في ظل غياب أهداف جديدة، بقي النقب هدفاً نهائياً يجذب مدمني الاحتلال. لقد انقضت أيام الاحتلال الكبيرة في مصر وسوريا والأردن، وهكذا بما يشبه بالجمل المجتر، فإنهم يحتلون ما سبق لهم احتلاله مرة أخرى. وإذا نفدت الأهداف العربية فاستعدوا لدبابات تتجول في شوارع تل أبيب.
كل وديان التحريض تصب في النقب في هذه الأثناء. المدفعية الثقيلة لوسائل الإعلام مهدت الرأي العام للاحتلال القادم. العناوين صرخت بغضب “أين ذهب الحكم؟”. من يسمع صرخات الاستنجاد هذه سيفكر بأن سكان النقب سيعلنون الاستقلال قريباً، بقي أن نستدعي رساماً يرسم العلم وشاعراً يكتب النشيد وموسيقيّاً يلحنه. هكذا، ليفرح العرب في النقب، قامت لهم دولة.
لسذاجتي، اعتقدت أن الدولة تعني قبل أي شيء ضمان مصدر الرزق والسكن والتعليم والتربية وشوارع ومياه وكهرباء. ولكن عندما يدور الحديث عن فلسطينيين فإن لزعماء الدولة تفسيراً آخر، وهو هدم البيوت وتخريب الحقول ومصادرة الأراضي. باختصار، اقتلاع. لليهود حكم خمس نجوم، وللعرب حكم أبرتهايد.
أجل، لن ينام ولن يهدأ حارس إسرائيل. لعب رئيس الحكومة نفتالي بينيت، دور نابليون بونابارت؛ والأخير نظر إلى أسوار مدينة عكا من أسفل إلى أعلى، وبينيت نظر إلى مدينة رهط من أعلى إلى أسفل. كلاهما أراد استسلاماً كاملاً، وكان بينيت مدهشاً عندما التقط صورة مع مسدس، وليفهم الأمر بصورة صحيحة أعلن: “ننتقل من الدفاع إلى الهجوم”.
بعد بضعة أيام على عهد بونابارت، توجهت طوابير طويلة من سيارات الشرطة وحرس الحدود لاحتلال النقب. كانت الرسالة حادة وتصم الآذان: كل ذرة رمل في النقب يهودية فخورة، ولن يسمح لقدم الأغيار وطأها، حتى لو عاش آباؤهم لأجيال هناك.
على هذه القطعة من الأرض حظينا بمشاهدة صورتين متناقضتين في المضمون؛ ظهر في الأولى أبناء الصحراء وهم يحتجون ضد اقتلاعهم، وفي الثانية شخصيات محظية تغرس الأشجار. لاحظ ذوو النظرة الحادة أن علامات حياة نابضة تظهر في الصورة الأولى رغم الهجوم الوحشي على السكان العرب: أطفال وطفلات، فتيان وفتيات، بالغون وبالغات يعملون ما اعتاد أبناء شعبهم عمله منذ سنوات كثيرة، وهو النضال لتجاوز الشر. أما بخصوص الصورة الثانية، فيبدو المشهد باهتاً، والسرور مصطنعاً. جاء الضيوف للحظة، التقطوا الصور في مشهد وطني مضحك وعادوا. من حسن الحظ أن 15 شباط يأتي في كانون الثاني، ولو كان في تموز فمن شبه المؤكد أنه لم يكن أحد ليأتي – لم يكن أحد ليصمد أمام حرارة الصحراء. وبعد الاحتفالات والصور والتصريحات، لم يبق مع أمنا الأرض سوى نساء النقب ورجاله.
في 1953 ذهب دافيد بن غوريون ليسكن في النقب. كان يأمل أن تلحقه جماهير من المواطنين، اليهود بالطبع. ولكن الواقع أقوى من الأحلام، وبقيت الجماهير في الوسط. استمرت الجهود. حتى لو كانوا يسكنون في بوسطن، اقترحوا على اليهود “مزارع منعزلة” في الصحراء، كل واحدة تضم آلاف الدونمات، وما عليكم سوى القدوم، ولكنهم لم يأتوا. وللتوضيح، لا يسكن عرب النقب إلا على 3 في المئة من أراضيه، رغم ضباب الديماغوجيا الكثيف. المؤسسة، من كثرة جشعها، نسيت الـ 97 في المئة، وتحسد الـ 3 في المئة. هكذا، ليس أمام العرب ما يساهمون فيه سوى الانتحار من أجل الحفاظ على الطابع اليهودي للنقب.
قالت نعومي شيمر، إن “أرض إسرائيل الفارغة من اليهود هي بالنسبة لي قفراء وفارغة”. المؤسسة تسير على ذراعيها في طريق الشاعرة الظلامية، هناك من يرون فيها الشاعرة الوطنية، شاعرة بنكهة الأبرتهايد.
بقلم: عودة بشارات
هآرتس 17/1/2022
3٪ عصية عليكم يا ابرتهايد الصهيونية البغيضة