بغداد ـ «القدس العربي»: بينما تفتعل أحزاب السلطة أزمات سياسية وأمنية لإشغال العراقيين بقضية تشكيل الحكومة المقبلة، تقود حكومتا بغداد وطهران مساعي حثيثة ومتسارعة، لإكمال مشروع مد خط سكك حديدية بين البلدين، تزامنا مع مساعي مد خطوط سكك بين العراق وسوريا، وسط اعتراضات وتحذيرات واسعة من أضرار ومخاطر يتكبدها الاقتصاد العراقي لصالح دول أخرى.
فقد أفرزت الزيارة الأخيرة لوزير النقل الإيراني رستم قاسمي إلى بغداد، اتفاقا بين حكومتي طهران وبغداد على مشروع إنشاء مشروع سكك حديد وجسر مشترك بين العراق وإيران.
وتشير المعلومات الأولية، أن المراد ان يتمخض هذا المشروع عن مد خط سكك حديد بين مدينتي الشلامجة الإيرانية والبصرة جنوب العراق، مع جسر يربط البلدين علی شط العرب بمشاركة شركات عراقية إيرانية. وأحالت الحكومة الإيرانية، المشروع إلى مؤسسة السكك الحديدية لدراسة قيمة الاستثمار المشترك مع العراق، بالاعتماد على محضر اجتماع مشترك عُقد في بغداد بين وزارتي النقل في البلدين الشهر الماضي.
ولتوضيح أهمية المشروع لإيران، أكد وزير الطرق رستم قاسمي أن مشروع الربط السككي بين إيران والعراق سيبدأ العمل به قريبا لانه يكتسب الأهمية لكليهما معا، حسب ادعاءه. وأشار قاسمي، في تصريح تلفزيوني من بغداد، إلى أهمية مشروع الربط السككي بين شلامجة الإيرانية إلى البصرة العراقية، مبينا ان إيران والعراق اتفقا على بدء تنفيذ المشروع في غضون الشهرين المقبلين، وأن «الاتفاقية التي تم إبرامها حددت شهرا واحدا لبدء العمليات الانشائية تحت إشراف شركة السكك الحديد الإيرانية ونظيرتها العراقية».
وأشار إلى أن «الجانبين سيطلقان شركة موحدة لتنفيذ المشروع الذي يستهدف نقل الركاب والأنشطة التجارية» مؤكداً «أهمية الاجتماع الذي عقد مع رئيس الوزراء العراقي مصطفى الكاظمي الذي أبدى دعمه للمشروع وإلى إبرام اتفاقية الربط السككي بين شلامجة الواقعة جنوب البصرة».
وأوضح قاسمي ان طول الخط السككي يبلغ 32 كيلومترا وما يكتسب الأهمية تشييد جسر لربط البلدين والذي سيبدأ المختصون بدراسة تنفيذه، منوها إلى ان المختصين الإيرانيين سيتم إيفادهم إلى العراق في غضون الأيام المقبلة لتطهير مسار الخط السككي من الألغام وعلى الجانب العراقي تمهيد المسار في غضون 6 أشهر، متوقعا إنجاز المشروع في غضون عامين. وكشف الوزير الإيراني ان «هذا الخط السككي سيسهل من تصدير السلع الإيرانية إلى العراق كما انه سيمتد إلى سواحل البحر المتوسط مستقبلا».
تركيز إيراني
وفي ظل الآثار الثقيلة للعقوبات الدولية على إيران، ومن أجل زيادة نفوذ طهران على الأنظمة الحليفة لها، فإن إقامة مشاريع مشتركة معها كان أحد السبل لتحقيق أهدافها، ومنها مشروع الربط السككي مع العراق وسوريا، أي بلدان الهلال الشيعي.
وكان الرئيس الإيراني السابق حسن روحاني، أعلن عزم بلاده تنفيذ مشروع سكة الحديد، عبر ربط شبكة سكك الحديد بين مدينتي شلامجة في إيران والبصرة في العراق، واصفا المشروع بـ «مهم للغاية». وكشف أنّ «المشروع سيربط إيران بالعراق وسوريا ومنطقة البحر الأبيض المتوسط التي تحظى بأهمية بالغة، وسيساهم في تحقيق تغيير كبير في المنطقة».
وخرجت فكرة سكة الحديد الإيرانية للمرة الأولى في أواخر عام 2016 على لسان مساعد المرشد الإيراني للشؤون العسكرية، يحيى صفوي، مما يؤكد ان إنشاءها له أبعاد اقتصادية وعسكرية، حيث أكد حينها ضرورة إنشاء سكك حديد تربط إيران بالعراق وسوريا للوصول إلى ميناء اللاذقية.
وخلال اجتماع ثلاثي بين مسؤولي خطوط السكك الحديد في العراق وسوريا في العاصمة طهران في عام 2019 أعلنت إيران رسميا البدء بتنفيذ مشروع ربط ميناء «الخميني» الواقع على الجانب الإيراني من مياه الخليج بميناء اللاذقية السوري، عبر شبكة سكك حديد تمر من الأراضي العراقية.
وقتها، كشف المدير العام لشركة سكك الحديد الإيرانية سعيد رسولي، «أن إيران بدأت بتنفيذ المرحلة الأولى من مشروع ربط ميناء الخميني بمدينة خرمشهر جنوب غربي البلاد من خلال خطوط حديدية، على أساس أن يتم اتصاله بخطوط مدينة شلامجة الإيرانية ـ البصرة». وأضاف رسولي أنه بعد اكتمال المشروع، سيُربط الجانب الإيراني من الخليج بميناء اللاذقية السوري بخطوط حديدية عبر البصرة العراقية، واصفاً المشروع بأنه «استراتيجي والأهم من بقية خطوط النقل البرية».
ويذكر ان أمين سر مجلس تشخيص مصلحة النظام الجنرال محسن رضائي، قال إن «إيران تتحكم بـ 500 مليون شخص في 25 دولة من خلال التجارة». ويعد رضائي، وهو قائد سابق في الحرس الثوري، صاحب نظرية بناء مشروع إيراني باسم «الحزام الذهبي الإيراني» للسيطرة الكاملة على منطقة الشرق الأوسط والتأثير على القوى العالمية، يمتد من أفغانستان مروراً بالعراق وسوريا حتى البحر المتوسط، موضحاً أنه «إذا كانت هناك قوة إقليمية تسيطر على هذا الحزام فسيكون بإمكانها الإشراف وإدارة شؤون المنطقة بأكمله».
أما في الجانب العراقي، فإن حكومة مصطفى الكاظمي، وافقت في نيسان/ابريل 2021 على إنشاء خط سكة حديد بين البصرة والشلامجة، فيما قال مدير عام الشركة العامة للسكك الحديد العراقية، طالب جواد الحسيني في تصريح «إن العراق متواصل مع الجانب الإيراني فيما يتعلق بالأمور الفنية للربط السككي منذ سنوات» مبينا أن «خط بصرة شلامجة يبلغ طوله 32 كيلومترا من الحدود العراقية الإيرانية إلى البصرة». وان النقاشات الجدية ستبدأ لتنفيذ مشروع سكة حديد بصرة- شلامجة. وأشار إلى أن «الوزارة ماضية بالجوانب الفنية والمهنية بشكل متقدم وبانتظار القرارات السيادية باعتباره خطا دوليا».
الانتقادات للمشروع
ورغم تكتم حكومة بغداد على المشروع وتغاضيها عن نتائجه السلبية على الاقتصاد العراقي، فإنه وبمجرد الإعلان الإيراني عنه، قوبل بانتقادات اقتصادية وسياسية شديدة من الخبراء والمطلعين، لعدة أسباب منها انه سيلحق الضرر بموقع العراق ضمن مشروع طريق الحرير الممتد من الصين عبر العراق نحو أوروبا، كما ستكون له نتائج سلبية على مشروع ميناء الفاو الذي يجري انشاؤه حاليا، إضافة إلى خسارة آلاف الوظائف للعراقيين.
وقد كشف وزير النقل الأسبق عامر عبد الجبار، عن وجود أجندة داخلية وخارجية لعرقلة مشروع ميناء الفاو الكبير، مشددا ان إيران «تستقتل على الربط السككي، لأنها المستفيد الأول منه» مشيرا إلى وجود امكانية للعراق لمساومة إيران بين الربط السككي وتجاوزها على شط العرب. وأبدى عبد الجبار استغرابه لأن كل الطلبات الإيرانية والمشاريع التي تخدمها في العراق تمررها حكومة بغداد بكل سهولة (بجرة قلم) حسب قوله. وانتقد في أحاديث تلفزيونية، مسألة الربط السككي بين العراق والكويت أو إيران، وقال، إن «الربط السككي يضر بالعراق، حيث سيجعل السفن تتوجه لموانئ الكويت وإيران».
وفيما أكدت مصادر مطلعة ان تكاليف مد السكك الحديدية سيتحملها العراق لوحده بحجة ان نصيب إيران من تكاليف المشروع ستسدد من ديون إيران على العراق، فإن المشروع سيؤدي إلى إضعاف مشروع ميناء الفاو الكبير جنوب محافظة البصرة، ويعد ضربة لمشروع سكة الحديد من الفاو وصولاً إلى تركيا ومنها إلى أوروبا، والذي سيستفيد منه العراق بالدرجة الأولى على عكس مشروع الربط السككي بين شلامجة الإيرانية وصولاً إلى ميناء اللاذقية مرورا بالعراق، الذي سيفيد إيران بالدرجة الأولى.
ورغم الاعتراضات، إلا ان المطلعين على الأوضاع في العراق يشيرون إلى ان أتباع وحلفاء إيران من الأحزاب والفصائل والشخصيات، في البرلمان والحكومة، يعملون كل ما بوسعهم من أجل دعم إيران وتخفيف آثار العقوبات الاقتصادية الدولية عليها، حتى وان كان ذلك على حساب مصلحة العراق.
وفي السياق ذاته، بحث وزير النقل ناصر حسين الشبلي، مع السفير السوري لدى العراق صطام جدعان، الربط السككي وموضوع الترانزيت وتطوير واقع النقل البحري بين البلدين.
وذكر بيان لوزارة النقل، «ان الشبلي، استقبل سفير الجمهورية السورية في العراق صطام جدعان الدندح في ديوان الوزارة، وتم خلال اللقاء مناقشة عدة أمور من ضمنها الربط السككي بين العراق وسوريا». كما جرت زيارات متبادلة لمسؤولي حكومتي بغداد ودمشق لبحث مد خط السكك بين الطرفين.
وكذلك أكدت منظمة التنمية التجارية الإيرانية، متابعة إطلاق خط «ترانزيت» نقل بري إلى سوريا، عبر العراق. وقال مدير الشؤون العربية والأفريقية في المنظمة، فرزاد بيلتن، إن المنظمة «تتابع إطلاق خط ترانزيت نقل بري عبر العراق إلى سوريا».
وهكذا فإن مشروع الربط السككي والبري بين العراق وإيران وسوريا ولبنان، يندرج ضمن متطلبات التحالف الشيعي الإقليمي، وهو التفاف على العقوبات الدولية على إيران، وإحدى محاولات انقاذ الاقتصاد الإيراني المنهار. فيما يؤكد الخبراء ان إيران وسوريا والصين هي الدول المستفيدة من مشروع مد خط سكك حديدية بين إيران والعراق، مع تأكيدهم ان المشروع ستكون له آثار سلبية على الاقتصاد العراقي، وكل ذلك بسبب تأثير حلفاء إيران وأتباعها في العراق.
تحاول إسرائيل علنا …. قطع طريق الحرير الذي سينهيها تماما ويجعلها من الماضي…..ويجعل دول السرق الأوسط الإسلامية مركز تجارة العالم