الخشية من خطط موسكو لغزو أوكرانيا يمكن أن تكون قد دفعت واشنطن للقيام بخطوات لإرضاء تركيا لأهمية موقعها الجيوسياسي في الأزمة الأوكرانية وسيطرتها على المضائق التي توصل إلى البحر الأسود.
إسطنبول ـ «القدس العربي»: يخيم هدوء إيجابي على العلاقات التركية الأمريكية منذ أشهر وذلك بعد سنوات من الخلافات الحادة غير المسبوقة بين البلدين وسط خطوات إيجابية متبادلة من الجانبين لا يعرف إن كانت مجرد هدنة عابرة وانشغال للبلدين في ملفات أخرى أم أنها بالفعل بوادر صفقة غير معلنة لتحييد الخلافات وفتح صفحة جديدة في سجل العلاقات التي وصلت أسوأ مراحلها على الإطلاق مؤخراً بين الحليفين في الناتو.
وإلى جانب السياسة التركية الجديدة ومحاولة العودة إلى «صفر مشاكل» مع دول العالم لإنهاء الخلافات السياسية وتحقيق مكاسب اقتصادية، والتحديات التي فرضتها جائحة كورونا على كل دول العالم للتركيز على نقاط الاتفاق والتعاون الاقتصادي، يعتقد ان تصاعد التوتر بين الغرب وروسيا بسبب الخشية من خطط موسكو لغزو أوكرانيا يمكن أن تكون قد دفعت واشنطن للقيام بخطوات لإرضاء تركيا لأهمية موقعها الجيوسياسي في الأزمة الأوكرانية وخاصة سيطرتها على المضائق الوحيدة التي توصل إلى البحر الأسود.
ويلاحظ أن الأشهر الأخيرة تراجعت فيها حدة التصريحات الهجومية المتبادلة بين الجانبين والتي سادت طوال السنوات الماضية، حيث توقف كبار المسؤولين الأتراك وعلى رأسهم الرئيس رجب طيب اردوغان عن توجيه الانتقادات للإدارة الأمريكية وهو الأمر نفسه ما يفعله كبار المسؤولين ومنهم وزراء الدفاع والخارجية والمتحدث باسم الرئاسة الذين اعتادوا على توجيه انتقادات واتهامات حادة لإدارة بايدن وصولاً لاتهامها بدعم الإرهاب.
في المقابل، توقف المتحدثون باسم إدارة بايدن عن التصريحات المعتادة والمتعلقة بتوجيه انتقادات حادة لملفات حقوق الإنسان والحريات في تركيا، ومع الهدوء على أغلب الجبهات العسكرية التي انغمست فيها تركيا بالسنوات الأخيرة، لم تعد هناك أيضاً تطورات تستوجب التعليق الدائم من قبل الإدارة الأمريكية نحو تركيا، وهو ما ساهم على ما يبدو بشكل أكبر في تراجع التصريحات السلبية الموجهة ضد تركيا.
وقبل أيام، وصل السفير الأمريكي الجديد لدى أنقرة، جيف فليك إلى تركيا ليباشر مهامه خلفاً للسفير السابق ديفيد ساترفليد، وصرح السفير الجديد عقب وصوله إلى تركيا بالقول «سعيد بكوني هنا، شكرا على هذا الاستقبال الجميل». ويتوقع أن يساهم الجمهوري فليك الذي دعم الديمقراطي بايدن في تحسين العلاقات بين البلدين إلى جانب السفير التركي الجديد ايضاً في واشنطن حسن مراد مرجان.
وفي خطوة مهمة، علقت محكمة الاستئناف في نيويورك، السبت، إجراءات المحاكمة في التهم الموجهة ضد مصرف «خلق بنك» التركي لدى المحكمة الفيدرالية حتى يتمكن البنك من ممارسة حقه في الاستئناف أمام المحكمة العليا، وبعد هذا القرار أصبح الطريق ممهدا أمام المصرف للطعن لدى المحكمة العليا في الدعوى المرفوعة ضده.
وعلى العكس المتوقع، شهد ملف المحاكمة المتعلق بالبنك الحكومي التركي خطوات نحو إغلاق ملف القضية التي كان يتوقع أن تستخدمها إدارة ترمب كورقة ضغط ضد تركيا رداً على تقاربها مع روسيا، حيث يواجه البنك قضية كبيرة تتعلق بخرق العقوبات الأمريكية المفروضة على إيران وهي قضية تطال بدرجة أساسية شخصيات مقربة من الرئيس التركي، ويعتقد أن عدم تصعيد القضية يعتبر بمثابة خطوة إيجابية من الإدارة الأمريكية نحو تركيا.
لكن الخطوة الأكبر، ظهرت قبل أيام عندما أبدت الإدارة الأمريكية تحفظات شديدة بشأن المشروع اليوناني لإنشاء خط أنابيب لنقل الغاز المتنازع عليه شرق البحر المتوسط إلى أوروبا، في خطوة اعتبرها الإعلام اليوناني بمثابة ضربة قاصمة لمشاريع أثينا في شرق المتوسط والذي كانت تعارضه تركيا بشكل مطلق.
ومنذ أيام تتحدث مصادر إعلامية يونانية عن أن الإدارة الأمريكية أرسلت رسائل إلى كل من اليونان وقبرص وإسرائيل أبدت فيها معارضتها لمشروع «إيست ميد» مؤكدة أنها لن توفر الغطاء السياسي أو المالي للمشروع، في خطوة أثارت غضب وإحباط اليونان التي كتبت بعض صحفها عناوين تصف ما جرى بأنه «هزيمة لليونان وانتصار كبير لتركيا».
والثلاثاء، نقلت وكالة «رويترز» عن مصادر حكومية يونانية تأكيدها أن الولايات المتحدة أبدت تحفظات بشأن خط «إيست ميد» وقال المصدر: «الجانب الأمريكي أبدى للجانب اليوناني تحفظات على الأساس المنطقي لخط أنابيب إيست ميد وأثار قضايا بشأن الجدوى الاقتصادية منه وقضايا بيئية» في مؤشر على موقف مخالف لإدارة الرئيس جو بايدن عن الإدارة السابقة برئاسة دونالد ترامب والتي كانت تدعم المشروع بقوة رغم المعارضة التركية الشديدة.
وتحدثت مصادر إعلامية تركية عن أنباء تشير إلى ان شركة تنقيب أمريكية كبيرة انسحبت من مشروع للتنقيب عن مصادر الطاقة في شرق المتوسط كان محل اعتراض وخلاف كبير بين تركيا واليونان، وهي خطوة – لو صحت- تعطي مؤشراً قطعياً على تحول كبير في الموقف الأمريكي من صراع شرق المتوسط.
ومؤخراً، كثف الجانبان التركي والأمريكي مباحثاتهما على المستويين السياسي والعسكري في محاولة للتوصل إلى حل لأزمة طائرات إف 35 والتي تفجرت عقب شراء تركيا منظومة إس 400 من روسيا وما أعقبها من خلافات حادة وعقوبات أمريكية كبيرة على تركيا.
وعلى الرغم من عدم الإعلان عن التوصل إلى اتفاق رسمي لإنهاء الأزمة، إلا أنه جرى تحقيق تقدم كبير في العمل على مقترح لإعادة مبلغ 1.4 مليار دولار دفعتها تركيا لبرنامج طائرات إف 35 لاستخدام هذا المبلغ في بيع تركيا طائرات من طراز إف 16 بحيث تحصل تركيا على أموالها وتعزز أسطولها الجوي بطائرات متقدمة وإن كانت أقل درجة من طائرات إف 35 وذلك كحل وسط لإنهاء الخلاف حول العقدة الأصعب في علاقات البلدين بالسنوات الأخيرة.