يتوجه الكثير من الشبان العاطلين عن العمل في قطاع غزة، لخوض مهنة جمع معادن الألمنيوم والنحاس وبعض الأواني البلاستيكية، لبيعها لتحسين أوضاعهم وذويهم المتردية اقتصادياً بسبب الحصار الإسرائيلي المفروض على القطاع منذ أكثر من عشر سنوات، حيث تتجول بشكل ملحوظ عربات تجرها الحيوانات وأخرى تعمل بالوقود، تجمع المخلفات الصلبة بأنواعها.
ويتم جمع وبيع الخردة من نحاس وحديد وألمنيوم بأسعار زهيدة إلى التجار، ويقوم التجار بدورهم بضغطها وتحويلها على شكل مكعبات لتصديرها إلى إسرائيل، ويتولى الجانب الإسرائيلي تنظيفها وصهرها وإعادة بيعها للتجار في قطاع غزة على شكل لفائف حديدية وأسياخ، وتستورد إسرائيل كميات كبيرة من المعادن المستهلكة من القطاع، وطبقاً للمحللين الاقتصاديين فقد وفرت هذه العملية فرص عمل للمواطنين في القطاع.
ويعمل القائمون على جمع النفايات المعدنية منذ طلوع الشمس حتى حلول الليل، حيث يقومون بجمع العلب المعدنية للمشروبات الغازية وعبوات طعام معدنية، إلى جانب الأواني البلاستيكية. وعند المرور عند مكبات النفايات المنتشرة في قطاع غزة، تجد الشبان والأطفال يتجولون بين الأكياس والفضلات والروائح الكريهة، باحثين عن المعادن ليتم جمعها وبيعها لشركات متخصصة، تعمل على تصديرها.
ولا تبدو هذه المهنة مدرة للمال على الرغم من حجم المخاطر التي يتعرض لها العاملون فيها من الإصابة بالأمراض الخطيرة، نظراً لبحثهم عن تلك المعادن داخل مكبات القمامة، إذ يصل سعر الكيلو من المعادن عند بيعها للشركات 3 شيكلات إسرائيلية، وفي نهاية كل أسبوع لا يتعدى جني من يعملون في هذه المهنة أكثر من 50 شيكلا، بل تعود الفائدة على التجار الذين يصدرونها للخارج.
يقول صالح ورش أغا صاحب مستودع لجمع المعادن المستعملة، أنه يستقبل بشكل يومي كميات وفيرة من المعادن المختلفة والبلاستيك من قبل شباب يعملون على جمعها وبيعها له، حيث يتم فرز المعادن كل حسب نوعيته داخل المستودع، استعداداً للتصدير، إلى جانب إعادة تدوير البلاستيك داخل قطاع غزة، واستخدامه في صناعة خزانات المياه والكراسي.
ويقول لـ«القدس العربي» أنه يجمع كل شهر ما يقارب من 150 طنا من المعادن، ويتم كبسها باستخدام مكابس خاصة بالحديد على شكل مكعبات ورصها، ومن ثم تصديرها سواء للجانب الإسرائيلي أو المصري، وحسب صالح فإن بيعها للخارج مدر للمال.
ويضيف أن هذه المهنة على الرغم من خطورتها خاصة على العاملين في جمعها، إلا أنها توفر مصدر دخل يسد من خلاله رمق جوعهم، في ظل الأوضاع المعيشية الصعبة وغياب فرص العمل، ودفع بعض أولياء الأمور أبنائهم للعمل في هذه المهنة لجلب المال.
في سياق ذلك أكد الخبير الاقتصادي معين رجب أن فكرة إعادة تدوير المعادن، يتم التعامل بها في كافة بلدان العالم، فهي تشغل الأيدي العاملة وتوفر على الدول مبالغ كبيرة، من خلال إعادة تدوير المعادن المستهلكة من جديد، بدلاً من شراء المعادن التي ترتفع أسعارها عالمياً بين الفينة والأخرى.
وبين رجب لـ«القدس العربي» أن المجتمع في قطاع غزة كونه مستهلك أكثر ما هو منتج، تتراكم في شوارعه المعادن التالفة التي يتخلص منها المواطنون بشكل يومي، لكن نظراً لافتقار غزة للمصانع والمعدات والآلات الثقيلة، التي من شأنها أن تعيد تدوير مخلفات المعادن بسبب الحصار، تجد صعوبة في إعادة تدوير المنتجات المعدنية.
وأوضح أن خوض أعداد كبيرة سواء في تجارة المعادن أو جمعها، جاء نتيجة لارتفاع نسبة البطالة وانحسار سوق العمل في السوق المحلي، ووصول معدلات الفقر إلى حاجز 80 في المئة، والبطالة لامست مؤشراتها معدل 75 في المئة، وهي معدلات خطيرة ومرتفعة لم تسجل من قبل.
وتنظر الجهات الحكومية في القطاع بقلق لتصاعد عمل الأطفال العاملين في هذه المهنة الخطيرة على صحتهم. الناطقة باسم وزارة التنمية الاجتماعية في غزة عزيزة الكحلوت قالت في تصريحات صحافية، بعد عملية تتبع أن هناك مجموعة من الأطفال يتسربون من المدارس بسبب حاجتهم للعمل لتوفير الطعام من جهة، أو بسبب عدم توافر الأدوات المدرسية والزي لعدم مقدرتهم على شرائه من جهة أخرى، فتعيدهم وزارة التنمية الاجتماعية إلى المدارس مع توفير القرطاسية والزي المدرسي لهم، وكذلك استطاعت الوزارة تسجيل بعضهم في مخصصات الشؤون الاجتماعية المالية.
وأضافت أنه من الصعب إحصاء أعداد الأطفال الذين يعملون في مجال البحث عن مصدر رزقهم بين النفايات، لكن يمكن القول إنهم بالآلاف واستطاعت الوزارة تتبع حالتهم، حتى وصلت لنتيجة بأن عائلاتهم لا تعيش حياة كريمة، وتحاول الوزارة إنقاذ عدد كبير منهم من خلال توفير طرود غذائية لهم بشكل شهري.
ووفق تقارير دولية، فإن انتشار المخلفات المعدنية يؤدي إلى مخاطر بيئية وصحية جسيمة، تبدأ بالتلوث الجمالي وتشويه الصورة الحضارية للمدن والقرى والسواحل البحرية، وتنتهي بالأضرار البيئية المترتبة على تحلل هذه المخلفات بمرور الزمن بفعل التآكل المعدني، وما يسببه من انتشار الصدأ وتسرب الزيوت والمعادن الثقيلة إلى التربة والمياه، وهذا ما عانت منه بلديات قطاع غزة قبل أعوام، نتيجة منع إسرائيل عملية تصدير المعادن المتكدسة.