إسطنبول- “القدس العربي”: في خطوة غير متوقعة، أبدت الإدارة الأمريكية تحفظات شديدة بشأن المشروع اليوناني لإنشاء خط أنابيب لنقل الغاز المتنازع عليه شرق البحر المتوسط إلى أوروبا، في خطوة اعتبرها الإعلام اليوناني بمثابة ضربة قاصمة لمشاريع أثينا في شرق المتوسط، ويرى مراقبون أنها قد تمثل فرصة كبيرة لتركيا لقلب تأخرها في صراع شرق المتوسط إلى انتصار إذا ما نجحت في التوصل إلى اتفاق مع إسرائيل ومصر لنقل الغاز إلى أوروبا، بعيداً عن اليونان التي سعت لعزل تركيا وتهميشها طوال السنوات الماضية.
وعلى الرغم من أن اليونان نجحت في السنوات الماضية في تشكيل تحالف واسع شرق المتوسط مبني على فكرة عزل تركيا التي ظهرت في موقف أضعف، إلا أن أنقرة نجحت عقب اتفاق ترسيم الحدود البحرية مع ليبيا في امتلاك بعض أوراق القوة، كما تسعى من خلال تقاربها مع مصر وإسرائيل والتوقيع على اتفاقيات جديدة لترسيم الحدود البحرية معهما وإمكانية الاتفاق على مشروع مختلف لتصدير الغاز إلى أوروبا، يمكنها من قلب تأخرها لانتصار كبير متسلحة بـ”الفيتو” الذي تتمتع به ضد أي مشروع لا تكون جزءا منه بحكم موقعها الجغرافي الاستراتيجي.
ومنذ أيام تتحدث مصادر إعلامية يونانية عن أن الإدارة الأمريكية أرسلت مجموعة من الرسائل إلى كل من اليونان وقبرص وإسرائيل أبدت فيها معارضتها لمشروع “إيست ميد”، مؤكدة أنها لن توفر الغطاء السياسي أو المالي للمشروع، في خطوة أثارت غضب وإحباط اليونان التي كتبت بعض صحفها عناوين تصف ما جرى بأنه “هزيمة لليونان وانتصار كبير لتركيا”.
والثلاثاء، نقلت وكالة رويترز عن مصادر حكومية يونانية تأكيدها أن الولايات المتحدة أبدت تحفظات بشأن خط “إيست ميد”، وقال المصدر: “الجانب الأمريكي أبدى للجانب اليوناني تحفظات على الأساس المنطقي لخط أنابيب إيست ميد وأثار قضايا بشأن الجدوى الاقتصادية منه وقضايا بيئية”، في مؤشر على موقف مخالف لإدارة الرئيس جو بايدن عن الإدارة السابقة برئاسة دونالد ترامب والتي كانت تدعم المشروع بقوة رغم المعارضة التركية الشديدة.
و”إيست ميد” هو مشروع خط أنابيب تحت البحر، مصمم لتزويد أوروبا بالغاز الطبيعي من شرق المتوسط، جرى التوقيع على اتفاق مبدئي حوله من قبل اليونان وإسرائيل وقبرص، وكان يتوقع أن يتم التوصل لاتفاق استثماري نهائي حوله هذا العام بتكلفة متوقعة تصل إلى قرابة 7 مليارات دولار على أن يبدأ بضخ الغاز لأوروبا بحلول عام 2025 لتحقيق مكاسب للدول الثلاث المصدرة والتي أعلنت عن اكتشافات ضخمة في السنوات الأخيرة، ومساعدة أوروبا على تنويع مصادر الطاقة وخاصة تقليل الاعتماد على الغاز الروسي.
وتعارض تركيا مشروع “إيست ميد”، كما عارضت سابقاً مشروع الربط الكهربائي بين اليونان وقبرص وإسرائيل، حيث تقول أنقرة إنه لا يمكن لأي مشروع شرق المتوسط أن يرى النور بدون موافقتها وبدون أن يكون يراعي مصالحها بشكل كامل، حيث تمتلك أنقرة ما ترى أنه “فيتو معطل” لأي مشروع يستوجب أن يمر من شرق المتوسط حيث تتمتع أنقرة بحدود بحرية طويلة سواء أمام سواحلها المباشرة أو سواحل “جمهورية شمال قبرص التركية”، كما أن خط تقسيم الحدود البحرية مع ليبيا شكل ما يشبه القاطع لأي مشروع يمتد من إسرائيل إلى اليونان، ومنعت القوات البحرية التركية مراراً إجراء أي أبحاث أو أعمال تتعلق بالمشروعات السابقة.
وبشكل عام، نجحت اليونان في التفوق على تركيا دبلوماسيا في صراع شرق المتوسط من خلال بناء تحالفها السياسي القوي مع دول حوض المتوسط التي كانت على خلاف كبير مع تركيا لأسباب مختلفة ونجحت في التقارب مع إسرائيل ومصر وقبرص والحصول على دعم الإدارة الأمريكية والاتحاد الأوروبي كما جلبت دولا خليجية على خلاف مع تركيا لإظهار دعمها لسياسة أثينا في شرق المتوسط ونجحت في بناء “تحالف شرق المتوسط” واتفاقيات عسكرية ودفاعية مختلفة، ولاحقاً التوقيع على مشاريع طاقة مختلفة مع إسرائيل ومصر بشكل خاص، في المقابل بقيت أنقرة تتسلح بـ”الفيتو المعطل”.
فالاكتشافات الهائلة للغاز في البحر المتوسط كانت بحاجة لمشروع واقعي للتصدير للاستفادة من هذه الثروات، حيث وجد محور منتدى غاز شرق المتوسط والدول التي انضمت إليه صعوبات بالغة في القيام بمشاريع استراتيجية كبيرة تحدد مستقبل الغاز المستخرج من المنطقة وخطوط تصديره والتعاون في مجال الطاقة بشكل عام بمعزل عن تركيا التي ما زالت تمتلك القوة العسكرية و”فيتو مُعطلا” للكثير من المشاريع الاستراتيجية في المنطقة.
ومقابل العديد من الاتفاقيات التي توصلت إليها اليونان مع دول المنطقة، نجحت تركيا في التوقيع على اتفاقية واحدة لترسيم الحدود البحرية مع الحكومة الليبية، إلا أن هذه الاتفاقية كان أثرها كبيراً جداً وذلك بعدما ربطت الحدود البحرية التركية الليبية عبر خط يمر من كامل حدود شرق المتوسط يجبر أي دولة تفكر في مد أي خطوط لنقل الغاز إلى أوروبا أن تحصل على إذن من تركيا وهو ما يتطلب بطبيعة الحال علاقات جيدة ومراعاة للمصالح التركية.
ومنذ سنوات كان المشروع الاستراتيجي الأول يتعلق بمد خط رئيسي يمر عبر شرق المتوسط وتركيا وصولاً لأوروبا، إلا أن تصاعد الأزمة والخلافات دفع أطراف منتدى شرق المتوسط للبحث عن بدائل أخرى يقول خبراء إن جزءا كبيرا منها ممكن نظرياً فقط حيث تدور أغلبها حول مشاريع غير مجدية اقتصادياً لتبقى تركيا هي الخيار الأول في هذا الإطار بسبب موقعها الجغرافي وما تمتلكه من بنية تحتية قوية من خطوط الغاز التي تصل أوروبا وهو ما من شأنه أن يجعل من طرحها أقل تكلفة وأكثر ربحاً لكافة الأطراف.
وتبدي تركيا تشدداً كبيراً في الموافقة على أي خطوط لنقل الغاز من المتوسط لأوروبا عبر أراضيها قبيل التوصل إلى تفاهمات مع دول المنطقة لرسم حدودها البحرية و”التقاسم العادل للثروات”، قبل أن تمرر وتدعم هذا المشروع الذي يخدم رؤيتها الاستراتيجية بأن تتحول إلى ممر استراتيجي للطاقة في المنطقة.
وفي هذا الإطار، نجحت تركيا في تفكيك الكثير من غطاء الدعم السياسي الذي حشدته اليونان طوال السنوات الماضية، وذلك من خلال التهدئة مع الاتحاد الأوروبي لدفعه نحو اتخاذ موقف متوازن من الأزمة، ومساعي الحصول على موقف أمريكي مشابه يبدو أنه بدأ يظهر بمعارضة واشنطن لمشروع “إيست ميد”، وتحييد مواقف دول خليجية من خلال التقارب مع الإمارات، وقرب إنهاء الخلافات مع السعودية خلال زيارة متوقعة للرئيس التركي رجب طيب أردوغان للرياض الشهر المقبل.
لكن الأهم، هي مساعي تحسين العلاقات المتواصلة مع مصر وإسرائيل، حيث يتوقع أن تنجح هذه المساعي خلال المرحلة المقبلة في إنهاء الخلافات وإعادة تطبيع العلاقات وهو ما قد ينتج عنه اتفاقيات جديدة لترسيم الحدود البحرية بين الجانبين لا سيما مصر التي وعدتها تركيا بحصة أكبر في شرق المتوسط، على أن يقود ذلك جميع الأطراف لتغليب المصالح الاقتصادية والعمل بشكل مشترك على مد خط ينقل ثروات شرق المتوسط لأوروبا ليبقى الخيار الأسهل والأجدى اقتصادياً هو التعاون مع تركيا التي ما زالت تحتاج الكثير من الجهد السياسي والدبلوماسي لتنجح في هذه المهمة التي قد تقودها بالفعل إلى تحويل تأخرها في ملف شرق المتوسط إلى انتصار.
أين سوريا ولبنان وفلسطين من هذه الاتفاقيات. الا يجب أن يكون هناك حصة لهذه الدول في الكعكة اام ان انشغال هذه الدول بمشاكلها الداخليه. يبعدها عن مطالبتهم بحقوقهم
ومصر التي ضحت بكثر من مساحة الدلتا في هذه الاتفاقيات ستتغاضي عن حقوق عربيه وتضحي بها في سبيل ان ينال السيسي رضا الغرب
الذي لا تهمه في نهاية المطاف سوي
رفاهية شعوبه ولو كانت على حساب شعوب أخرى.
تركيا دولة إقليمية قوية عسكريا وموقعها الاستراتيجي يضعها في موقف القوي بعد ترسيم الحدود مع ليبيا وسياسة الدبلوماسية مع دول الحوض والقوى الكبرى ففي توقعي هذا الملف سةف يفتح طرق لحل خلافات لملفات تركية عالقة لتركيا
بل قل هي صفعة حارة على وجه الكيان الصهيوني رغم تقاربه مع تركيا ، فالكيان يتمنى انتصار اليونان وحلفائها في عزل تركيا لكن جرت سفينة الريس بيري بما لا تشتهيه أحلام الكائدين !