل إعادة الأوضاع لمسارها العادي».
وفي إطار التحليلات الخاصة بهذا الملف، أكد إسماعيل يعقوب الخبير الموريتاني في قضايا الساحل «أن رؤساء دول غرب إفريقيا باتخاذهم لقرار محاصرة مالي؛ قد يغيرون وجهة نظرهم في حالات، أولاها تدهور الوضع الأمني والسياسي في مالي إلى ما هو أسوأ، مثل حدوث انقلاب أو بروز مظاهرات قوية تزيد من تشويه المنظمة داخلياً وتطالب بإسقاط من جلبوا الحصار، والحالة الأخرى تراجع العسكر في باماكو عن أجندتهم الطويلة مالي».
وقاـل: «ستــعتمد دولة مالي على موريتانيا والجزائر في معظم تبادلاتها التــجارية؛ لكنــها ستـخضع في النـــهاية، إلى إرادة جـيرانها الأفارقة».