كنت أبحث عن بلد يقبلني بما أنا عليه من شتات، فدخلت مدينة كلّ من فيها بعين واحدة. قيل إنّهم خُيّروا بين نصف البصر ونصف الحكمة فقبلوا البصر. وما عليّ إلا أن أفقد إحدى عينيّ ليقبلوني بينهم. فخرجت…
وكان أمام بصري بلد آخر كلّ من يسكنه يعلّق يده برقبته، قالوا رأى كلّ منهم في منامه يده تسرق فعلّقها في رقبته. أصبحت مخيّرا في أن أنتظر حلما أجدني أسرق فيه فأعلق يدي في عنقي، فلم يرق لي الحال…
وابتعدت إلى حيث مدينة أخرى كلّ أناسها برجل واحدة وعرفت أنّ أيّا منهم حلم برجله تقوده إلى الخطيئة، فتجرّد منها. وما عليّ إذا أحببت أن أعيش بينهم أن أنتظر حلما أفقد فيه إحدى رجليّ، فهربت من حلم ينتظرني أو أنتظره.
لكني لم أبصر أيّ بلد بعد، ولا مكان لي.
كالمستسلم رجعت إلى آخر مدينة كرهتها، فوجدت سكانها دون أرجل، يقولون راود كلا منهم حلم ثان، فتحرروا من أرجل تقودهم إلى الخطايا، أمّا أي غريب يدخل فلينتظر حلمين يقطع بعدهما رجليه كي لا يذهب إلى خطيئة ما.
وقد وجدت حين دخلت المدينة الأخرى أهلها يعلقون أيديهم في رقابهم. هناك حلم آخر راودهم وأنا أنتظر حلمين حتّى أصبح دون يدين وقد يأتي الحلم على عجل أو يتأخر أشهراً وسنوات، فأخرج من حيرتي إلى المدينة الأولى. فوجدتهم بغير عيون، قالوا إنهم خُيِّروا بين فقدان البصر وكلّ الحكمة فاختاروها عبر حلم آخر.
كاتب عراقي
ظهر في سياق هذه الحكايةالقصيرة بعث يهدد النص بالتوسع، لأن ما ينطق في
الأسلوبية المركبة هو حوار بين صوتين متماثلين ومتصلين في حنكة تتساوى على أرضيتها اشتقاق البلاغة المحكمة لتشكل سياق صوتي في النظام القصصي الحديث، والمغزى هو تبني الكاتب للمجاز اللغوي المنفتح على تقطيع محاكاة الصوّر من حيث قوة معانيها المركزة على التشخيص الإشاري، وفي الوقت ذاته تسوق التوضيح ما بين الخاص والعام في المعترك للظواهر المعيونة في النظام الديالكتيكي بين التفكير والتعبير في سلة واحدة، حتى يختص اختلافها بالرمزية التي قادت القصة إلى المصبات في نشأة النظم الاعتباطية من حيث عناوينها، شكراً أ. د. قصي الشيخ عسكر لهذا التدوير الأسلوبي بين الحبكة وميزان المعنى.