يواجه النظام الديمقراطي على المستوى العالمي تحديات كبرى، تتمثل في تصاعد الخطاب الشعبوي والعنصري المكشوف، وانتشار الفساد في الكثير من الدول الديمقراطية، بما فيها تلك المستقرة الناضجة قياساً إلى تلك الديمقراطيات الناشئة في آسيا وأفريقيا وأمريكا اللاتينية. ولا يقتصر هذا الفساد على الداخل وحده، بل يشمل ذاك العابر للحدود، الذي يأخذ شكل العمولات وأجور الاستشارات، والرشاوى التي تُدفع لتسهيل عقود الصفقات وتمريرها.
وأصحاب الفساد والمستفيدون منه لا يلتزمون عادة بالمعايير الأخلاقية، ولا تردعهم القوانين المعلنة، لأن معظم الصفقات التي تتم تكون سرية الطابع بذريعة الحفاظ على مصالح وأسرار الدولة. وحينما يُكتشف أمرها في بعض الأحيان، تبذل الجهود سريعاً للتغطية عليها، وإبعادها عن دائرة الضوء. وهناك أمثلة كثيرة في هذا الميدان حول صفقات بين شركات غربية مع أنظمة استبدادية، وحتى مع جماعات مصنفة إرهابياً وفق اللوائح المعتمدة في الدول التي تتبعها تلك الشركات؛ وكل ذلك يثير الكثير من التساؤلات والشكوك، ويعزز مكانة أصحاب نظرية المؤامرة الذين يرون أن الأمور هي محددة ومقررة سلفاً ليس على مستوى كل دولة فحسب، بل على المستوى الكوني بأسره. فهناك أصحاب الشركات المتعددة الجنسيات، وأرباب المال، وأركان الدولة العميقة، والوسطاء من جماعات الضغط، الذين يدفعون باتجاه اتخاذ القرارات التي تمكنهم تحقيق المزيد من الأرباح، ورفع درجات الهيمنة.
وكل هذا يدفع بعدد كبير من المواطنين نحو الإحباط واليأس، فيمتنعون عن أداء واجباتهم، أو يتحولون إلى مجرد مواطنين سلبيين لا يشاركون في اللقاءات والمناقشات العامة؛ ولا يساهمون في عملية الدفاع عن القضايا أو المشاريع التي تعود بالنفع على المجتمع، بغض النظر عما إذا كانت كبيرة أو صغيرة. فمثلاً في الأحوال العادية لا بد أن ينتقد المواطن في المجتمع الديمقراطي ما تتعرض له وسيلة إعلامية من ضغوط قد تمس باستقلاليتها، أو ينتقد القرارات التي تضعف استقلالية القضاء. ولكن حينما يُصاب هذا المواطن بالإحباط، وينسحب ليتخذ الموقف الانفعالي المنعزل، ويتعامل مع ما يجري، وكأنه لا يعنيه، ولا يمس مصيره ومصير الجيل المقبل؛ بل يشكّك في إمكانية التغيير، وبالتالي يُقنع نفسه، ومن يستطيع أن يؤثر فيهم، بعدم جدوى بذل أي جهد لتحقيق التغيير نحو الأفضل، فهذا معناه أنه قد خرج من دائرة الفعل، وقَبِل بأن يتم تحديد دوره ومستقبله من جانب أولئك الذين لا يثق بهم، ولا يجسدون بالنسبة إليه أي أمل.
وتصبح المصيبة أكبر حينما يتحول هذا التوجه الفردي إلى ظاهرة عامة، تستغلها القوى الشعبوية عبر دغدغة العواطف وإثارة النزعات العنصرية أو الدينية. وما يتكامل مع هذه التوجهات الشعبوية يتمثل في ضعف الأحزاب التقليدية التي عجزت عن تطوير برامجها لتراعي المتغيرات المستجدة، كما لم تتمكن من تجديد بنيتها التنظيمية عبر استقطاب المزيد من الشباب. وهذا ما نشهده اليوم في العديد من الدول الغربية يتجلى في ظاهرة عزوف الشباب عن الانتماء إلى الأحزاب السياسية، وهي الأداة التي من المفروض أنها ستمكنهم من الوصول إلى المواقع القيادية بناء على قواعد اللعبة الديمقراطية، كأن يكونوا مثلاً في البرلمان، أو الحكومة، أو حتى الرئاسة.
النظام الديمقراطي لا يقوم على الانتخابات وحدها مهما كانت حرة ونزيهة، بل يحتاج إلى جملة ركائز أخرى، لا استغناء عنها من أجل استمرارية هذا النظام، وتمكينه من مواكبة المتغيرات والمستجدات؛ وفي مقدمة هذه الركائز تأتي أهمية، بل ضرورة، وجود معارضة نشيطة تمارس عملها بكل جرأة وفق قواعد وضمانات يقر بها الدستور، ويلزم بضرورة مراعاتها والأخذ بها. كما أن النظام الديمقراطي يستوجب وجود صحافة حرة تمكّن المواطنين من الاطلاع بكل شفافية على ما يجري، الأمر الذي سيمكّن من المتابعة والمساءلة والمحاسبة، وفق قواعد واضحة محددة بقوانين ومبادئ دستورية. وهذا كله لن يتم من دون وجود قضاء مستقل، يستطيع أن يمارس أعماله بكل حرية، ويصدر الأحكام العادلة التي لا تخضع لأي ابتزاز أوضغط وتدخل سواء من جانب السلطة، أم من قبل جماعات الضغط بمختلف أشكالها ومسمياتها.
أما التحدي الأخطر الذي تواجهه الأنظمة الديمقراطية، بما فيها المستقرة، فهو يتمثل في أصرار السلطات الاستبدادية على تسويق نماذجها، خارج حدود دولها، سواء عن طريق التدخل العسكري المباشر أم غير المباشر، أو عن طريق نشر المعلومات المضللة، والسعي المتواصل من أجل التأثير في توجهات الناخبين في الدول الديمقراطية، ودعم الأنظمة المستبدة التي تواجه انتقادات وحركات احتجاجية، وحتى ثورات شعبية تدعو إلى الإصلاح وإلى عمليات تغيير سياسية جدية، تحترم إرادة الشعوب وتطلعاتها.
فما حصل في العديد من الدول العربية من دعم للأنظمة التي ثارت عليها شعوبها، يؤكد حرص القوى الاستبدادية على مساندة بعضها بعضاً، وذلك لتيقنها من أن أي نَفس ديمقراطي في أية بقعة من العالم سيؤثر عليها سلباً عاجلاً أم آجلاً. هذا ما جرى، ويجري، في سوريا ولبنان والعراق واليمن؛ ويجري في السودان وليبيا وتونس؛ كما حصل، ويحصل، أيضاً في أوكرانيا وكازاخستان، والعديد من الدول الأمريكية اللاتينية والآسيوية والأفريقية، ونشير هنا على سبيل إلى تايلاند وميانمار، وقبل ذلك في إيران.
الأنظمة المستبدة تراقب الأوضاع في الدول الديمقراطية عن كثب، وهي مطلعة على الثغرات الموجودة في أنظمة تلك الدول؛ كما تدرك أن الحسابات الانتخابية باتت هي الشغل الشاغل لمختلف الأحزاب السياسية التي تحاول بشتى السبل أن تفوزبالأغلبية، أو أن تتمكن من تشكيل تحالف مع الأحزاب الأخرى بغية الوصول إلى السلطة، لذلك فهي مستعدة للمهادنة مع الأنظمة الاستبدادية، أو تغض النظر عن تجاوزاتها، مقابل الحصول على امتيازات أو صفقات تروجها بوصفها انجازات تستثمر في لعبة تضليل الناخبين، وإقناعهم بقدرتها على تلبية احتياجاتهم، سيما من جهة تأمين فرص العمل، وتحسين الظروف المعيشية.
من ناحية أخرى باتت فزّاعة الإرهاب الكنز الذي لا ينضب بالنسبة إلى الأنظمة الاستبدادية، فهي تضلل شعوبها عبر رفع شعارات مكافحة الإرهاب؛ والمحافظة على الاستقرار، كما جرى في كازاخستان التي اتهم رئيسها قاسم جومرت توكاييف مواطنيه المحتجين على الظروف المعيشية الصعبة، على الرغم من ثروات البلاد، بالعمالة والإرهاب، وأمر بفتح النار عليهم من دون سابق انذار. ولم يكتف بذلك، بل طلب تدخلاً روسياً تحت غطاء قوات «حفظ السلام» التابعة لـ «منظمة معاهدة الأمن الجماعي». ودخلت القوات الروسية لتسحق حركة الاحتجاج، لكن اللافت في الأمر هو إعلان الرئيس الروسي بوتين بكل وضوح بأنهم لن يقبلوا بأية ثورات ملونة، وهذا ما أصاب مصداقية الرئيس الكازاختساني في الصميم. فما أفصح عنه بوتين يؤكد أن اللعبة قد باتت على المكشوف. فروسيا اليوم تعلن بكل صراحة أنها لن تسمح للأوكرانيين باتخاذ القرارات السيادية التي تخصهم، كما أنها تهدد الجورجيين، وحتى الفنلنديين. كما تؤكد على لسان مبعوثها الرئاسي إلى سوريا ألكسندر لافرنتييف أن سلطة بشار الأسد باقية في سوريا، ويدعو «اللجنة الدستورية» الإشكالية أصلا إلى شرعنة ذلك.
هل ستدرك الأنظمة الديمقراطية في نهاية المطاف أن مصلحتها الفعلية على المدى البعيد تتمثل في دعم تطلعات الشعوب واحترامها؟ لأن ذلك لو تحقق فإنه سيؤدي إلى تجفيف منابع التطرف والإرهاب، ويضع حداً لقوافل المهاجرين، وسيحقق الأمن والاستقرار. كما أنه سيفتح الآفاق أمام علاقات اقتصادية متوازنة، أساسها المصالح المشتركة التي تستفيد منها الشعوب لا مافيات الفساد. وكل ذلك سيساهم في تعزيز فرص التعاون وتبادل الخبرات والمعارف في ميادين البحث العلمي، ومكافحة الأوبئة، ومواجهة تحديات وتبعات آفة المخدرات، والحفاظ على سلامة البيئة.
نتمنى ذلك، مع أن الوقائع والمعطيات الراهنة لا تبشّر بكل أسف.
كاتب وأكاديمي سوري
كيف ترفع الفساد، عن أي صفقة تجارية، في أجواء سوق العولمة؟! هو أول ما خطر لي عند قراءة ما نشره، من له خبرة عملية بعد أن جلس على كرسي له علاقة بالإدارة والحوكمة، للمعارضة في سوريا، الأكاديمي الكوردي/الكُردي (عبدالباسط سيدا)، وسطره في مقال بعنوان (تطلعات الشعوب بين تراجع الديمقراطية وشراسة الاستبداد) ونشرته جريدة القدس العربي، البريطانية، في بداية عام 2022، والأهم هو لماذا، وما دليلي على ذلك؟!
هل احتكار أي علم في إنتاج أي مُنتَج جائز؟!
هل الربح من إنتاج أي مُنتَج جائز؟!
لماذا المنافسة بلا أي واسطة أو محسوبية أو شفاعة، هي أفضل ضمان ليكون سعر في أي سوق، يتحكم فيه عملية العرض والطلب، وليس يتحكم فيه موضوع الاحتكار؟!
نحن في حاجة إلى دولة من خلال إدارة وحوكمة وتنظيم التعامل بين فلان أو علان داخل أي سوق، بلا واسطة أو محسوبية أو شفاعة، لتحقيق العدالة،
ولسنا في حاجة إلى دولة استعباد فلان وعلان من أجل تحصيل الضرائب والرسوم والجمارك، لدفع الخُمس كمصاريف (آل البيت) لتحقيق مصالح شعب الرّب المُختار من الشفاعة المحسوبية أو الواسطة/الرشوة، أليس كذلك؟!
نحن عرضنا على الدولة في العراق بداية عام 2022، لتحويلها إلى سوق صالح (الحلال)، لتنفيذ مشروع صالح التايواني، لتكوين جيل يستطيع منافسة الروبوت الآلة، في أداء أي وظيفة/مناقصة، لتحقيق إيرادات أفضل للجميع الإنسان والأسرة والشركة المنتجة للمنتجات الإنسانية وبالتالي الدولة،
في البداية بدورة لمدة أسبوع في تايوان، خمس أيام عمل، لكل من له سلطة القرار، بداية من أصغر مدير إلى رئيس الجمهورية، ليستوعب لماذا أتمتة تايوان، أفضل من أتمتة الصين، التي بسببها حصل ما حصل في هونغ كونغ يوم 1/7/2019، لأن الآلة (الروبوت) بلا قلب أو مشاعر إنسانية في إدارة وحوكمة أي شيء، كما حصل في تنفيذ مبادرة الحزام والطرق عند إدارة وحوكمة أي دولة، بداية من عمود الكهرباء، في الوصول إلى طرق الحرير (سوق العولمة بعد 2008) حسب النموذج الصيني.??
??????
أدام الله قلمك
دمت موفقا
شكرًا أخي عبد الباسط سيدا. في الحقيقة تحليل دقيق وسليم لكن بما يخص الحل المقترح للديمقراطيات المتقدمة أو الأنظمة الديمقراطية فهذا هو الحل العقلاني لكن منا نعرف حتى السياسات الديمقراطية الغربية لاتعمل بهذه الطريقة. لب المشكلة بالأساس هو أن الأنظمة تعمل على أنها تصارع أنظمة، والشعوب التي تسعى الحرية والتحرر والديمقراطية لاتأتي في حسابات الأنظمة الديمقراطية. وتهتم بذلك في إطار توظيفها اعلاميًا لاغير، حتى لو أنها ضحية أنظمتها الدكتاتورية الإستبدادية.