بعد مرور نحو أربعة وسبعين عاماً على ارتكابها؛ اعترفت دولة الاحتلال الإسرائيلي أخيرا بارتكاب مجزرة مروعة بأهالي قرية الطنطورة في قضاء مدينة حيفا عروس الساحل الفلسطيني . حيث ذكرت صحيفة “هآرتس” العبرية قبل عدة ايام أنّه جرى تحديد مكان قبر جماعي لضحايا قرية الطنطورة، والذين أُعدِموا أثناء أحداث “النكبة”، ويقع حالياً عند “شاطئ دور” بمدينة قيسارية في قضاء حيفا.
الفيلم الوثائقي
فيما يقص فيلم وثائقي إسرائيلي بعنوان “الطنطورة” أحداث المجزرة بشهادات جنود إسرائيليين شاركوا فيها. وكان كتاب وباحثون فلسطينيون وثقوا شهادات لذوي الضحايا ، وفي مقدمتهم الكاتب مصطفى الولي، في كتابه “شرك الدم” الطنطورة معركة ومجزرة الصادر قبل عقدين من الزمن.
روايتان
من فمه أدينه. بعد إخفاء ممنهج من قبل الحكومات الإسرائيلية المتعاقبة لملف المجازر الصهيونية – الإسرائيلية المرتكبة بحق الشعب الفلسطيني؛ أشارت صحيفة هآرتس الإسرائيلية قبل أيام إلى حدوث عمليات “قتل جماعي لأهالي قرية الطنطورة في قضاء حيفا عام 1948 طال أكثر من 230 فلسطينيا. وقالت الصحيفة الإسرائيلية “إن فيلماً وثائقياً للمخرج ألون شوارتز، بعنوان “الطنطورة” سيُعرض قريباً عبر الإنترنت، ويتضمن شهادات جنود إسرائيليين وهم في العقد التاسع من العمر؛ شاركوا في المجزرة.
وحسب الصحيفة فقد جرى دفن نحو 200 فلسطيني، بعد إعدامهم في قبر جماعي يقع حالياً تحت ساحة انتظار سيارات “شاطئ دور”. الأمر الذي يؤكد لأول مرة اعترافا إسرائيليا واضحا، أن العصابات الصهيونية؛ قد ارتكبت مجازر فظيعة بحق الفلسطينيين، وتالياً مسؤولية دولة الاحتلال عن كافة المجازر التي يجب استحضارها وتعميم تفاصيلها؛ وصولا إلى محاكمة إسرائيل وقادتها وسوقهم إلى المحاكم الدولية لنيل عقابهم.
واللافت أن صحيفة هآرتس قد أشارت إلى أنّ الضجة حول حقيقة ما جرى في قرية الطنطورة، بدأت قبل 22 عاماً، في أعقاب أطروحة ماجستير كتبها طالب دراسات عليا إسرائيلي هو “ثيودور كاتس”، وتضمّنت شهادات حول الفظائع التي ارتكبها لواء “الإسكندروني” (الهاغاناه) ضد أسرى الحرب العرب؛ لكن الطالب كاتس، صاحب الأطروحة تراجع عن روايته بعد أن رفع جنود سابقون في “الهاغاناه” دعوى تشهير ضده.
شرك الدم
وكان مؤرخون وكتاب وباحثون فلسطينيون قد وثّقوا مجزرة الطنطورة التي وقعت خلال ليلة 22-23 أيار/مايو 1948. وقبل ذلك كان المربي المدرس يحيى أبوماضي “ابوماجد”مواليد قرية الطنطورة 1922 ؛ يستحضر خلال تدريسه في عقد السبعينيات من القرن الماضي في مدرسة الكرمل وسط مخيم اليرموك ، يستحضر مشهد التعذيب والقتل من قبل العصابات لأهالي الطنطورة ، وكنت احد طلابه انذاك ؛ حيث أكد كشاهد عيان أن العصابات الصهيونية كانت تجبر أهالي الشهداء بحفر القبور ودفن ذويهم . ومن الكتاب الذين وثقوا شهادات لذوي الضحايا في مجزرة الطنطورة ، الكاتب مصطفى الولي ؛ في كتابه “شرك الدم” الطنطورة معركة ومجزرة؛ حيث قابل ووثق قبل عقدين من الزمن لعدد كبير من أهالي قرية الطنطورة المقيمين في سوريا، والذين كانوا شهود عيان على المجزرة التي ارتكبتها العصابات الصهيونية بأهالي قريتهم؛ حيث تصلح تلك الشهادات لمقاضاة دولة الاحتلال الإسرائيلي ومجرمي الحرب الصهاينة ونيل العقوبات بحقهم ؛ خاصة بعد اعتراف جنود إسرائيليين أخيراً بمشاركتهم في الفتك والتقتيل وارتكاب المجزرة المروعة بأهالي قرية الطنطورة في قضاء حيفا في أيار/ مايو 1948.
تقع قرية الطنطورة الي الجنوب من مدينة حيفا، وتبعد عنها 24 كم وترتفع 5 مساحة أراضيها 14520 دونما وتحيط بها قرى كفرلام والفريديس وعين غزال وجسر الزرقاء وكبارة.
قدر عدد سكانها سنة 1929 حوالي 750 نسمة وفي عام 1945 حوالي 1490 نسمة. قامت المنظمات الصهيونية المسلحة بهدم القرية وتشريد أهلها البالغ عددهم عام 1948 حوالي 1728 نسمة وكان ذلك في 23 -5-1948، وعلي أنقاضها أقيمت مستعمرة نحشوليم عام 1948 ومستعمرة دور عام 1949. كغيرهم من الفلسطينيين الذين هجروا بقوة المجازر ، توزع أهالي الطنطورة، اتجه وإلى الدول العربية ، لكن القسم الأكبر يقطن في سوريا، وبالتحديد في مخيم اليرموك ومنطقة القابون شرق العاصمة دمشق ، وكذلك في مخيم الرمل قرب مدينة اللاذقية على الساحل السوري.
المجازر والترانسفير
بعد اعتراف إسرائيل بارتكاب مجزرة الطنطورة من خلال شهود عيان من العصابات والجيش الإسرائيلي لابد من اطلالة سريعة على المجازر الإسرائيلية بحق الشعب الفلسطيني ؛ حيث ارتكبت العصابات الصهيونية كما أثناء فترة الانتداب البريطاني 12 مجزرة ، في حين ارتكبت 13 مجزرة بعدها، ضد الشعب الفلسطيني الأعزل ، ويمكن ان يرتفع عدد المجازر في حال البحث الجدي والتمحيص .
وقد تابعت هذه العصابات مجازرها وتدمير المنازل، والضغط على الفلسطينيين في القرى والمدن الفلسطينية كافة، خصوصاً خلال الفترة من كانون الثاني/ يناير 1948 وحتى أيار/ مايو من العام ذاته، وكان الهجوم يتم من ثلاث جهات، في حين تترك الجهة الرابعة كمنفذ وحيد لهرب الفلسطينيين الناجين من المجازر، حاملين معهم أخبار ما حدث إلى القرى القريبة، حتى ينتشر الرعب في قلوب الأهالي. وتوجت المجازر الصهيونية بقتل الوسيط الدولي السويدي الكونت برنادوت في القدس، في 18 أيلول/ سبتمبر 1948، على يد العصابات الصهيونية، وكان من بين عناصرها رئيس الوزراء الأسبق إسحاق شامير، بعدما حمّل الوسيط الدولي في تقريره إلى الجمعية العامة للأمم المتحدة؛ إسرائيل مسؤولية بروز قضية اللاجئين، وأكد أن أي تسوية لا يمكن أن تنجح من دون عودتهم إلى ديارهم. وبناءً على تقريره، صوتت الجمعية العامة على القرار 194 بتاريخ 11 كانون الأول/ ديسمبر 1948.
وبشكل عام، أدت المجازر الصهيونية فيما بعد إلى التهجير القسري لأكثر من ستين في المائة من الشعب الفلسطيني ، خلال عامي 1948 و1949. فقد كان سبب تهجير 25 في المائة من سكان نحو 532 قرية عربية المجازر التي ارتكبتها العصابات الصهيونية ، في حين هُجّرَ 55 في المائة من سكان تلك القرى (التي دمر منها 400 قرية) بعد هجوم عسكري عليها، كما هُجّرَ 10 في المائة من سكان القرى العرب تحت وطأة الخوف من هجوم عسكري قادم. أي أنه تمّ طرد 90 في المائة من المهجرين الفلسطينيين خارج وطنهم الوحيد، فلسطين، تحت الضغط العسكري، في حين هُجّرَ تحت وطأة الحرب النفسية ؛ 10 في المائة.
تقتضي الضرورة بعد اعتراف إسرائيل بمجزرة الطنطورة ؛ تدويل قضية المجازر التي ارتكبتها دولة الاحتلال ضد الشعب الفلسطيني وغيره من الشعوب العربية وسوق مجرمي الحرب الصهاينة إلى العدالة الدولية لينالوا عقابهم، وقد يعزز هذا التوجه عضوية فلسطين في العديد من المنظمات الدولية، وفي المقدمة منها المحكمة الجنائية في لاهاي .
كاتب فلسطيني