“لن تقع حرب طروادة” اسم مسرحية جان جيرودو، ونأمل أن يحدث هذا لأوكرانيا؛ أي “لن تقع حرب أوكرانيا”. تبذل القيادة الأوكرانية حالياً جهوداً لتلطيف الأجواء. بينما الولايات المتحدة، وإن كان بالأقوال أكثر مما في الأفعال، ترفع التوتر. لن نشتبه إذا ما قدرنا بأن موقف إدارة بايدن الحازم ينبع من رغبة في ترميم مكانة الولايات المتحدة والرئيس بعد صورة الهزيمة التي أعقبت الانسحاب من أفغانستان، ولكنه أمر لا ينتهي هنا، وأوكرانيا ليست الموضوع إذ إن واضعي السياسة في واشنطن متنبهون بأن ما هو على جدول الأعمال ليس صراعاً محلياً بين روسيا وأوكرانيا، بل صدام واسع على نظام عالمي جديد؛ من جهة تقف أمريكا وحلفاؤها (ليسوا جميعاً بحماسة زائدة)، ومن الجهة الأخرى الصين وروسيا بل وإيران، الذين يعتقدون بأن هدف واشنطن هو إسقاط أنظمتهم والاستعانة بذلك بلاعب فرعي كأوكرانيا.
لكن إذا كان الدافع الأصلي للصين وروسيا وقائياً فإنهما حدّدا لأنفسهما أهدافاً بعيدة المدى أكثر؛ أي ضعضعة مكانة أمريكا كقوة عظمى وتغيير أنظمة العالم في كل المجالات: العسكرية والجغرافية والسياسية والاقتصادية، والتي تحكمت بها منذ الحرب العالمية الثانية. وتتغذى طموحاتهم أيضاً مما يرونه كضعف داخلي لأمريكا. أحداث 6 كانون الثاني 2021 في تلة الكابيتول أضافت مفعولاً لهذا المفهوم. فهدف روسيا الأول هو تثبيت هيمنتها في المناطق المجاورة لحدودها، لكن الهدف على المدى البعيد هو طرد الولايات المتحدة والناتو وإخراج كل السلاح النووي الأمريكي من أوروبا (ثمة هدف مشابه بالنسبة للشرق الأوسط، وأمريكا نفسها ساعدت روسيا في تحقيق مبتغاها). وهو الحكم بالنسبة للصين، أي طرد الولايات المتحدة من شرق آسيا ومنطقة المحيط الهادئ، فيما أن تايوان قد تؤدي من ناحيتها الدور الذي تؤديه أوكرانيا من ناحية روسيا. تؤشر إدارة بايدن في هذه اللحظة إلى موسكو بأن خطوة هجومية تجاه أوكرانيا قد تصطدم برد فعل غير متوازن من جانب أمريكا، ولكن ينبغي الانتظار لرؤية إذا كان الرئيس بوتين سيتأثر بهذا التهديد. ثمة مفهوم في نظرية الألعاب “لعبة الدجاجة” التي يصر فيها كل طرف من الطرفين على ألا يتنازل، وكلاهما يخسران جراء ذلك. وقد يكون هو الوضع أيضاً في المواجهة الحالية بشأن أوكرانيا. وربما يكون هناك حل دبلوماسي، ولكن الأمر منوط بمسألة، وهي مكانة من ستتضرر، بوتين أم بايدن. على أي حال، هذه ليست مسألة مكانة فحسب، لأن الصورة التي ستنشأ ستؤثر على جبهات أخرى، بما في ذلك تجاه إيران.
إسرائيل هي الأخرى لم تعد تجلس في مدرج المتفرجين في هذه المسرحية. في الماضي كان الموضوع بسيطاً، إذ لم تكن إسرائيل لاعبة في الساحة الدولية، وكان تأييدها للموقف الأمريكي لا لبس فيه. تماثل إسرائيل مع الولايات المتحدة واضح الآن أيضاً، لكل الأسباب المعروفة، لكن لما اتسعت مكانتها الدولية في العقود الأخيرة بلا قياس وأصبحت قوة إقليمية عظمى، فإن لكل موقف تتخذه في مواضيع دولية موضع خلاف سيكون له شارة ثمن قد تتسبب لها بضرر مباشر أو عرضي، وبخاصة إذا كانت لها مصالح وعلاقات لدى الطرفين. هذا بارز مثلاً في موضوع النزاع بين مصر وإثيوبيا، وفي موضوع اليونان وتركيا. إذا كانت هذه الأخيرة تعتزم تسخين العلاقات معنا – وبخاصة بالنسبة للصين التي هي شريك اقتصادي مهم رغم استياء واشنطن، وروسيا التي يعدّ التعاون البراغماتي معها في سوريا ذخراً أمنياً مركزياً.
بالنسبة للمسألة الأوكرانية، على أي حال، على إسرائيل أن تبدي حيادية واضحة. فهذا الوضع قد يخلق معاضل دبلوماسية حتى لو لم تكن الشراكة الاستراتيجية والقيمية الأساسية لنا مع أمريكا موضع شك، وهذه المعضلة في كل تفاصيلها هي الآن في الموضوع الإيراني.
رئيس الوزراء نفتالي بينيت أنزل على الجمهور الإسرائيلي في نهاية الأسبوع وابلاً من المقابلات الصحافية (السيد بينيت ومستشاروه نسوا -على ما يبدو- بأنه “إذا أردت الإمساك كثيراً فلن تمسك شيئاً”)، وشدد فيها جميعها على أن لإسرائيل يداً حرة تجاه إيران حتى لو وقعت أمريكا معها على اتفاق نووي جديد. هذا الموقف صحيح في أساسه، لكن كيف يستوي مع نية معلنة لحكومة التغيير بألا تخرج عن التلم الأمريكي في أي شيء.
بقلم: زلمان شوفال
معاريف 1/2/2022