الانتقال إلى نظام اقتصادي عربي جديد

مثل الآخرين سيحتاج العرب أن يختاروا نوع النظام الاقتصادي الذي ينسجم مع، ويقوي مكونات مشروعهم الأيديولوجي النهضوي القومي الشامل.
وكما يطرح الكثير من المجتمعات مشروع الأخذ بنظام اقتصادي اشتراكي ديمقراطي اجتماعي، بديلاً عن النظام الرأسمالي الكلاسيكي، والنيوليبرالي العولمي المهيمن حالياً، الذي تميز بالكثير من العيوب وبالأزمات الدورية المعقدة، وبديلاً عن النظام الاقتصادي الاشتراكي الماركسي، الذي فشل في تطبيقاته ونتائجه عبر سبعين سنة من تجربته في الاتحاد السوفييتي السابق، فإن العديد من المفكرين والتنظيمات العربية، بدأت هي الأخرى بالحديث عن البدائل، لتحل محل الأنظمة الاقتصادية الرأسمالية، والاشتراكية العربية، والهجينة المختلطة، التي جربتها مختلف الأقطار العربية منذ استقلالها، وإلى يومنا هذا، والتي أظهرت جميعها نواقص وإشكالات في الفكر وفي التطبيق وفي إحداث التنمية الإنسانية المستدامة.
يتبين من مراجعة أدبيات المحاولات العربية، أن التوجه هو للانتقال إلى نظام اقتصادي تحت مسمى «الاشتراكية العربية الجديدة» تجمع من جهة بعضاً من المنطلقات والتطبيقات الرأسمالية الضرورية لبناء اقتصاد إنتاجي يتميز بالكفاءة والتفاعل مع مستجدات العصر العلمية والتكنولوجية والتواصلية، ومع متطلبات الأسواق، ومع المبادرات الفردية التطويرية المبدعة، كما تجمع من جهة أخرى بعضاً من المنطلقات والتطبيقات الاشتراكية الضرورية لبناء اقتصاد يتميز بالعدالة الاجتماعية، وتوزيع الثروات العادل، ومشاركة القوى العاملة، بندية تشاركية متوازنة، أصحاب رؤوس الأموال في أنظمة ومؤسسات الحكم وفي التخطيط الاقتصادي المركزي المرن، وفي إدارة المنشآت الإنتاجية، وفي اقتسام الأرباح.
ويهدف مقترحو هذا النظام المختلط المتوازن، إلى إيجاد حلول جذرية لمشكلات الفقر، والبطالة، وتمركز الثروات والقوة المادية والمعنوية في أيادي قلة من المجتمع، وبالتالي هيمنتها على الاقتصاد والسياسة والثقافة والإعلام. كما يهدف إلى وجود دولة الرعاية الاجتماعية في حقول التعليم والصحة والإسكان والعجز والسكن. كما يهدف إلى إنهاء الصراعات الطبقية التي ميزت المسيرة التاريخية الإنسانية. إنه نظام يأخذ بعين الاعتبار الموارد الطبيعية والبشرية العربية، ويسعى إلى انتقال المجتمعات العربية من الاقتصاد الريعي إلى مستويات أعلى من التطور الاقتصادي الإنتاجي العادل، ويستفيد من أداء وقدرات سلطات الحكم ومن دينامية وإمكانيات القطاع الخاص، ويأمل من وراء ذلك في حل مشاكل مستعصية من مثل مواضيع عدالة الأجور واستقرار الأسعار، والابتعاد عن مغامرات التضخم المصطنع ومنع الانكماشات، التي تؤدي إلى البطالة وفقدان الكرامة الإنسانية والذل واليأس.

الاشتراكية الجديدة، عربية أم غير عربية، لا تقصد اقتراح نظام أبدي ليس له ما بعده، وإنما تقترح نظاما يسد حاجات المجتمعات في الحاضر والمستقبل المنظور

وتؤكد الأدبيات على أنها عندما تتحدث عن الاشتراكية الجديدة، سواء عربية أم غير عربية، فإنها لا تقصد إطلاقاً أنها تقترح نظاماً أبدياً ليس له ما بعده، وإنما تقصد نظاماً لحاجات الأفراد والمجتمعات في هذه الفترة من الزمن الحاضر والمستقبلي المنظور. إنها تطرح مشروعاً مرناً قابلاً للتطوير مستقبلاً، وذلك على ضوء التجارب والنتائج وعلى ضوء مستجدات الحضارة العلمية والتكنولوجية.
لكن في قلب كل ذلك يجب الإبقاء على مقاييس العدالة والكرامة الإنسانية والعلاقات الديمقراطية المجتمعية والأخوة الإنسانية.
كاتب بحريني

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

  1. يقول اخر الزمان:

    بعد التطبيع الخياني واتفاقات ابراهيم رح تشوفوا نظام اقتصادي ما حصلش

  2. يقول الخراز عبد المنعم/كاتب وباحث/المغرب:

    تحيةطيبة
    ان النظام الاقتصادي السائد في العالم،هو خليط من الراسمالية والاشتراكية، فالاختلاف على مستوى التطبيق في نظام التوزيع،المرتبط بشكل جدلي بالنظام السياسي حسب مؤشر ديمقراطيته.
    وقد اظهرت الجاءحة تهافت الدعوات والتطبيقات الليبرالية المنفلتة من اي التزامات، والحاجة الى تدخل الدولة المركزية للوقاية والسيطرة على الوباء.
    ونرى ان الاشكال المعقد الذي ستواجهه الامة العربية هو اشكالية قلة الموارد الطبيعية في المقابل التزايد الديمغرافي، بالاضافة الى التغيرات المناخية .
    ان اي نموذج اقتصادي لم يستحضر الاشكالين،مهما تكامل في رؤيته واهدافه سيكون مصيره الفشل والانهيار كما انهارت النماذج السابقة على غرار النموذج السوفياتي.
    تحية مرة تانية لكم دكتور ولكل القراء المحترمين ولكم واسع النظر والتأمل…

  3. يقول مروان الباسل:

    العرب قبل الاسلام لم يكن لهم اقتصاد حتى بالمهفوم التقليدي ، ومع مجيئ الاسلام عظم العرب وانتشروا في الأرض فاتحين وجابين للخراج والزكاة وتحولوا إلى أمة من أغنى أغنياء الأرض ، وقد جربوا لحد الآن بعد سقوط الخلافة ـ حتى ولو لم تكن راشدة ـ التي ختمها العثمانيون ، ولا يمكن لهذه الامة النهوض من جديد سياسيا واقتصاديا إلا بالعودة إلى الإسلام بعقيدته ومبادئه وقيمه وشريعته القائمة على تثمين كل ما هو قابل للتثمين وتحقيق المنافع والمصالح عن طريقة الجميع وللجميع !

  4. يقول عمار:

    الاشتراكية الجديدة المقترحة هل هي اقتصاد السوق الاجتماعي؟ ام اقتصاد اسلامي؟ ام اقتصاد رأسمالي تشاركي؟ ام اقتصاد مختلط بطلاء اجتماعي؟ هل نحن نختلف حول اللغة والمصطلحات فحسب بلا مضمون جوهري ؟ الامر معقد ويتطلب الدخول في التفاصيل وفي تحليل النظم الاقتصادية المقارنة وفي الممارسة العملية يعقبها مساءلة.

إشترك في قائمتنا البريدية