بعد مقتل القرشي هل ستنتقل أرض المعركة إلى أفغانستان بقيادة زعيم عراقي جديد؟

منهل باريش
حجم الخط
1

يفضل مجلس الشورى البحث عن رجل أكثر بعدا من شقيق البغدادي وهو ما يرجح فوز «والي الأنبار» بزعامة التنظيم بسبب انغماسه في القتال وباعتبار الأنبار أكثر ولايات التنظيم أهمية.

في حين ينشغل الإعلام العالمي بتغطية أخبار العملية الأمريكية شمال إدلب ضد زعيم تنظيم «الدولة الإسلامية» أبو إبراهيم القرشي، يصر إعلام التنظيم على تجاهل قضية مقتل زعيمه، عبر معرفاته الرسمية، والاحتفاء بهجمات جنوده من أفغانستان شرقا إلى الكونغو ونيجيريا غربا في قلب القارة الأفريقية، مشيرا إلى أن معركة «هدم الأسوار» بدأت في سجن الصناعة في غويران وتتواصل مع الهجوم على معسكر للجيش الكونغولي وتحرير 20 مسلماً من أحد السجون في بلدة نوبيلي قرب الحدود الأوغندية.
تفاصيل الهجوم، أصبحت أكثر وضوحا بسبب استمرار العملية لمدة ساعتين تقريبا ووجود عدة منازل قريبة من منزل القرشي وشهادات الجيران وخصوصا السيدة التي كانت تقطن في قبو البناء مع زوجها وأولادها.
يعتبر المسكن الذي اختاره القرشي مناسبا للغاية، وينم عن خبرة كبيرة في مجال التخفي والاختباء لديه ولدى مساعده، فالمنزل قريب من الحدود التركية كثيرا وبعيد عن خطوط الاشتباك مع النظام وهو شيء أساسي لا يعرض المدافع إلى التنقل والهروب بسبب عمليات القصف، ويقع على الطريق التجاري بين عفرين وإدلب تنشط فيه حركة السيارات التجارية وهو أيضا منطقة تهريب للمحروقات بين الجانبين السوريين، كذلك يقع المنزل في منطقة بساتين قليلة الجوار نسبيا وعلى مسافة تبعد نحو 800 م عن حاجز هيئة تحرير الشام في منطقة دير البلوط التابع لعفرين ويضاف إلى ذلك أنها منطقة فاصلة بين مناطق سيطرة الهيئة والجيش الوطني، ويشار إلى أن المنطقة مليئة بأشجار الزيتون وهي منطقة هضاب أيضا.
كل المواصفات المذكورة أعلاه مثالية للتخفي، في منطقة ينحشر فيها نحو مليون ونص مهجر يقيمون في بيوت عشوائية وخيام، ما يبطل مفعول السيطرة الأمنية لهيئة تحرير الشام إلى حد كبير.
من الناحية العملياتية، تحققت شروط الإنزال الجوي في العملية من حيث دقة المعلومة التي حصلت عليها الاستخبارات الأمريكية قبل ثلاثة أشهر، والرصد والمراقبة واستمرت نحو شهر كامل، يبدو أن الأقمار الاصطناعية والطائرات المسيرة نجحت بالتحقق والتقاط صورة للقرشي الذي يسكن في الطابق الأخير وهو نصف شقة لها سطح كبير مكشوف لأي مراقب من الجو. وبالتأكيد طابقت الاستخبارات الأمريكية صورة القرشي مع الصورة المعروفة له والتي تملكها هي وخلية الصقور التابعة للاستخبارات العراقية. أما عن دقة التنفيذ فقد كادت العملية أن تخفق حيث استمرت نحو ساعتين متواصلتين بسبب وجود عدد كبير من المدنيين وحالة الذعر التي حصلت لدى السيدة في القبو وأولادها، ما دفعها إلى التأخر بتسليم نفسها. إضافة إلى مقاومة القرشي وزوجته في الطابق الأخير ومساعده واسمه «مصطفى. ش. ي» وترجح مصادر «القدس العربي» انه من منطقة الباب في ريف حلب الشرقي.
أما فيما يتعلق بالرواية الأمريكية حول تفجير القرشي نفسه فتبدو ضعيفة للغاية، إذا ما ألقينا نظرة على الصور المسربة للرجل القتيل بساق يمنى اصطناعية، فهي جثة متكاملة تعرض الرأس فيها إلى تلف خلفي، كما أن جسمه متماسك بالكامل من الأمام ولا يوجد فيه أي علائم احتراق أو تفجير، وهذا يشير إلى أنه تعرض إلى إصابة من الخلف، ومن المستبعد ان يقوم أي انتحاري بوضع قنبلة خلف رأسه ليقتل نفسه. وإذا ما قارنا ما حصل في الغرفة الأخرى التي يبدو أن زوجة القرشي فجرت نفسها بها مع أطفالها وتحولهم إلى أشلاء بعد تفجير نفسها بحزام ناسف.
ومن المؤشرات على التعثر في عملية الإنزال، عدم سحب جثة القرشي على الأقل، كما فعلت القوات الأمريكية بجثة زعيم تنظيم القاعدة أسامة بن لادن وأبو بكر البغدادي، والاكتفاء بأخذ بصماته وعينات من خلاياه وشعره. وتعرضت مروحية مهاجمة إلى العطب بسبب نيران المدافعين حسب روايات أهالي المنطقة الذين شاهدوا خطوط الرصاص تخرج من المنزل إلى الخارج. فيما أصر البنتاغون في روايته الرسمية على القول إنها تعطلت فنيا وهو ما دفع القوات الخاصة إلى تفجيرها بالكامل قبل الانسحاب، إلى ذلك تحركت طائرات إسناد جوية نوع اف-16 خشية من سوء الأمر أو تحرك بعض خلايا المؤازرة في المنطقة لصد الهجوم، إضافة إلى طائرات ثابتة الجناح مزودة بصواريخ هجومية تكتيكية.
لاقت العملية ترحيبا دوليا كبيرا وخصوصا لدى جمهور كبير من العراقيين وعلى رأسهم الأيزيديين الذين تعرضوا لمقتلة وعمليات سبي للنساء كان صاحب القرار فيها القرشي نفسه عندما كان يعرف باسم حجي عبد الله قرداش، وهو القرار الذي خالفه فيه كل العراقيين داخل مجلس شورى التنظيم وأمراء الولايات خوفا من الانتقام من أسرهم وزوجاتهم مستقبلا، لكن قرداش نجح بكسب أصوات المهاجرين وغير العراقيين في مجلس الشورى والمقربين من البغدادي.
في السياق، انتقدت تركيا إشارة البنتاغون لدور محتمل لقوى محلية (يقصد بها قوات سوريا الديمقراطية قسد) وقال المتحدث باسم وزارة الخارجية التركية، تانجو بيلجيتش: «تركيا ترفض فكرة التعاون مع تنظيم إرهابي (قسد) من أجل القضاء على تنظيم إرهابي آخر (داعش)».
ووجدت قيادة قسد الفرصة سانحة لإعلان عدد قتلاها في معركة إحباط الهجوم والتمرد في سجن الصناعة بحي غويران بمدينة الحسكة، حيث أشار مظلوم عبدي إلى مقتل 121 مقاتلا من صفوف قواته في سجن الصناعة، مشيدا بدور قواته في إنهاء الهجوم الذي بدأ يوم 20 كانون الثاني (يناير) واستمر سبعة أيام، فيما تستمر قوى الأمن الداخلي «أسايش» ووحدات مكافحة الإرهاب «هات» بمطاردة المشتبهين وخلايا التنظيم مع قوات التحالف الدولي في محافظات الرقة ودير الزور والحسكة. واعترفت «قسد» بمقتل 374 عنصرا من تنظيم الدولة بين مهاجم وسجين متمرد، وخصصت أعداد المتمردين بنحو 223 فيما لقي البقية حتفهم بسبب الاشتباكات خلال سبعة أيام.
تولى عبد الله قرداش الإشراف العام على التنظيم في لحظات غاب عنها البغدادي نتيجة خروجه من منطقة نشاط التنظيم في البادية إلى محافظة إدلب، وكلفه رسميا بـ«رعاية أحوال المسلمين» حسب ما نقلت وكالة «أعماق» الناطقة باسم التنظيم في اب (أغسطس) 2019 أي قبل مقتل البغدادي غرب بلدة سرمدا في هجوم للقوات الأمريكية مشابه للهجوم الأخير ولكنه تميز بسرعة التنفيذ بسبب وجود البغدادي ببناء مستقل بعيد عن المنازل.

الخليفة المحتمل

رغم إنشغال أجهزة الاستخبارات والمحليين الأمنيين بالبحث عن خليفة محتمل للقرشي، إلا أن عادة التنظيم جرت بالتأخر باختيار زعيم جديد نتيجة صعوبة الاجتماع وتأخر وصول الرسائل التقليدية شفاهيا أو كتابيا وتجنب استخدام وسائل الاتصال الحديثة التي يرجح أنها السبب دائما في اختراق الجماعات الجهادية وخصوصا من جهة المخابرات المركزية الأمريكية.
لكن هيمنة العراقيين على المفاصل القيادية في تنظيم «الدولة الإسلامية» يحتم وجود قائد عراقي وهو السنة التي سنها التنظيم بعد مقتل البغدادي وتسلم أبو عمر البغدادي عام 2010 عندما كانت النسخة الأولى من التنظيم «دولة العراق الإسلامية» وأبو بكر البغدادي عندما أعلن التخلي عن صفة العراق واطلاق اسم «الدولة الإسلامية في الشام والعراق» عام 2013. كما ان تمركز التنظيم الشديد في سوريا والعراق يحتم وجود قيادي عراقي خبر المنطقة ويعرف رجالات الصف الأول جميعهم. كما أن تجربة تولية قيادة رجل شامي للتنظيم أمر مستبعد للغاية بعد تجربة تسليم الفرع السوري «جبهة النصرة لأهل الشام» إلى الجولاني، حيث قام الأخير بالانقلاب على أميره البغدادي ونقض بيعته.
ويمتلك التنظيم عدة قادة مرشحين لخلافة القرشي، أبرزهم شقيق أبو بكر البغدادي جمعة البدري، رئيس مجلس شورى «الدولة الإسلامية» ووالي الأنبار أبو سليمان المراوي وهو الأكثر قربا من زعامة التنظيم باعتباره يشرف على العمليات في سوريا والعراق، فيما يبقى والي كركوك «أبو الإثراء» أقل القادة حظاً. وربما يفضل مجلس الشورى والقادة الآخرون البحث عن رجل أكثر بعدا من شقيق البغدادي وهو ما يرجح فوز «والي الأنبار» بزعامة التنظيم خصوصا بسبب انغماسه الميداني في القتال وباعتبار أن الأنبار تبقى أكثر ولايات التنظيم أهمية كونها صلة الوصل بين العراق وسوريا، رغم انتقال النشاط في العراق إلى المحافظات الداخلية إلا أن الأنبار تبقى البوابة إلى سوريا.
بالمقابل، يعتقد بعض المتابعين بأهمية مسؤول الإدارة العامة لتنظيم الدولة «أبو الحارث العراقي» والذي يرجح أن قرداش أرسله إلى أفغانستان بسبب اهتمام الأخير بها شخصيا خصوصا مع بدء الحديث عن الانسحاب الأمريكي منها، وهو يفسر النشاط الملحوظ للتنظيم هناك. ومن خلال تولي «العراقي» رئاسة التنظيم فإنه يبقي على قيادته بيد العراقيين، ولكن ينقل قوته إلى بلد أكثر رخاوة أمنيا وعسكريا، فشلت أمريكا من السيطرة عليه فكيف الحال بحركة محلية مهما بلغت قوتها، خصوصا مع مؤشرات تردد كبيرة من جميع الدول في التعامل معها.

كلمات مفتاحية

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

  1. يقول احمد الشمري:

    لا يوجد نفط بأفغانستان ولذلك فهي ليست مكان للجهاد وبنفس الوقت لبديست مكان لنشر الحريه فامريكا وداعش يمتلكون صفه نشر الجهاد والحريه بأماكن التي لها نفط فقط حتى يستفيدون من تهريب النفط وبيع السلاح

إشترك في قائمتنا البريدية