بوليتكو: استخدام بايدن المعلومات الاستخباراتية للتحذير من بوتين يقلق البعض في عالم الجاسوسية

إبراهيم درويش
حجم الخط
0

لندن- “القدس العربي”:

نشرت مجلة “بوليتكو” تقريرا أعدته ناحال توسي قالت فيه إن عالم التجسس الأمريكي قلق من استمرار فريق بايدن بتسريب المعلومات الأمنية عن روسيا. وأكدت أن إدارة جوي بايدن ذهبت إلى أبعد مدى للمشاركة في المعلومات الأمنية حول التهديد الروسي على أوكرانيا، من تسريب معلومات لوسائل إعلامية وطرق أخرى لتحذير العالم من الخطر الذي تمثله روسيا، سواء عبر الكشف عن عمليات حشد القوات على حدود أوكرانيا إلى الزعم بأن موسكو ستقوم بهجوم مزيف على قواتها لكي تبرر غزو جارتها. وتقول المجلة إن الإستراتيجية وجدت مشجعين لها، إلا أن بعض المسؤولين السابقين في الاستخبارات طرحوا أسئلة حول المدى الذي ستذهب إليه الإدارة.

ويقول المسؤولون الأمريكيون إن المعلومات يتم نشرها بدقة وحذر وهي جزء صغير مما جمعته المخابرات الأمريكية وحلفاء واشنطن عن الحشود التي أمر بها الرئيس فلاديمير بوتين على الحدود الأوكرانية. ويقولون إن الأهداف هي عملية فضح وقائية وبالتالي تعرية الأكاذيب الروسية التي قد تقود إلى الحرب. وقال وزير الخارجية أنتوني بلينكن “نعتقد أن أحسن ترياق للتضليل هو المعلومات”. وهو نهج قد يكون أساسا للتقدم في وقت باتت فيه الدول تعتمد وبشكل متزايد على التلاعب بفضاء المعلومات لتحقيق أهدافها الجيوسياسية.

تساءل البعض حتى من يدعمون التسريبات إن أصبح الرئيس وفريقه ناشرين للخوف وبشكل مفرط، وذلك نتيجة الفشل الأمني السابق في  أوكرانيا وقبل فترة في أفغانستان

ومن بين الداعمين لهذا النهج هو مدير سي آي إيه ومجلس الأمن القومي سابقا مايكل هايدن الذي قال إنه دعا ولسنوات عدة إلى اعتماد الرأي العام على المعلومات الأمنية. وقال “الوضع مختلف الآن، عصر المعلومات مهم جدا”. وعلق السناتور الديمقراطي عن فيرجينا، مارك وورنر موافقا: “الاعتماد” على المعلومات الاستخباراتية التي يتم الكشف عنها منح الروس “تحذيرا” بقدر ما و”أعتقد أن هذا فاجأ الروس قليلا”.
ولكن التسريبات كانت كثيرة بدرجة تمنى فيها بعض مسؤولي الأمن القومي لو أوقفتها الإدارة. وتساءل البعض حتى من يدعمون التسريبات إن أصبح الرئيس وفريقه ناشرين للخوف وبشكل مفرط، وذلك نتيجة الفشل الأمني السابق في أماكن أخرى مثل أوكرانيا وقبل فترة في أفغانستان. وقال مسؤول سابق في سي آي إيه بخبرة واسعة في الملف الروسي “أنا قلق مما سيطال مصداقية معلوماتنا الاستخباراتية على المدى البعيد ووسط كل هذه المعلومات المختارة التي يتم رفع السرية عنها”. وقد تكون هذه مواقف أقلية، إلا أن النقاش بات بصوت عال في الحوارات الجارية بواشنطن حول الانفتاح غير العادي للإدارة بشأن استخدام الاستخبارات بالمواجهة مع روسيا. وقال غافين وايلد، المسؤول الأمني السابق وبخبرة بالشأن الروسي “لطالما دارت الحروب التقليدية حول طرق سحق (إرادة) أعدائك” و “كنا نعتمد على القوة العسكرية لعمل هذا، وأصبح الوضع الآن أسهل بأدوات المعلومات المتوفرة لدينا”.
واعتمدت إدارة بايدن على عدة طرق للكشف عن نوايا وحشود بوتين. وضمت موافقة على تسريبات تستهدف مجموعة مختارة من الوسائل الإعلامية إلى جانب التصريحات العلنية. وتحدثت الإدارة واستشارت آخرين خارجها من المشرعين والخبراء الذين يكشفون عنها في أحاديثهم مع الصحافيين. وتعلق الكاتبة أن بعض التقارير التي نشرت لم تقم بالطبع على تسريبات ولكن على عمل صحافي استقصائي. وغطت التقارير التي ظهرت منذ الخريف الماضي كل شيء من شكوك الولايات المتحدة بإمكانية نشر روسيا ما يقرب من 175.000 جندي لغزو أوكرانيا، وكذا نشر الكرملين فيديو عن هجوم مزيف يقوم به الأوكرانيون على القوات الروسية بحيث يمنح روسيا مبرر الغزو.
وتنفي روسيا أنها تريد غزو جارتها وتصر على أهمية تعامل أمريكا وحلفائها مع مظاهر القلق الأمني المتعلقة بتوسيع الناتو والذي تراه تهديدا عليها. وقال المسؤولون الأمريكيون في عدة مرات إن الغزو قد يحصل في أي وقت، مشيرين لنشر القوات الروسية في الدولة الحليفة لموسكو، بيلاروسيا.
وقال مسؤول أمني قومي سابق تعامل مع روسيا، إنه كلما كشفت الإدارة عن معلومات بحث العملاء الروس عن الأرصدة الأمريكية التي وفرتها مما يعرض حياة الجواسيس لصالح أمريكا للخطر. وتساءل “كم من المرات التي سنثير فيها الخوف حول أمر سيحدث قريبا؟” و “في المرة المقبلة لن نعرف الخطط لأن الروس سيتوقفون عن استخدام تلك القنوات التي نجمع معلوماتنا منها”. وقال المسؤول السابق إن الكشف عن المنطقة الرمادية في التعامل مع روسيا منطقي بين الحين والآخر و “لكن حجم المعلومات المحددة التي تخلق المشاكل وليس المعلومة بحد ذاتها” هي المشكلة. وقال مسؤول في الإدارة ومسؤول بارز في المخابرات إنه يتم وزن المخاطر في كل خطوة يتم المضي فيها. وقال المسؤول الأمني البارز “تحليل الثمن- المنافع مال لصالح مشاركة قدر الإمكان وما هو واضح في ظل ما هو على المحك”.
وفي “ضوء الشك الأوروبي (بشأن الدوافع الروسية) وببعض الدوائر، فهناك ما يدعو لعمل ما نستطيع لإقامة قاعدة فهم للتهديد”. وفي الوقت الذي توجد فيه أسئلة عالقة حول التزام واستعداد الحكومات الأوروبية لفرض عقوبات على روسيا ودعم أوكرانيا إلا أن المسؤول أكد على أهمية وقوة التعاون الأمني بين أمريكا وحلفائها في أوروبا، مشيرا إلى ما صدر عن الحكومة البريطانية التي أعلنت عن معلومات أمنية تشير لخطط موسكو إقامة نظام دمية في كييف. وقال المسؤول إن وكالات الاستخبارات لم تظهر أي اعتراض على كيفية نشر وتحليل المعلومات الأمنية، ملمحا أن الكثير مما يعرف عن روسيا يظل في حوزة الدائرة الخاصة. و “ما نشر يظل جزءا صغيرا من المعلومات الاستخباراتية التي تمت مراجعتها قبل نشرها وخوفا من الكشف عن المصادر والوسائل”.
وليست هذه هي المرة الأولى التي يتم فيها الكشف عن معلومات أمنية، ففي ظل إدارة جورج دبليو بوش تم اختيار معلومات عن أسلحة صدام حسين للدمار الشامل والتي تبين أنها مغلوطة، مع أنها لعبت دورا في تحفيز الحرب. وقال كالدر والتون، المؤرخ المتخصص بالاستخبارات بجامعة هارفارد “إنها مثل عالم حقيقي” و “هو العالم الذي نعيش فيه الآن”، لكنه حذر من “مخاطر عالية”، وبخاصة لو ظهر أن المعلومات التي كشفت لم تكن صحيحة. والعراق هو المثال الأوضح، مع وجود أمثلة أخرى أدت لتآكل مصداقية الولايات المتحدة. وفي عام 1983 أسقط الاتحاد السوفييتي طائرة كورية كانت تحمل 269 مدنيا. وسارع رونالد ريغان لوصف الحادث بالبربري، وعقد وزير خارجيته جورج شولتز مؤتمرا صحافيا أكد فيه أن السوفييت كانوا يعرفون الطائرة ومن عليها. ثم تراجعت الإدارة الأمريكية عن كلامها عندما ظهرت أدلة اقترحت أن السوفييت لم يكونوا يعرفون بأن الطائرة تحمل ركابا واعتقدوا أنها طائرة تجسس أمريكية. وقال والتون إن “إدارة ريغان أضعفت نقدها للاتحاد السوفييتي من خلال المبالغة بالقضية”.
وتقول المجلة إن قرار إدارة بايدن الخروج علنا والتحذير من التهديد الروسي متجذر بتدخل روسيا في الانتخابات الأمريكية وفشل المسؤولين في التحذير من حملة التضليل الروسية مبكرا. وكان معظم المسؤولين الأمريكيين، بمن فيهم بايدن شاهدين لما حدث في أوكرانيا عام 2014، حيث استخدم بوتين نفس الأساليب التي يستخدمها حاليا، ونشر “الرجال الخضر” بملابس بدون شارات عسكرية رسمية للسيطرة على شبه جزيرة القرم.

ليست هذه هي المرة الأولى التي يتم فيها الكشف عن معلومات أمنية، ففي ظل إدارة جورج دبليو بوش تم اختيار معلومات عن أسلحة صدام حسين للدمار الشامل والتي تبين أنها مغلوطة، مع أنها لعبت دورا في تحفيز الحرب

وواجهت إدارة بايدن نقدا في أفغانستان وعدم قدرة الأجهزة الأمنية على تقدير الوضع هناك بشكل دقيق. فقد أكد الأمريكيون أن الحكومة في كابول تستطيع البقاء لعدة أشهر بعد خروج القوات الأمريكية، لتنهار قبل خروجها. وفي أوكرانيا يحاول الأمريكيون عدم تكرار الخطأ وأنهم “سيعتمدون على حليف”.
ويحاول المسؤولون تجاهل “عامل أفغانستان” ودوره في طريقة شن الحرب الاستخباراتية الحالية. ورغم تعهد بايدن بعدم نشر قوات للدفاع عن أوكرانيا إلا أن البعض يخشى من تحول الأمر إلى عملية زاحفة. وينتقدون المخابرات بالمبالغة في التقييمات المتشائمة للتعويض عن أخطائها في أفغانستان. وقال مساعد ديمقراطي في الكونغرس “أنا أتساءل أيضا لو كانت تجربة الانسحاب من أفغانستان جعلت الإدارة حساسة من نقد الصقور وقابلة لاتباع النصيحة المتشددة”.

ورغم نشر بوتين قواته على الحدود الأوكرانية إلا أن الأزمة قد تتجمد لأسابيع أو أشهر وتنتهي بسحب بوتين قواته. وتقول أندريا كيندال- تيلور، المساعدة السابقة لملف يوريشيا وروسيا بمجلس الأمن القومي “أرى أنه لم تتحول إلى شكل متكرر لم يحدث، لكن يبدو أن لديهم ثقة عالية بالمعلومات الأمنية بأنها ستحدث هذه المرة” و “في ضوء الرهانات فالثمن يمكن السيطرة عليه”. وتقول كيندال- تيلور إنه في حالة ثبوت خطأ المعلومات الأمنية بشأن غزو بوتين “فعلينا الشعور بالارتياح”.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إشترك في قائمتنا البريدية