صارخاً “أبرتهايد”.. ما مدى تضمين “تقرير أمنستي” نوايا خبيثة ضد إسرائيل؟

حجم الخط
3

تقرير “أمنستي” الذي نشر أمس، هو وثيقة صارخة جداً، تستهدف إجراء حساب شامل مع دولة إسرائيل على كل أخطائها تجاه الفلسطينيين من الأزل، دون التمييز بين أراضي الدولة والأراضي التي تسيطر عليها. تقريرها هذا ينسب لإسرائيل نوايا خبيثة وخطة لإقامة نظام ممأسس من الاضطهاد والسيطرة اليهودية المنهجية على الفلسطينيين. قبل البدء في تحليل ما جاء في التقرير، يتولد انطباع بأنه مشحون بالكراهية تجاه دولة إسرائيل، كدولة قامت وحصلت على الاعتراف الدولي كدولة للشعب اليهودي.

في وصفه لإقامة الدولة وطرد جماعي للفلسطينيين الذين عاشوا في إسرائيل، وتدمير قرى كثيرة لم يتم قط ذكر الحرب التي اضطرت إسرائيل إلى خوضها أمام من أرادوا القضاء عليها- ينفي التقرير فعلياً فكرة إسرائيل كدولة قومية، وكأن فكرة الدولة القومية اختراع يهودي إسرائيلي. التوصيات التي تظهر في التقرير هي دعوة غير ودية تؤدي بإسرائيل إلى إبادة وطنية. هكذا، فإن الاقتراح بالسماح للاجئين وأحفادهم بالعودة إلى بيوتهم، دون الأخذ في الحسبان العداء المتأصل تجاه الدولة، والسماح بحرية الحركة بين إسرائيل ومناطق الضفة الغربية وقطاع غزة والتصرف في الضفة كأنها منطقة صديقة لإسرائيل.

لائحة الاتهام الشديدة الموجودة في التقرير مبنية على منهجية لا أساس لها، تم اختيارها كما يبدو لتلوين الصورة بالأسود. وحسب مقاربة التقرير، لا يوجد تمييز حقيقي بين إسرائيل في الحدود التي تقع تحت سيادتها، وبين المناطق الموجودة تحت سيطرتها بهذه الدرجة أو تلك، وبين الفلسطينيين مواطني إسرائيل والفلسطينيين في “المناطق” [الضفة الغربية]. من الواضح أنها مقاربة مغلوطة.

المناورة الثانية الموجودة في التقرير أنه، منذ قيام الدولة، يمكن تحميل إسرائيل الآن أيضاً المسؤولية عن الحكم العسكري الذي فرض هنا حتى العام 1956. التطرق لوضع الفلسطينيين في إسرائيل الآن وفي السنوات الأخيرة، وكأننا في العام 1948، يمكّن من رسم صورة ليس لها أي علاقة بالواقع. وحسب هذه الطريقة، فإنه يمكن أن ننسب للولايات المتحدة الآن جريمة الأبرتهايد تجاه الأمريكيين من أصل إفريقي استناداً إلى ماضي الأبرتهايد. الادعاء ضد إسرائيل حول الفصل الذي تقوم به بين أراضي الدولة وبين المناطق التي تحت سيطرتها، هو ادعاء كاذب. القانون الدولي هو الذي ينتج هذا الفصل وهذا التمييز.

من خلال دمج المجالات في التقرير، فإنه يحول نفسه إلى هدف سهل للانتقاد والمعارضة. وكما يقول المثل “إذا أردت مسك الكثير فلن تمسك شيئاً”. في أعقاب ذلك، يفوت فرصة إمكانية قول الأمور كما هي حول مشكلات صعبة وحقيقية بشأن تعامل الدولة مع الجمهور الفلسطيني الموجود فيها من ناحية الحقوق الأساسية كأفراد وجماعات، ومشكلات لا يمكن أن نرى فيها أبرتهايد.

من الجدير الانتباه في هذا السياق إلى إسهام مهم للمستشار القانوني للحكومة والمحكمة، الذي -خلافاً لأغلبية سياسية كبيرة- منع إلغاء قوائم ومرشحين عرب للكنيست. لو تغلبت السياسة لوصل تعامل الدولة مع عناصر أخرى (مثلاً، في مجال التخطيط والبناء) مع الجمهور العربي في إسرائيل، إلى درجة الأبرتهايد. في المقابل، انضمام حزب عربي للائتلاف يجعل الاتهام بالأبرتهايد أمراً مضحكاً.

التقرير يفوت أيضاً فرصة بناء ادعاء أكثر قوة، حتى لو لم يكن مقنعاً حتى النهاية، بخصوص النظام الذي تؤسسه إسرائيل في الضفة كنظام أبرتهايد. إن سبب صعوبة التوصل إلى قرار حاسم بهذا الأمر يكمن في أن المطلوب هو إبعاد كمية ونوعية مختلفة لتأسيس قمع ممنهج وسيطرة منهجية.

في المقابل، يتطرق تعريف الأبرتهايد إلى سيطرة مجموعة عرقية على مجموعة عرقية أخرى لا تنقذ إسرائيل من تهمة الأبرتهايد. مطلوب تفسير للعرق في هذا السياق، بمعنى يتضمن أيضاً القومية والأصل العرقي. تمكنت إسرائيل في السابق من الدفاع عن نفسها إزاء ادعاءات الأبرتهايد في الضفة بالذريعة الأمنية لمكافحة الإرهاب. هذا الادعاء فقد الكثير من قوته عندما تنازلت سياسة إسرائيل الرسمية عن فكرة التسوية مع الفلسطينيين وعن تمسكها المؤقت بالسيطرة عليهم إلى حين التوصل إلى اتفاق. في ظل غياب هذه المكونات، التي استبدلت بالسيطرة المنهجية على المناطق وقمع السكان وإبعادهم والتخلي عنهم ووضعهم في أيدي أشخاص يرتكبون المذابح، سيكون من الصعب الدفاع ضد الادعاء بأنه نظام فصل عنصري. لا يمكن أن يحمل الأمن على أكتافه أيديولوجية أرض إسرائيل الكاملة.

التقرير معاد ومنحاز، لكن ليس في ذلك ما من شأنه أن ينفي الحقيقة عن كثير من الأقوال والبيانات الكثيرة التي يحتوي عليها. من غير الصحيح استخدام معارضة التقرير لغض النظر وتجاهل هذه الأجزاء أو محاولة إيجاد مبرر لها أو تقزيمها. ومن غير الصحيح أيضاً اعتبار منظمة العفو الدولية (أمنستي) معادية للسامية. من الجدير التساؤل كيف نشرح العداء الذي يتم التعبير عنه في التقرير.

يبدو أن لهذا تفسيرين: الأول يتعلق بانفصال إسرائيل الرسمي، بكل منظوماتها وضمن ذلك المنظومة القانونية، عن القانون الدولي الذي يحظر على الدولة المحتلة أن تنقل مواطنيها إلى المناطق المحتلة. وتخرق إسرائيل القانون الدولي في هذا السياق وتستخف به بشكل علني. هذا السلوك يخلق العداء تجاه إسرائيل في أوساط أتباع القانون الدولي.

التفسير الثاني هو سلسلة طويلة من أفعال الدولة، التي ينظر إليها في العالم على أنها أعمال قومية متطرفة وضارة وتحد للمجتمع الدولي، بالتحديد في الجزء الذي يتعاطف مع إسرائيل. لن أذكرها هنا جميعها، لكن قانون الأساس: القومية هو المثال البارز على التبول من فوق خشبة القفز. هكذا أيضاً التشريع الذي يمنع زوجين فلسطينيين من التوطن في إسرائيل، والسيطرة اليهودية على بيوت في شرقي القدس، وتنكر شخصيات إسرائيلية رفيعة، من بينها بنيامين نتنياهو، من أن إسرائيل دولة كل مواطنيها (الذي يستخدم كشعار لتقرير “أمنستي”)، والعجز الواضح إزاء المس بالعرب، الذي يشكل تشجيعا للمشاغبين.

من ناحية واحدة يصعب الاحتجاج ضد كُتاب التقرير، بخصوص تجاهلهم للخط الأخضر. هذا ما تفعله إسرائيل منذ سنوات، عندما يقف رؤساؤها بدون خجل أمام العالم ويعلنون بأن “أريئيل” هي إسرائيل. إذا استمرت إسرائيل في هذا الخط فستجد نفسها متهمة بالأبرتهايد بشكل متزايد.

بقلممردخاي كرمنتسر

 هآرتس 2/2/2022

كلمات مفتاحية

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

  1. يقول ميساء:

    فعلا فدويلة الاحتلال الصهيوني الاسرائيلي العنصري البغيض دويلة تستعمل الخبث والحيل الدنيئة لاستعطاف أمريكا وأوروبا وحتى بعض العرب

  2. يقول ميساء:

    امنيستي قالت أن دويلة إسرائيل لم تستجب لطلبات المنظمة وأنها لن تكن متعاونة بالمرة إذن فلتتحمل دويلة الاحتلال سوء صنيعها

  3. يقول Au WAGGAWAGGA:

    قانون القومية اليهودية التي لم توجد في كل التاريخ الإنساني قط الا عند اليهود حيث تحول الدين إلى قومية وربما سنجد غدا من يطالب بالاعتراف بقومية الملحدين مثلا أو المنحرفين على اعتبار انهم يؤمنون بنفس الشيء ولا اعرف أين سيقيمون دولتهم..ربما سيقيم لهم ايلون ماسك مستعمرة في المريخ؟حتى المسلمون الين حكموا اكثر من نصف الأرض لم يدعوا انهم قومية. قانون القومية اليهودية ينص على أن اسراءيل ليس لكل من يسكنها منذ آلاف السنين بل هي فقط لليهود. ابرتهايد…فصل عنصري.

إشترك في قائمتنا البريدية