الخرطوم – «القدس العربي»: شارك الآلاف في التظاهرات التي انطلقت، أمس الخميس، في العاصمة السودانية الخرطوم، ومدن أخرى، للمطالبة بإسقاط الانقلاب وتسليم السلطة للمدنيين، في وقت اختتم خبير الأمم المتحدة المعني بحقوق الإنسان، آداما دينغ، زيارته للبلاد التي استمرت لخمسة أيام، بينما ينتظر أن يقدم تقريراً مفصلاً في الصدد لمجلس حقوق الإنسان، بجنيف، في يونيو/ حزيران المقبل.
وواجهت الأجهزة الأمنية التظاهرات التي دعت لها لجان المقاومة وتجمع المهنيين السودانيين، أمام القصر الرئاسي وشارع الستين شرق الخرطوم، ومدينة بحري، بإطلاق الغاز المسيل للدموع والقنابل الصوتية بكثافة، مما أسفر عن سقوط عدد من الإصابات، بينما نفذت الأجهزة الأمنية حملة اعتقالات في محيط القصر الرئاسي، ولم تعلن الجهات المختصة أعداد المصابين والمعتقلين بعد.
وقال المتحدث الرسمي باسم تنسيقيات لجان المقاومة في مدينة الخرطوم، أحمد عثمان، لـ”القدس العربي”، إن عملية رصد المصابين والمعتقلين ما زالت جارية، مشيراً إلى أن تواصل وتعدد التظاهرات المليونية، تؤكد على مواصلة الشارع التصعيد الرافض للانقلاب. وأشار إلى أن إكمال لجان المقاومة للميثاق السياسي الذي ينتظر إعلانه الأسبوع المقبل سيسهم في مضي العمل السياسي والفعل الثوري معنا نحو تحقيق أهداف الثورة، وتحقيق مطالبها المتمثلة في إسقاط الانقلاب والسلطة المدنية الكاملة.
إلى ذلك، دعا خبير الأمم المتحدة المعني بحقوق الإنسان في السودان آداما دينغ، السلطات السودانية للتوقف عن استخدام العنف المفرط في مواجهة المتظاهرين السلميين ورفع حالة الطوارئ في البلاد.
واختتم دينغ، الأربعاء، زيارة للسودان استمرت لخمسة أيام، التقى خلالها مسؤولين وبعثات دبلوماسية وناشطين ومدافعين عن حقوق الإنسان، بالإضافة إلى زيارة سجن سوبا جنوب الخرطوم وعقد لقاءات مع معتقلين ولقاءات أخرى مع ضحايا الانتهاكات وأسرهم.
ودعا، خلال مخاطبته مؤتمراً صحافياً أمس الخميس بمباني المفوضية السامية لحقوق الإنسان، وسط الخرطوم، السلطات إلى وضع حد لاستخدام القوة المفرطة ضد المحتجين ورفع حالة الطوارئ، وإطلاق سراح جميع المحتجين والناشطين الذين ما زالوا محتجزين، مع ضمان إجراء تحقيقات فورية ونزيهة في الادعاءات المتعلقة بانتهاكات حقوق الإنسان، مشيراً إلى أن القيام بذلك من التزامات السودان بموجب القانون الدولي لحقوق الإنسان وقد يؤدي إلى تخفيف حدة التوتر.
وعبر دينغ عن قلقه من استخدام السلطات الذخيرة الحية ضد المتظاهرين منذ انقلاب 25 أكتوبر/تشرين الأول الماضي، والذي أدى إلى مقتل 82 شخصاً، وإصابة أكثر من 2000 آخرين بينهم عدد من النساء اللواتي تعرضن لأعمال عنف جنسي، فضلاً عن الهجوم على المستشفيات وتخويف الإعلام واستخدام العنف والتعذيب تجاه المتظاهرين.
وقال: “لأسباب وعوامل ثقافية ولانعدام الثقة في المنظومة الأمنية، لا يعلن ضحايا الاغتصاب عما حدث لهم من انتهاكات، مؤكداً ضرورة فتح السودان صفحة جديدة في ملف حقوق الإنسان والحريات والعدالة”.
ولفت دينغ، إلى الآثار السلبية لاستمرار حالة الطوارئ على حقوق الإنسان، والاعتداءات على المرافق والكوادر الطبية، والتضييق على وسائل الإعلام والصحافيين، والاعتقال والاحتجاز التعسفي للمتظاهرين والناشطين في مجال حقوق الإنسان، واستخدام التعذيب وغيره من ضروب سوء المعاملة. وأعرب عن قلقه كذلك بخصوص توسيع نطاق سلطات قوات إنفاذ القانون والقوات الأمنية أثناء حالة الطوارئ والحصانة المؤقتة الممنوحة لهذه القوات من الملاحقة القضائية.
وأبدى الخبير الأممي تطلعه لتلقي تقارير حول التحقيقات بخصوص الانتهاكات لحق الحياة وحالات العنف الجنسي منذ الانقلاب، مؤكداً ترحيبه بإنشاء النائب العام لآليات قضائية للتحقيق في الانتهاكات وضرورة أن تكون التحقيقات سريعة ونزيهة ومستقلة وأن تؤدي إلى تحقيق العدالة والإنصاف للضحايا.
وأكد أنه ظل يرصد حالة حقوق الإنسان في السودان منذ تعيينه في نوفمبر/ تشرين الثاني الماضي، مشيراً إلى أن زيارته الرسمية الأولى للخرطوم أعطته الفرصة لمراقبة الوضع عن كثب.
وقال دينغ، أيضاً: “لقد تأثرت تأثراً عميقاً بشهادات الخسارة والمعاناة التي سمعتها من العديد من الضحايا وأقاربهم وقصص عن أحباء قتلوا أو أصيبوا بجراح أثناء مشاركتهم في احتجاجات سلمية ومنع الأسر من زيارة أبنائهم وبناتهم في مراكز الاحتجاز”. وأضاف: “إنني أحييهم على صلابتهم وإصرارهم على تحقيق العدالة والمحاسبة”. وتابع: “خلال اجتماعاتي مع السلطات، رحبت بالتقارير التي تشير إلى الإفراج عن ما لا يقل عن 100 شخص من الاحتجاز هذا الأسبوع، ودعوت إلى الإفراج الفوري عن جميع الأشخاص الآخرين الذين ما زالوا محتجزين”. وأكمل: “أشرت للسلطات إلى الكيفية التي تسهم بها الأزمة السياسية والاقتصادية في تراجع تمتع الشعب السوداني بالحقوق الاقتصادية، والاجتماعية، والثقافية، خاصة الفئات الأكثر ضعفاً، والنساء والأطفال، الذين كانوا بالفعل في حالة هشاشة أصلاً”.
وناقشت اجتماعات دينغ مع السلطات كذلك، الحالة في دارفور والفجوات القائمة في مجال حماية المدنيين، خاصة التأخير في عمل قوة حفظ الأمن، وأوضاع النازحين الذين مازال بعضهم يقتل، ويتعرض للإصابة، أو العنف الجنسي بما في ذلك في سياقات النزاع القبلي، مشدداً على الحاجة لمحاسبة الجناة والتسريع بإنفاذ الترتيبات الأمنية المتضمنة في اتفاق جوبا للسلام. ويشار إلى أن عدد القتلى في النزاعات والعمليات المسلحة التي وقعت في إقليم دارفور حسب التنسيقية العامة للنازحين واللاجئين، وصل إلى 300 شخص منذ بداية الانقلاب العسكري، فضلاً عن الجرحى وحالات الاغتصاب ونزوح المئات من مناطقهم بسبب عدم الاستقرار في المنطقة، فضلاً عن تورط حركات مسلحة وقوات محسوبة على السلطات في نهب وإحراق مقرات تابعة للأمم المتحدة.
وينتظر أن يلتقي الخبير الأممي، المفوضة السامية لحقوق الإنسان الأسبوع المقبل، لمناقشة مخرجات زيارته للسودان قبل إجراء حوار في مجلس في حقوق الإنسان بشأن حالة حقوق الإنسان في السودان، في الرابع من مارس/آذار المقبل.
وأكد دينغ في ختام المؤتمر الصحافي، أنه سيواصل رصد حالة حقوق الإنسان في السودان وإشراك جميع الجهات ذات الصلة بالتقرير المكتوب عنها، الذي سيقدم لمجلس حقوق الإنسان في يونيو/حزيران المقبل.
في الموازاة، قال نائب رئيس المجلس السيادي، قائد قوات الدعم السريع محمد حمدان دقلو (حميدتي) في تسجيل مصور، إن روسيا تمتلك الحق للدفاع عن مواطنيها وشعوبها، ويجب على العالم أن يدرك ذلك، مشيراً إلى أنه حق مكفول وفق القانون والدستور. وتأتي زيارة حميدتي لروسيا وتصريحاته الأخيرة، في ظل بدء موسكو غزو أوكرانيا، الذي يقابله رفض دولي واسع وتهديدات بفرض عقوبات على موسكو من قبل واشنطن والاتحاد الأوربي. ورغم تأكيد حميدتي في التسجيل المصور الذي نشرته مواقع روسية، سعادته بزيارة روسيا واعتباره ما تقوم به روسيا حماية لشعوبها، إلا أن الخارجية السودانية نفت إدلاء حميدتي بأي تصريحات لأي وسيلة إعلامية حول أي موضوع كان على الإطلاق، مؤكدة أن ما تم تداوله ادعاءات لا تعدو كونها محض تلفيق واختلاق لا أساس له من الصحة.
وحسب الخارجية الروسية، التقى وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف بحميدتي، أمس، وناقش اللقاء التطورات الداخلية في السودان، وطالب لافروف القوى السياسية في البلاد بالامتناع عن أي خطوات قد تؤدي لتصعيد جديد للتوتر، مشدداً على عدم جواز التدخل في الشؤون الداخلية السودانية.
إلى ذلك، عبر حميدتي عن امتنان السلطات السودانية للدعم الروسي في المحافل الدولية، خاصة مجلس الأمن الدولي والأمم المتحدة. وأشار إلى أن اللقاء أسهم في خلق تفاهمات جديدة للعمل المشترك والاستفادة من الفرص الكبيرة التي يوفرها السودان في مجالات الزراعة والصناعة التحويلية والنفط والغاز وغيرها من المجالات الاقتصادية.