السودان: انتقادات دولية بعد اعتقال قيادات معارضة والخارجية ترفض «التدخل السافر»

ميعاد مبارك
حجم الخط
0

الخرطوم ـ «القدس العربي»: أعربت دول غربية، الجمعة، عن قلقها إزاء اعتقال ناشطين وصحافيين في السودان، كما أدانت «المضايقات من جانب السلطة العسكرية». وفيما رفضت وزارة الخارجية السودانية ما اعتبرته «تدخلا سافرا في الشؤون الداخلية للبلاد» أعلنت بعثة الأمم المتحدة المتكاملة لدعم الانتقال الديمقراطي في السودان (يونيتامس) ختام المشاورات غير المباشرة في العملية السياسية، التي أطلقتها نهاية ديسمبر/كانون الأول الماضي، لحل الأزمة السياسية في السودان.
وقالت بعثة الاتحاد الأوروبي في السودان، في بيان: «تشعر الترويكا (النرويج وبريطانيا والولايات المتحدة) وكندا وسويسرا والاتحاد الأوروبي، بالقلق من عمليات الاحتجاز والاعتقال التي طالت العديد من الشخصيات السياسية البارزة».
والأربعاء، اعتقلت قوات الأمن كلا من وزير شؤون مجلس الوزراء السابق خالد عمر يوسف، ومقرر لجنة تفكيك نظام الرئيس السابق عمر البشير (1989-2019) وجدي صالح، وأمينها العام، الطيب عثمان.
وأفاد البيان بأن «هذه الأعمال المقلقة هي جزء من نمط حديث من احتجاز واعتقال لنشطاء المجتمع المدني والصحافيين والعاملين في المجال الإنساني، حيث حدث في جميع أنحاء السودان في الأسابيع الماضية».
وأضاف: «ندين هذه المضايقات والتخويف من جانب السلطات العسكرية السودانية، وهذا يتعارض كليا مع التزامهم المُعلن بالمشاركة البناءة لحل الأزمة السياسية في السودان للعودة إلى الانتقال الديمقراطي».
وتابع: «ندعو لوضع حد فوري لهذه الممارسات والإفراج الفوري عن جميع المعتقلين ظلمًا، ونذكر السلطات العسكرية السودانية بالتزاماتها باحترام حقوق الإنسان وضمان سلامة المحتجزين أو المعتقلين والحاجة إلى ضمان اتباع الإجراءات القانونية الواجبة باستمرار في جميع الحالات».
وقبل ذلك، حذر السفيران البريطاني جايلز ليفر، والنرويجي تيريز لوكين غيزيل، عبر «تويتر» من أن اعتقالات السياسيين والناشطين تقوض حل الأزمات السياسية في السودان.

«اشتباه جنائي محض»

وحسب ما قال محامون لرويترز هذا الأسبوع، فإن أكثر من 100 شخص ما زالوا في السجون، بينما أُخلي سبيل نحو ألفين.
في المقابل، اعتبرت وزارة الخارجية السودانية في بيان هذا «تدخلا سافرا في الشؤون الداخلية للسودان ومنافيا للأعراف والممارسات الدبلوماسية».
وجاء في بيان وزارة الخارجية أن «المواطنَين المشار إليهما قد تم احتجازهما في الواقع بناء على اشتباه جنائي محض، وليس نتيجة لأي تهمة أو دافع سياسي، وكان يتوجب على السفراء المعنيين الحرص على استقاء المعلومات الدقيقة من المصادر الرسمية».
في الموازاة، وبعد خمسة أسابيع من المشاورات غير المباشرة، أعلنت بعثة الأمم المتحدة المتكاملة لدعم الانتقال الديمقراطي في السودان (يونيتامس) ختام المشاورات غير المباشرة في العملية السياسية، التي أطلقتها نهاية ديسمبر/كانون الأول الماضي لحل الأزمة السياسية في السودان.

حوار معمّق

وقالت (يونيتامس) في بيان، مساء الخميس، إن المبعوث الخاص للأمين العام فولكر بيرتس وفريق (يونيتامس) اختتموا جلسات المشاورات من أجل العملية السياسية في السودان، بحوار معمق مع قادة وشيوخ الطرق الصوفية حول التحديات الماثلة التي تواجه السودان وآفاق الحلول لها.
والتقى بيرتس وفريقه، خلال المشاورات غير المباشرة، عددا من الأحزاب والكتل السياسية والمهنية والمجموعات المدنية، أبرزها المجلس المركزي لقوى الحرية والتغيير، وتجمع المهنيين التابع له، وعددا من لجان المقاومة بالإضافة للجبهة الثورية ومجموعة الميثاق الداعمة للعسكريين، في وقت لم يعقد فيه جلسات تشاور مع العسكريين، واكتفى بإعلامهم بعدد من اللقاءات.
والتقت البعثة أطراف لم تكن جزءا من الحوار السابق في السودان الذي أفضى إلى الوثيقة الدستورية، في عام 2019، أبرزها حزب «المؤتمر الشعبي» الإسلامي، المنشق عن حزب المؤتمر الوطني المحلول (الحزب الحاكم الأسبق) في عام 1999.
ورفض تجمع المهنيين السودانيين وعدد من تنسيقيات لجان المقاومة المبادرة الأممية، مؤكدين على أن ما يحدث في السودان «انقلاب عسكري وليس أزمة سياسية. وأيضا يرى الرافضون أن «إصلاح الوضع الراهن في البلاد يحتاج إلى حلول سودانية ـ سودانية، ولن يأتي من الخارج، أو من خلال بعثة الأمم المتحدة».
وطالب تجمع المهنيين السودانيين بعثة «يونيتامس» بمغادرة البلاد، مؤكدا أن تقديم مبادرة لعملية سياسية في البلاد ليس من مهام تفويضها.
وبدأت بعثة الأمم المتحدة لدعم الانتقال الديمقراطي في السودان، عملها في السودان في مطلع يناير/كانون الثاني 2021، بتفويض من مجلس الأمن الدولي، حسب القرار رقم 2524.
وتشمل مهام البعثة حسب القرار، المساعدة في عملية التحول المدني الديمقراطي في السودان، ودعم حماية وتعزيز حقوق الإنسان والسلام المستدام والمساعدة في بناء السلام والحماية المدنية وسيادة القانون، خاصة في دارفور وجنوب كردفان والنيل الأزرق.
وكلفت البعثة، التي أنشأها مجلس الأمن الدولي بطلب من رئيس الوزراء السابق عبد الله حمدوك، بدعم تعبئة المساعدة الاقتصادية والإنمائية وتنسيق عمليات المساعدة الإنسانية.
ورغم أن المجلس العسكري كان من أوائل المرحبين بالمبادرة الأممية، لكن يبدو أن مواقفه حيالها تبدلت لجهة التظاهرات التي نظمها الداعمون له بعد ذلك للمطالبة بخروج البعثة من البلاد.
ولم تلتق «يونيتامس» حزب المؤتمر الوطني المحلول، في وقت تظاهر فيه عدد من أنصاره المحسوبين على المجلس العسكري، أمام مقر البعثة في الخرطوم، مطالبين بخروجها من البلاد، و«الحفاظ على السيادة الوطنية ومنع التدخل الأجنبي» في السودان، على حد قولهم.
وقالت البعثة الأممية في ردها عليهم، إنها جاءت إلى السودان بـ«طلب من الحكومة السودانية الانتقالية وبتفويض من مجلس الأمن الدولي لدعم الانتقال الديمقراطي في السودان».
وقال بيرتس آنذاك، إن «العملية السياسية التي أطلقتها الأمم المتحدة في السودان، عملية شاملة بين السودانيين حول كيفية المضي قدماً من أجل الديمقراطية والسلام».

البعثة الأممية أعلنت نهاية المشاورات غير المباشرة بين الأطراف السياسية

وأكد في بيان صحافي، الشهر الماضي، أن «الأمم المتحدة ستقوم بتيسير المشاورات لدعم أصحاب المصلحة السودانيين لمعالجة الجمود السياسي الحالي وتطوير مسار نحو الديمقراطية والسلام».
وبيّن أن البعثة ستعمل مع جميع الجهات الفاعلة لتطوير عملية شاملة يمكن أن تؤدّي إلى توافق حول السبيل نحو انتقال ديمقراطي كامل بقيادة مدنية.
وشملت المرحلة الأولى من العملية السياسية، حسب بيرتس، «المشاورات الأولية مع أصحاب المصلحة بما في ذلك الحكومة والجهات السياسية الفاعلة وشركاء السلام والحركات المسلحة والمجتمع المدني ولجان المقاومة والمجموعات النسائية والشباب».
وأكد أن الأمم المتحدة ليس لديها أيّ موقف حيال نتيجة هذه العملية التي ستهتدي بآراء السودانيين أنفسهم، مشيرا إلى أنها ستوفر مجموعة من القدرات لزيادة المشاركة إلى أقصى حد.
وتنتظر الأمم المتحدة أن تساهم نتيجة مرحلة المشاورات الأولية غير المباشرة في تصميم الخطوات التالية للعملية السياسية التي ربما تفضي إلى جمع الاطراف السودانية حول طاولة حوار.
وخلال رؤية نشرها الثلاثاء الماضي للخروج من الأزمة الراهنة في البلاد وتوضيح موقفه من المبادرة الأممية، قال المجلس المركزي لـ«الحرية والتغيير» إن الهدف من المشاورات غير المباشرة يجب أن يكون إنهاء الوضع الانقلابي بوضوح وإنشاء وضع دستوري جديد يؤسس لسلطة مدنية انتقالية ذات مشروعية شعبي، مؤكدا أنه ينظر بتقدير للدور الذي ظلت البعثة الأممية تقوم به منذ إنشائها.
وطالب بتكوين آلية دولية مشتركة لإسناد مبادرة (يونيتامس) تضم الأمم المتحدة والترويكا والاتحاد الأفريقي، مؤكدا على ضرورة تحديد سقف زمني للعملية السياسية.
ولفت المجلس المركزي لـ«الحرية والتغيير» إلى أن قادة الانقلاب تعاملوا مع المبادرة الأممية بصورة قللت من قيمتها، عبر زيادتهم لوتيرة القتل والعنف والاعتقالات عقب إطلاقها وتشجيع حملات عناصر النظام السابق للهجوم عليها، مشيرا إلى أن ذلك لا يتوافق مع توفير البيئة المواتية لتمكينها من بلوغ غاياتها.
وقتل 79 شخصا خلال التظاهرات الرافضة للانقلاب العسكري في 25 أكتوبر/تشرين الأول الماضي، حسب لجنة أطباء السودان المركزية، بينما أصيب أكثر من2000 شخص، حسب منظمة حاضرين لعلاج مصابي الثورة السودانية.
واعتقلت الأجهزة الأمنية العشرات من معارضي الانقلاب من لجان المقاومة وقوى «الحرية والتغيير» والناشطين السياسيين، في وقت تحتجز حوالى 80 شخصا تشتبه بمشاركتهم في الاحتجاجات في سجن سوبا، جنوب الخرطوم، دون توجيه تهم او إجراء تحريات معهم، حسب هيئة محامي الطوارئ.
وفي تقييمه لمرحلة المشاورات غير المباشرة، رأى أستاذ العلوم السياسية في جامعة النيلين، مصعب محمد علي، والذي تحدث لـ«القدس العربي» أن البعثة الأممية استطاعت أن تجلس مع أطراف عديدة طوال فترة التشاور، ونجحت في ذلك، عدا بعض الأطراف الرافضة لمبادرة البعثة.

جمع كل الأطراف

وبيّن أن (يونيتامس) استمعت لكل الأطراف الفاعلة في المشهد السياسي، مشيرا إلى أن ذلك سيساعد في المضي قدما في المبادرة وطرح نتائج المشاورات في العملية السياسية، وصولا لحل متفق عليه للأزمة السودانية.
ورجح أن تستطيع البعثة الأممية في المرحلة المقبلة من العملية السياسية، جمع كل الأطراف في حوار برعاية أممية، والاتفاق على نقاط وخطوط محددة يتم الحوار النهائي حولها.
وزاد أن نجاح العملية السياسية في السودان مرهون بوضع إطار زمني واضح يحكم العملية، وبتوفير ضمانات لها حتى لا يرى البعض أن البعثة تقف مع طرف دون الآخر.
الصحافي والمحلل السياسي ماجد محمد علي، قال لـ«القدس العربي» إنه «استنادا لطبيعة الحوارات التي جرت بين المبعوث الأممي، ومن شارك في المشاورات التي ضمت أيضا أحزابا وتنظيمات مهنية، فإن البعثة تبلورت لديها رؤية واضحة حول المسار الذي يجب أن تمضي إليه جهود الأمم المتحدة خلال المرحلة المقبلة من الحوار، وشكل الحلول التي يمكن أن يقبلها الشارع السوداني المتمسك بسلطة مدنية انتقالية وخروج العسكر من المشهد السياسي».
وأضاف: «ستقوم البعثة الآن بصياغة الرؤى المختلفة للأطراف السودانية التي التقتها في شكل مسودة تمهيدية، بعدها ستقود جولة أخرى للحوار حول المسودة مع الأطراف المختلفة، للخروج بخلاصة نهائية».
وأوضح أن «نجاح الجهود الأممية لحل الأزمة السياسية في البلاد مرهون بموقف قادة الانقلاب، لأن جميع الأطراف الأخرى تكاد تتفق على مدنية الحكم وخروج العسكر من العملية السياسية بشكل نهائي» لافتا إلى أن «ما يصدر عن المجلس الانقلابي الآن يشير إلى أنه لا يرغب في التراجع ويعمل من خلال القمع والقتل والاعتقالات لنسف المبادرة تماما والانفراد بالحكم».

تهيئة مناخ صحي

في السياق، طالب «حزب الأمة القومي» الجمعة، بتهيئة مناخ صحي وبناء الثقة لأي عملية سياسية لإخراج البلاد من أزمتها الحالية.
جاء ذلك لدى لقاء نائبة رئيس الحزب مريم المهدي، القائمة بأعمال السفارة الأمريكية في الخرطوم لوسي تاملين، والملحق السياسي بالسفارة جاستن وليامسون، وفق بيان للحزب.
وتطرق اللقاء إلى «أهمية بناء الثقة والمناخ الصحي لأي عملية سياسية، وأن استمرار العنف والقتل والاعتقال وقمع المواكب (المظاهرات) مخالف لكل الأعراف الدولية ويجب أن يتوقف فورا لفتح الطريق أمام التحول الديمقراطي والحكم المدني». كما ناقش اللقاء «أهمية دور المجتمع الإقليمي والدولي في مساعدة السودانيين للتوصل لحل الأزمة الراهنة».
وأوضحت المهدي، وفقا للبيان أن «الانتخابات الحرة والنزيهة لديها استحقاقات سياسية وإدارية تتطلب الوقت الكافي، وأن علاقات السودان مع الدول يجب أن تقوم على الشفافية والمصالح المشتركة».
وقدمت المهدي شرحا لمواقف حزبها من الأزمة الراهنة، وقيادته حملة تواصل مع كل أصحاب المصلحة في التحول الديمقراطي.
كذلك دعا نائب رئيس مجلس السيادة السوداني محمد حمدان دقلو «حميدتي» المكونات السياسية والاجتماعية إلى التوافق حول خريطة طريق لحل الأزمة في البلاد.
جاء ذلك خلال خطاب ألقاه أمام آلاف الطلاب والشباب في حفل تدشين منظمة «أيادي الخير» في الخرطوم بمبادرة شبابية برعاية «حميدتي» للعمل في الحقل الإنساني والطوعي‎.
وقال «حميدتي»: «لا بد أن نتعاون، بلدنا فيها خيرات كثيرة ويجب أن تكون لدينا خريطة طريق» مشددا على أن «كل من يعرقل الوفاق نتجاوزه وما لدينا هو مشروع وليس برنامجا».
وأضاف: «البترول والغاز والذهب وكل أنواع المعادن موجودة في السودان والمشكلة فينا نحن» فيما دعا حميدتي أهل السودان إلى «نبذ العنصرية والجهوية والقبيلة».
وأعلن عن «حملة خلال الأيام المقبلة لوقف التهريب عبر حدود السودان» قائلا: «سنوقف كل أنواع التهريب خلال الأيام المقبلة».
ومنذ 25 أكتوبر/ تشرين الأول 2021، يشهد السودان احتجاجات ردا على إجراءات استثنائية اتخذها قائد الجيش عبد الفتاح البرهان، أبرزها فرض حالة الطوارئ وحل مجلسي السيادة والوزراء الانتقاليين، وهو ما تعتبره قوى سياسية «انقلابا عسكريا» في مقابل نفي الجيش. ووقع البرهان ورئيس الوزراء عبد الله حمدوك، في 21 نوفمبر/ تشرين الثاني الماضي، اتفاقا سياسيا تضمن عودة الأخير إلى رئاسة الحكومة الانتقالية، وتشكيل حكومة كفاءات، وإطلاق سراح المعتقلين السياسيين.
لكن في 2 يناير/ كانون الثاني الماضي، استقال حمدوك من منصبه، في ظل احتجاجات رافضة لاتفاقه مع البرهان، ومطالبةً بحكم مدني كامل.

كلمات مفتاحية

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إشترك في قائمتنا البريدية