دعوة إلى وليمة الدموع

لأنه يوم ثقيل، مثل حيوان جريح يجر مواويل أنينه.

لأن قلبك طاعن في يتمه وبراءته، هطلت ركلات الحياة من كل جهات ليلة البارحة، وسحل العمر أشلاء هذا اليوم المسروق منك، فوق تضاريس وجهك الذابلة، وفاتك رفيف أعياد، تواسي القلب اليتيم، وأنت تتابع تلك السيدة في خشوع، تفتقده صلواتك.

تترنح الدموع كذبيحة في صبيحة يوم ثقيل الأنفاس، وأنت تكتشف – على غير العادة- أن صديقتك البرازيلية، التي صارحتك من قبل، بأنها لم تعد تحبك، كما كانت. كأنما آثرت أن تزهد في حب، وأدته توسلات متكررة لا تنتهي، وأنت تكتب كلمة  : Porfavor واثقا من الدموع التي لن تخذلك.

لأنك لا تحب كرة القدم، لن تشجع الفريق الوطني مساء، لهذا لن تهتف مبتهجا مثل مراهق غافل الخلاء، الذي طوق المدينة، ليسرق لحظات الحب في زقاق خلفي مهجور… لن تهتف سوى للخسارات التالية، والانكسارات المتتالية. لأن صديقاتها نجحن في حفر خندق في المسافة الفاصلة بينك وبينها، كما يليق بعواذل، رفضن أن توزع قلبك عليهن بالتساوي.. لأنك الوحيد الذي حكم عليه أن يبقى بعيدا عن مأدبة جمالها، لن تسمح لقلبك أن يذرف غيمة توسلاته.. لأنك اكتشفت أنك لن تستطيع أن تواصل أكاذيبك، تزهد في صداقتك نساء بعيدات، لا تثقن في هذه الصداقة المريبة.. لأن هذا اليوم ممل في كل تفاصيله، يشبه يوم حداد عالمي، غير معترف به.. لن تكتب عن ركلات الحياة، جيوبك المثقوبة، خذلان ما يشبه الأصدقاء.. ستكتفي بأن تكتب عن تلك اللحظة، التي بدأت فيها الدموع بالترنح، مثل سكير طرد من حانة الهزيع الأخير، لأن صديقتك، انتظرتك كل هذه الشهور.

 هذه المرة، لن تكتب لها في رسالة قصيرة  (SMS) Porfavor لكي تعيد فتح باب صداقة عمرها ست سنوات. لم تسألها عن أحوالها، لم تكتب لها أنك اشتقت إليها، لأن كلمة te amo  صارت مبتذلة، مثل امرأة رصيف، بالية كأسمال عمرك، وبدورها اكتفت بكلمة ترحيب مستهلكة: oi. لن تنشغل بكتابة كلمة شكر، كما يليق برجل يتهمه الماخور الأزرق – دائما-  بالتحريض على الكراهية، لأنه في حالة غضب، يصف العالم أو الوجود بأنه غير سوي.

لهذا لن يتذوق لهفة امرأة تزغرد الشهوة في عينيها، سيكتفي بأن يجالس، تحت سماء أخرى، غجرية تجعل الدموع تتطاير كالأشلاء، كلما بزغت ابتسامتها.

في تلك اللحظة، سينسى امرأة مزهوة بفتنها، طال انتظاره لها، فتخيل الرصيف يشاطره البكاء، بعدما قدس ذكرى وقفة الفرس على ضفة ذلك الرصيف، كأنما توقفت برهة لكي تلملم بقايا قلبه. من أجل تلك النظرة الخفية، التي ترشوه بها خلسة، وهي تتهادى كفرس عربية بربرية، سينشغل باحتواء أعراس سرمدية تفوح من نظرة، لا تدوم سوى ثانية..

قبل أن تختفي، صلب على الرصيف ذكرى وقفتها المترددة قبالته، بصحبة ابنتها، وهو يلعن في سره الأوغاد، الذين  يتسللون إلى المشهد في التوقيت الخاطئ دائما، كما كان يحدث – من قبل- مع صديقته البعيدة، وكانت تتهمه بأنه يتهرب منها.. بأنه لم يعد يحبها، كما كان. ولأنه “عشاق ملال”، كما قال مجذوب، وهو يشهر إصبعه في وجهه، كأنما يتهجى به بعض سطور قلبه في زمن مقبل، وكان الفتى يرتقي الدرجة الأخير ة من سلم الطفولة، لن يهمه إن كان ذلك الطبيب النفساني البرازيلي قد نجح في سل شوكة حبه من قلبها، سوف يشغل فؤاده بأن يستعيد نظرة امرأة مترددة، امرأة تشبه الفرس، تتظاهر بأنها تريد شيئا ما ولا تتذكره في تلك اللحظة، وبمثل تلك النظرة سيتلصص على المأدبة. سيتظاهر بأنه فاته بزوغ ابتسامتها، كما يجدر بعاشق مخذول، يسهر لليلة الثانية على التوالي، وهو يحتسي أنغام أغنية شعبية تحرض الدم على تلك الوثبة.. سيكتفي بأن يدعو كل أحزانه وخيباته العاطفية إلى وليمة الدموع، دون أن يستثني أحدا، وسيعتذر لكل النساء، لأن قلبه طاعن في اليتم.

كاتب مغربي

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إشترك في قائمتنا البريدية