العراق وإسرائيل وأذربيجان.. ثلاثة بدائل جديدة أمام تركيا لتأمين احتياجاتها من الغاز الطبيعي

إسماعيل جمال 
حجم الخط
2

إسطنبول – “القدس العربي”:

تتزايد المخاوف في تركيا حول مستقبل أمن الطاقة في البلاد على المستوى المتوسط وحتى القصير وذلك مع اقتراب شبح الحرب الروسية في أوكرانيا والخشية من أن تؤثر على إمدادات الغاز الروسي، بالتزامن مع تراجع الثقة باستقرار إمدادات الغاز من إيران التي قطعته عن تركيا مؤخراً لأكثر من أسبوع في ذروة عاصفة ثلجية صعبة كانت تضرب البلاد ما أدى إلى توقف مئات المصانع عن العمل وتسبب في انتقادات حادة للحكومة.

وفي ظل هذه المعطيات الجديدة والطارئة، باتت أنقرة تبحث عن بدائل لمواجهة كافة السيناريوهات السلبية التي يمكن أن تحصل على المدى القريب أو المتوسط، وذلك بعدما كانت تسعى للوصول إلى حلول استراتيجية لأمن الطاقة على المدى البعيد، وهو ما فتح الباب واسعاً أمام خيارات لم تكن مطروحة سابقاً بل كان بعضها مستبعداً إلى درجة كبيرة. 

فإلى جانب خيار أذربيجان الذي كان مرجحاً إلى درجة كبيرة طوال الفترة الماضية، أعلنت تركيا لأول مرة أنها تبحث إمكانية استيراد الغاز الطبيعي من العراق، بينما فجر الرئيس التركي رجب طيب أردوغان مفاجأة من العيار الثقيل عندما أبدى رغبة بلاده في استيراد الغاز من إسرائيل بالتزامن مع قرب زيارة الرئيس الإسرائيلي لأنقرة وبحث التعاون الثنائي في ملف نقل الغاز الإسرائيلي إلى أوروبا عبر الأراضي التركية. 

العراق.. خيار جديد  

وفي لقاء مع الصحافيين، الخميس، كشف أردوغان لأول مرة عن أن العراق قد يزود بلاده بالغاز الطبيعي، مؤكدا أن تركيا لا تواجه نقصا في مخزون الغاز بالوقت الراهن. وفيما إذا كان الغاز العراقي سيأتي إلى تركيا من الحكومة المركزية أم من إقليم شمالي العراق، أوضح أردوغان أنه ناقش مع رئيس الإقليم الكردي نيجيرفان بارزاني إمكانية تزويد تركيا بالغاز الطبيعي مؤخراً وأن الأخير قال بأنه سيفعل ما بوسعه وسيبحث الموضوع مع الحكومة المركزية. 

والأربعاء الماضي، استقبل أردوغان رئيس إقليم شمالي العراق نجيرفان بارزاني في المجمع الرئاسي بالعاصمة أنقرة، وبينما أشار بيان الرئاسة التركية أن اللقاء بحث “سبل تعزيز العلاقات التجارية والاقتصادية”، تطرق إلى “بحث مجالات التعاون المشترك الأخرى”، لكن دون الحديث بشكل مباشر عن تصدير الغاز الطبيعي إلى تركيا. 

وترى تركيا في العراق خياراً مثالياً من حيث القرب الجغرافي الذي يتيح نقله بخطوط برية مباشرة وبتكلفة قليلة جداً وخلال فترة زمنية قصيرة، كما أن أسعاره ربما تكون منافسة عن الخيارات الأخرى الأبعد، إلى جانب أنه سيكون البديل الأسرع لتزويد المناطق الجنوبية والشرقية بالبلاد بالغاز الطبيعي في حال عودة مشاكل انقطاع إمدادات الغاز من إيران كما حصل في الشهر الماضي. إلى جانب ذلك من شأن أي اتفاقيات جديدة أن تعزز أفق التعاون التجاري بين البلدين. 

إسرائيل.. خيار مفاجئ  

وفي ذروة التحولات السياسية التي تشهدها المنطقة، كشف أردوغان عن أن بلاده تفكر في استخدام الغاز الإسرائيلي إلى جانب العمل على نقله إلى أوروبا عبر الأراضي التركية، وذلك في إطار الرسائل التركية المتسارعة لتل أبيب قبيل اللقاء المتوقع بين الرئيس الإسرائيلي إسحاق هرتصوغ وأردوغان الذي أكد أنه سيعقد في تركيا في منتصف آذار/مارس المقبل. 

وقال أردوغان: “يمكن أن نستخدم الغاز الإسرائيلي في بلادنا، بل وأبعد من ذلك يمكن أن ننخرط في جهد مشترك عبر نقله إلى أوروبا، لافتاً إلى أن موضوع الغاز سيكون على طاولة المباحثات مع الرئيس الإسرائيلي خلال زيارته إلى تركيا. 

ويسعى أردوغان من خلال اللقاء المنتظر مع الرئيس الإسرائيلي إلى إحداث شرخ في تحالف شرق المتوسط الذي عمل طوال السنوات الماضية على تهميش تركيا في ملف غاز شرق المتوسط وذلك عبر إقناع إسرائيل التي تبحث عن بديل لنقل غازها إلى أوروبا عقب فشل مشروع “إيست ميد” وتخلي الإدارة الأمريكية عن دعمه بأنها البديل المثالي لتكون الشريك الأساسي في هذا المشروع الذي يمكن أن يمنحها تفوقاً مهماً في الصراع الذي بات يمثل الأولوية الأولى للسياسة الخارجية التركية. 

وبينما لا تبدو أنقرة بحاجة ماسة للغاز الإسرائيلي، يعتقد أن الهدف كان إبراز مدى رغبة تركيا في التعاون بملف الغاز مع إسرائيل وجعل مشروع خط الغاز الإسرائيلي إلى أوروبا عبر تركيا أكثر جاذبية لإسرائيل إذا ما تضمن مرحلتين الأولى تتعلق بإيصال الغاز وبيعه إلى تركيا، ومن ثم إيصال كميات أكبر إلى أوروبا عبر نفس الخط وبتكاليف أقل. 

أذربيجان.. خيار استراتيجي  

وتعتبر أذربيجان من أبرز الخيارات التركية الحالية لتأمين كميات أكبر من الغاز الطبيعي، وكانت الدولة الأولى التي طلبت منها تركيا إمدادها بمزيد من الكميات فور انقطاع الغاز الإيراني، ووافقت باكو على إمداد أنقرة بخمسة ملايين متر مكعب يومياً من الغاز الطبيعي لتجاوز الأزمة. 

لكن خطط تركيا لا تتعلق بالتغطية على النقص الطارئ الذي تسبب به انقطاع الغاز الإيراني، وإنما زيادة كميات الغاز الطبيعي القادم من أذربيجان بشكل دائم في خطوة يعتقد أن أنقرة تسعى من خلالها إلى تقليل اعتمادها بشكل استراتيجي على الغاز الإيراني الذي يعتقد أن انقطاعه كان خطوة سياسة حاولت من خلالها طهران إرسال رسائل ابتزاز إلى أنقرة. 

والسبت، قال وزير الطاقة والموارد الطبيعية التركي فاتح دونماز، إن تركيا تدعم زيادة سعة إنتاجية خط أنابيب الغاز الطبيعي العابر للأناضول “تاناب”، وذلك في تصريح له عقب مشاركته في الاجتماع الثامن للمجلس الاستشاري لمشروع “ممر الغاز الجنوبي”، المنعقد في العاصمة الأذربيجانية باكو. 

ويهدف مشروع “ممر الغاز الجنوبي” الذي سينقل الغاز الأذربيجاني المستخرج من بحر قزوين لأوروبا، إلى تحقيق أمن وتنوع إمدادات الطاقة للاتحاد الأوروبي. ولفت دونماز أن “تاناب” الذي يعد جزءًا من “ممر الغاز الجنوبي” هو أحد المشاريع المهمة التي تم اتخاذها وتنفيذها بسرعة كبيرة، مؤكداً أن “تاناب” هو أحد المشاريع الكبرى التي تساهم في تأمين التوريد ليس فقط لتركيا إنما لأوروبا أيضا.

وأوضح أن “تاناب” ينقل 16 مليار متر مكعب من الغاز الطبيعي سنويا، 6 مليارات منها لتلبية احتياجات تركيا، و10 مليارات تذهب إلى أوروبا. وأضاف: “أثناء تصميم خط الأنابيب تم التخطيط لرفع السعة السنوية إلى 31 مليار متر مكعب وفقا للعرض والطلب مستقبلا. ربما سنرى معًا أن خط الأنابيب سيصل إلى السعة التي صُمم من أجله دون انتظار وقت طويل”. 

وعلى غرار موارد الطاقة الأخرى، تعتمد تركيا بشكل شبه كامل على تأمين احتياجاتها من الغاز الطبيعي من الخارج، حيث تمثل فاتورة الطاقة التي تتكون من الغاز الطبيعي والبترول بالدرجة الأساسية أكبر عبء على الحكومة التركية حيث تصل سنوياً إلى قرابة 45 مليار دولار وارتفعت في العام الأخير إلى 55 مليار دولار، وتعتبر المسبب الأول للعجز المتواصل في الميزان التجاري لتركيا التي عجزت حتى اليوم في إحداث فائض فيه رغم تسجيلها أعلى أرقام صادرات في تاريخها على الإطلاق. وتعتمد معظم المنازل في تركيا على الغاز الطبيعي للتدفئة في فصل الشتاء.  

ومؤخراً، أظهرت الإحصائيات والأرقام الرسمية جهودا تركية حثيثة من أجل تقليل الاعتماد على روسيا وإيران في تأمين احتياجاتها من الغاز الطبيعي وذلك من خلال زيادة وارداتها من الجزائر وأذربيجان في مسعى لسحب ورقة الغاز كأداة للابتزاز السياسي من يدي موسكو وطهران.    

وإلى جانب مساعيها لتقليل أهمية الغاز كورقة ابتزاز سياسية في يد موسكو وطهران، تحاول تركيا الحصول على الغاز بأسعار أنسب من دول “صديقة” لتقليل فاتورة الطاقة الأكثر إنهاكاً للاقتصاد التركي، حيث زادت تركيا بالفعل اعتمادها على الغاز الأذربيجاني والجزائري وحصلت على كميات أخرى من قطر، لكنها ما زالت تعتمد بدرجة أساسية على روسيا وإيران على أمل أن تساهم اكتشافات الغاز الأخيرة التي يتوقع أن تبدأ تركيا باستخراجها من البحر الأسود بحلول عام 2023 في مساعدة تركيا على تقليل فاتورة الطاقة من الخارج وتقديم الغاز للمواطنين بأسعار أنسب.   

 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

  1. يقول القارات السبع:

    واين اكتشافات البحرالأسود القياسية التي اعلنت تركيا عنها ؟

  2. يقول ميساء:

    بل غاز فلسطين الممزوج بدماء شهداء فلسطين هذي سنين وسنين،. سيكون لعنة على السارق و المسروق

إشترك في قائمتنا البريدية