الخرطوم ـ «القدس العربي»: وصفت السلطات السودانية، فجر الثلاثاء، إعلان إثيوبيا البدء في عملية إنتاج الكهرباء من سد النهضة، بـ«الخطوة الأحادية» مؤكدة رفضها لما اعتبرته «خرقا جوهريا» للالتزامات القانونية الدولية لأديس أبابا وإعلان المبادئ الموقع في الصدد. في حين أكد المتحدث باسم وفد السودان في مفاوضات سد النهضة، السفير عمر الفاروق، في تصريح لـ«القدس العربي» أن السودان لم يتلق أي دعوة لجولة مفاوضات جديدة، بخصوص ملء وتشغيل السد مثار الخلاف بين الخرطوم وأديس أبابا والقاهرة منذ بدء إنشائه في عام 2011.
ورغم خطوات إثيوبيا الأخيرة، أكدت الخرطوم أنها ظلت تشارك في جميع جولات مفاوضات سد النهضة لقناعتها بإمكانية تحقيق اتفاق يُراعي مصالح الأطراف الثلاثة.
ويوم الأحد، أعلن رئيس الوزراء الإثيوبي، آبي أحمد، رسميا تشغيل أول توربين لتوليد الطاقة الكهربائية من سد النهضة.
وتقول إثيوبيا، إن سد النهضة الواقع على النيل الأزرق، على بعد حوالى 20 كيلومترا من الحدود السودانية، قادر على توليد 5150 ميغاوات عند اكتماله، والذي يفوق ضعف إنتاجها الحالي من الكهرباء، بينما أكد الإعلام الرسمي الإثيوبي أن السد بدأ فعليا في إنتاج 375 ميغاوات.
وأعلن أحمد في تغريدة على حسابه في «تويتر»: «بدأ عمل أول توربين في سد النهضة، أكبر محطة لتوليد للطاقة الكهربائية في أفريقيا، وهذا خبر جيد لقارتنا ولدول المصب التي نطمح للعمل معها، وبينما تحتفل إثيوبيا بميلاد عهد جديد، أهنئ جميع الإثيوبيين».
«خرق جوهري»
لكن فجر أمس، صدر بيان للوفد التفاوض السوداني، الخاص بسد النهضة، على موقف الخرطوم، شدد على موقف الخرطوم الرافض لكل الإجراءات الأحادية الجانب في كل ما يتعلق بملء وتشغيل السد.
وحسب، البيان، ما تم اتخاذه من إجراءات خاصة بالملء الأول والملء الثاني والإجراء الأخير المتعلق ببدء تشغيل توربينات توليد الكهرباء، يتنافى مع روح التعاون ويشكل خرقاً جوهرياً للالتزامات القانونية الدولية لإثيوبيا، كما يخالف ما تم الاتفاق اٍعلان المبادئ بين الدول الثلاث، الموقع في الخرطوم، في مارس/آذار 2015.
وأضاف: تابعت حكومة جمهورية السودان التطورات الأخيرة في ملف سد النهضة، وتؤكد على موقفها الثابت في ملف سد النهضة المتمثل في ضرورة الوصول إلى اتفاق قانوني بشأن ملء وتشغيل السد.
وشدد على أن موقف السودان قائم على مرجعية القانون الدولي، وإعلان المبادئ المُوقع بواسطة الدول الثلاث.
ولفت بيان السودان إلى حديث رئيس الوزراء الإثيوبي حول سد النهضة باعتباره مثالا جيدا على مبدأ التعاون لصالح جميع شعوب والدول المتشاطئة دون التسبب في ضرر كبير، داعيا إثيوبيا إلى العمل بما يطابق أقوالها واتخاذ خطوات حقيقية على الأرض، بما يوافق ذلك.
وأكد أن مشاركته في جميع جولات التفاوض تنطلق من قناعته بإمكانية تحقيق اتفاق يراعي مصالح الأطراف الثلاثة، بما في ذلك مبادراته خاصة التي تمخضت عن التوقيع على اتفاقية إعلان المبادئ في الخرطوم في مارس/آذار 2015.
لم يتلق دعوة لمفاوضات جديدة… وخبراء رأوا في تصرف أديس أبابا «دعاية سياسية»
ورحب البيان بتولي السنغال رئاسة الاتحاد الأفريقي، داعيا إلى تعزيز دور الاتحاد الأفريقي بما يمكّن جميع الأطراف من الوصول إلى اتفاق في إطار زمني محدد، وبما يشمل تغيير منهجية التفاوض القائمة.
يشار إلى أن الاتحاد الأفريقي جمد عضوية السودان، منذ انقلاب قائد الجيش عبد الفتاح البرهان على الحكومة الانتقالية في الخامس والعشرين من أكتوبر/ تشرين الأول الماضي.
وسبق أن اعتبرت الحكومة المصرية البدء بشكل أحادي في عملية تشغيل سد النهضة، بعد الشروع أحادياً في المرحلتين الأولى والثانية من ملء السد «إمعاناً في خرق التزامات أديس ابابا، بمقتضى اتفاق إعلان المبادئ لسنة 2015، الموقع من قِبَل رئيس الوزراء الإثيوبي» حسب بيان لوزارة الخارجية المصرية الأحد.
ونص إعلان المبادئ الموقع بين الدول الثلاث على «التعاون على أساس التفاهم والمنفعة المشتركة والمكاسب للجميع وفق القانون الدولي وتفهم الاحتياجات المائية لدول المنبع والمصب بمختلف مناحيها، على أن تتخذ الدول الثلاث كافة الإجراءات المناسبة لتجنب تسبيب ضرر ذي شأن خلال استخدامها النيل الأزرق».
وأكد الإعلان على «استخدام الدول الثلاث لمواردها المائية المشتركة في أقاليمها الثلاثة، بأسلوب منصف ومناسب ومبدأ التعاون في ملء وإدارة السد، فضلا عن الاتفاق على الخطوط الإرشادية وقواعد التشغيل السنوي لسد النهضة، مع جواز ضبطها من وقت لآخر لمالك السد، مع إخطار دولتي السد بأي ظروف غير منظورة أو طارئة تستدعي إعادة الضبط لعملية تشغيل السد».
كذلك أقرت الأطراف الثلاثة، وفق الاتفاق «مبدأ أمن السد والتسوية السلمية للمنازعات من خلال المشاورات أو التفاوض، أو طلب التوفيق أو الوساطة في حال لم تنجح المفاوضات، على أن يكون بطلب من الدول الثلاث».
ورغم تفاؤل الخبراء وقتها، بإمكانية المضي بملف سد النهضة إلى الأمام، إلا أن الملف ظل موضوع نزاع بين الخرطوم والقاهرة وأديس أبابا حتى الآن. وبعد حوالى أربعة أشهر من فشل جولة التفاوض الأخيرة حول سد النهضة، صعدت الخرطوم والقاهرة، في سبتمبر/ أيلول2021، القضية لمجلس الأمن الدولي.
وأكد البلدان أن المفاوضات لم تحقق أي تقدم بعد رفض إثيوبيا لمقترح قدمه السودان وأيدته مصر دعا لتشكيل وساطة رباعية دولية، تشمل الولايات المتحدة والأمم المتحدة والاتحاد الأوروبي، ويقودها الاتحاد الأفريقي للتوسط بين الدول الثلاث، الأمر الذي رفضته إثيوبيا متمسكة بوساطة الاتحاد الأفريقي فقط.إلا أن مجلس الأمن أحال الملف مرة أخرى للاتحاد الأفريقي، داعيا الدول الثلاث إلى المضي قدما بطريقة بناءة وتعاونية، في عملية المفاوضات التي يقودها الاتحاد الأفريقي.
الخبير الدبلوماسي الرشيد أبو شامة، قال لـ«القدس العربي» إن الخطوة الإثيوبية ليست ذات أثر كبير، مرجحا أن تكون في إطار الدعاية السياسية لرئيس الوزراء الإثيوبي آبي أحمد، في ظل الضغط الداخلي الذي تعاني منه حكومته.
ولفت إلى الآمال المعقودة على السنغال باعتبارها الرئيس الجديد للاتحاد الأفريقي للمضي بالملف شديد التعقيد إلى الأمام، بعد فشل الرئيس السابق للكونغو في هذا الصدد.
ورأى أن الأوضاع الداخلية في السودان وعدم وحدة مركز القرار في داخله أو الموقف بخصوص السد، فضلا عن عدم الرفض الشعبي لانقلاب قائد الجيش وعدم اعتراف دول عديدة بالنظام الراهن، يجعل موقف السودان ضعيفا خلال المرحلة الراهنة، وليس ذا ثقل بخصوص السد، كما كان خلال الفترة الانتقالية حيث تصدر سد النهضة أولويات الحكومة.
ولفت إلى أن زيارة نائب رئيس المجلس السيادي محمد حمدان دقلو «حميدتي» لأديس أبابا مطلع الشهر الجاري، كانت محاولة لضمان الجانب الإثيوبي في ظل الوضع الراهن في السودان، مشيرا إلى أن آخر ما تريده السلطة الانقلابية هو فتح جبهة جديدة مع أديس أبابا، في ظل الوضع الفوضوي في السودان.
وأضاف: ما يحدث في السودان ربما يحفز إثيوبيا للمضي في خطوتها الأحادية فيما يلي سد النهضة، في ظل غياب سلطة ذات سند دولي في الخرطوم، مشيرا إلى المواجهة الراهنة بين القاهرة وأديس أبابا بالخصوص.
أما أستاذ العلوم السياسية في جامعة النيلين، مصعب محمد علي، فقال لـ«القدس العربي» إن خطوة إثيوبيا الأخيرة تعتبر خرقا لاتفاق المبادئ الموقع بين الدول الثلاث، والذي نص على التعاون المشترك في كل خطوات السد، مشيرا إلى أن إثيوبيا خرقت الاتفاق منذ الملء الأول ثم الثاني في السنة الماضية.
تخفيف الضغط
واتفق علي مع أبو شامة بشأن قراءته الموقف الإثيوبي، بوصفه يأتي في إطار الدعاية السياسية، خاصة وأن إثيويبا خرجت من نزاع بين الحكومة وجبهة تحرير تيغراي، مشيرا إلى أن الهدف من خطوة إعلان بدء توليد الكهرباء من سد النهضة الغرض منها تخفيف الضغط الداخلي على آبي أحمد.
ووفق علي، الوضع الراهن لا يؤثر على عودة التفاوض بين الدول الثلاث لأن تعليق عضوية السودان في الاتحاد الأفريقي، وأزمة السد منفصلان عن بعضهما البعض، مشيرا إلى أن المفاوضات لن تتأثر بالوضع السياسي في البلاد، ويمكن أن يبدأ التفاوض إذا رغبت الأطراف في جلسة قمة رئاسية مشتركة.
وأكد أن العودة للتفاوض يمكن أن تساعد في تأخير الخطوات الأحادية لإثيوبيا وتساهم في تسهيل تبادل المعلومات الفنية بين الأطراف الثلاثة، مؤكدا أن استمرار إثيوبيا بخطواتها المنفردة قد يهدد المنطقة بتفاقم النزاع.