روسيا: الاستخبارات الأمريكية تخطط لاستهدافنا مع حلفائنا في سوريا وواشنطن لم تبلغنا بعملية «القرشي»

هبة محمد
حجم الخط
0

دمشق – «القدس العربي» :لم تصل التوافقات الأمريكية – الروسية حول سوريا إلى ضفة الاتفاق الشامل، كما لم تنزلق الخلافات بينهما إلى نقطة اللاعودة، فموسكو تدفع النظام السوري لتكرار مطالبه بضرورة انسحاب الجيش الأمريكي من سوريا، وفي تارات أخرى تتولى روسيا بذاتها الإدلاء بتلك المطالب، فيما تحافظ واشنطن على موقفها من البقاء في البلاد تحت عنوان مكافحة الإرهاب ومنع تنظيم «الدولة» من تجميع ولملمة أوراقه مجدداً، وبين المطالب الروسية والمواقف الأمريكية تبقى سوريا، الساحة الأكثر هشاشة لتصفية الحسابات أو خلط الأوراق بين الأطراف الفاعلة.

خبراء لـ «القدس العربي»: الصدام مستبعد وموسكو تعيش «رهاب» الكابوس الأفغاني

مع حالة التوتر والترقب التي يعيشها العالم حيال الأزمة الأوكرانية والتوقعات بغزو روسي لكييف، عادت الساحة السورية للواجهة مرة أخرى، فواشنطن أرسلت رسائل تحذيرية وكذلك تذكيرية لموسكو بأن الأخيرة لديها قواعد عسكرية في سوريا. وحذر الجنرال في الجيش الأمريكي «إريك كوريلا»، الذي تم تعيينه لتولي منصب القائد الأعلى للولايات المتحدة في الشرق الأوسط أعضاء مجلس الشيوخ من أنه إذا غزت روسيا أوكرانيا، فقد يؤدي ذلك إلى عدم استقرار أوسع في الشرق الأوسط، بما في ذلك سوريا، معتبرًا في ذات الوقت أن إيران تمثل أكبر تهديد لهم.
التصريحات الأمريكية، ردت عليها روسيا، عبر نائب وزير الخارجية، أوليغ سيرومولوتوف، الذي قال بدوره: موسكو تملك معلومات عن نية الاستخبارات الأمريكية استغلال من سماهم بـ «المتطرفين النائمين» في سوريا، لتنفيذ عمليات ضد روسيا وإيران وكذلك النظام السوري. واستطرد الدبلوماسي الروسي قائلا وفق ما نقلته وكالة «تاس»: القوات الروسية في سوريا تتخذ إجراءات مناسبة للتعامل مع أي حوادث محتملة من هذا النوع. الرواية الروسية الأخيرة، سبقها إعلان من قبل جهاز الاستخبارات الخارجية الروسية، من مخطط تقوم به الاستخبارات الأمريكية لتعبئة «خلايا متطرفة نائمة» في العاصمة السورية دمشق وريفها، ومحافظة اللاذقية في الساحل، بغية شن هجمات مركزة على عناصر لأجهزة الأمن السورية والقوات الروسية والإيرانية.
الباحث لدى المركز العربي في واشنطن رضوان زيادة، قال لـ«القدس العربي»: هنالك أزمة أمريكية – روسية في أوكرانيا وهناك تفاهمات هشة في سوريا، وبالتالي ستحصل سوريا على نصيبها من التوتر في أوكرانيا بين الطرفين كونهما يتواجدان فيها بقوة عسكرية. كما استبعد في ذات الوقت أن تتطور الخلافات بين واشنطن وموسكو في سوريا إلى صدام عسكري، مشيراً إلى أن الساحة السورية لن تأخذ في الوقت الحالي أي بعد عسكري. إلا إذا نفذ أحد الأطراف هجمات عسكرية ضد الطرف الآخر، وهو احتمال وارد، لكن ضعيف للغاية، مرجعاً ذلك إلى القناعات السائدة لديهما بإبقاء الأوضاع في سوريا على ما هي عليه كأفضل الحلول في الفترة الحالية.
الخلافات الروسية – الأمريكية حول سوريا والتي بدأت ملامحها بتصريحات من كلا الجانبين، لها أسباب دولية تتجاوز الحدود السورية، فموسكو وواشنطن كانتا قد اتفقتا في جنيف السويسرية العام الفائت، على تطبيق استراتيجية خطوة بخطوة، من أجل إيجاد حل للحالة السورية، والتركيز على الوضع الإنساني جراء عدم التوصل لحلول للقضايا السياسية والعسكرية الشائكة.
المحلل السياسي السوري درويش خليفة قال لـ «القدس العربي»: رغم انتهاء الأعمال القتالية في العديد من المحافظات السورية إلا أن روسيا والحلف الذي تديره لا زالوا يطبقون معادلات أمنية شديدة، من انتشار واسع للحواجز العسكرية والأمنية، وتوغل الميليشيات العابرة للحدود في المجتمع السوري، علاوة على الهيمنة العسكرية والسياسية الروسية على مفاصل الدولة في البلاد، لذلك فإن السيناريو الذي طرحته روسيا حول مخطط أمريكي لدعم خلايا وتوجيهيها لاستهداف المحور الروسي- الإيراني برفقة النظام السوري هو سيناريو مستبعد. لكن، الهزيمة التي منيت روسيا فيها في أفغانستان لا تزال عالقة في أذهان سادة الكرملين، وبالتالي نرى هذه الهواجس لا تبرح ذاكرتهم في سوريا، خشية دعم الولايات المتحدة الأمريكية لأي مجموعات خفية في العاصمة – دمشق أو في بقية المحافظات الخاضعة للهيمنة الروسية قد تتسبب بزعزعة الحالة الروسية في سوريا.
المتحدث يعتقد في وجود سبل ووسائل أمريكية أخرى للضغط على السياسة الروسية في سوريا دون اللجوء للمحاكاة التي أشارت إليها التصريحات الروسية، وعلى سبيل المثال، هنالك إمكانية لفرض عقوبات عندما تقوم المقاتلات الروسية بقصف المنشآت الحيوية والبنية التحتية والمدارس في سوريا، وكذلك هو الحال بالنسبة للنظام السوري.
ولا تبدو أوكرانيا وحدها السبب الرئيسي للغضب الروسي من السياسة الأمريكية في سوريا، فالكرملين وفق تصريحات الخارجية الروسية لديه مشاكل أخرى مع الأمريكان محصورة داخل الجغرافية السورية، إذ قال نائب وزير الخارجية الروسية، أوليغ سيرومولوتوف للصحافيين: «الولايات المتحدة لم تبلغ موسكو بنية توجيه ضربة لزعيم «داعش» في سوريا». وأضاف، وفق ما نقلته وكالة سبوتنيك: «لم يبلغونا بالضربة، قالوا فقط إنه سيتم تنفيذ عملية، ولم يحددوها، وهذا هو إجراء اعتيادي في قواعد منع الاشتباك»، مؤكدا على التزام واشنطن بإجراءات عدم الاشتباك مع موسكو في سوريا.
الانزعاج الروس من عدم إبلاغهم أمريكيا قبيل عملية تصفية زعيم تنظيم «الدولة» «القرشي» مطلع شهر فبراير- شباط الحالي في الشمال السوري، علق عليه مدير مركز جسور للدراسات محمد سرميني بالقول: من حيث التوقيت، يُمكن القول إن هذا التصريح مؤشر على استياء روسيا من عملية اغتيال الولايات المتحدة لزعيم تنظيم داعش، أي كدعاية للتشكيك بنواياها في مكافحة الإرهاب. وقال لـ«القدس العربي»: من حيث القضية، فمكافحة الإرهاب هي إحدى القضايا الخلافية بين الطرفين منذ عام 2016، وروسيا تأمل أن يكون هناك تنسيق مشترك حول الإرهاب مع أمريكا، لكن ما يعيق ذلك هو اختلاف الرؤية والأدوات والفهم. لكن بشكل عام، هذا التصريح «ينسجم مع التوجه الدعائي الروسي المعتمد منذ سنوات في التعامل مع الموقف الغربي في سوريا، وهو يتكرر بمضامين متقاربة بشكل دوري، وهي تصريحات غالبا ما تقوم على معلومات مضللة لدعم دعاية وأهداف روسيا». واستبعد المتحدث أن يحمل التصريح الأخير أي دلالات عن تغير فعلي في الموقف، إلا إذا كانت روسيا تنوي استخدام يافطة المجموعات المتطرفة، في السويداء مثلاً، ولذا فهي تسعى بشكل استباقي إلى اتهام الولايات المتحدة بهذا التوظيف.
أما المحلل السياسي درويش خليفة، فقال: من الحالة الطبيعة عدم قيام الولايات المتحدة بإبلاغ روسيا بالعملية الأمنية التي استهدفت زعيم تنظيم «الدولة» في الشمال السوري قبل أيام. معللاً ذلك بإن العمليات الأمنية التي تقوم بها واشنطن في مثل هذه المناطق، بداية تكون سرية للغاية ويتخذ قرارها خلال وقت قصير لا يتجاوز السويعات، لكنهم قد يعطون إشارات للدول الفاعلة في سوريا قبل وقت قليل من بدء العملية.
ما بين التوافقات والاختلافات في وجهات النظر بين الأطراف الفاعلة في المشهد السوري، تسير العملية السياسية في البلاد على ذات الخطى، فيما يعتزم المبعوث الأممي الخاص غير بيدرسون زيارة دمشق يوم الثلاثاء، حاملاً في جعبته استراتيجية «خطوة بخطوة»، التي يبدو النظام السوري متفاعلا معها، في حين أن المعارضة السورية رفضتها في التاسع من شهر فبراير- شباط الحالي.
صحيفة «الوطن» المقربة من النظام السوري، أوضحت أن بيدرسون سيبحث أيضا مع وزير الخارجية والمغتربين فيصل المقداد، والرئيس المشترك للجنة صياغة الدستور أحمد الكزبري إمكانية عقد جولة سابعة من مفاوضات لجنة صياغة الدستور.

كلمات مفتاحية

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إشترك في قائمتنا البريدية