مكانة متقدمة للإمبريالية الروسية

التصنيف الشائع لأنظمة الحكم الشمولي الاستعماري، يبعد الكثيرين عن الخوض في وصف السياسة الروسية في عهد فلاديمير بوتين بالإمبريالية، رغم أنها باتت أكثر من ظاهرة وأقرب للتجسيد العملي لها في العقد الأخير من القرن الحالي، اعتنق اليسار السوفييتي والعربي سابقاً المصطلح لمناهضة سياسات أمريكا والغرب حول العالم، التي طغت عليها سياسة الهيمنة والقوة والإخضاع لدول وشعوب، منذ نهاية القرن التاسع عشر حتى مطلع القرن الحالي، بقي السلوك الإمبريالي من جانب واحد مناط بسياسات الولايات المتحدة وحلفائها، حتى انهيار الكتلة الشرقية وتحررها من الهيمنة السوفييتية، وساهم سقوط جدار برلين مطلع تسعينيات القرن الماضي، بتسيد العالم قطب أوحد رسخته أمريكا في المنطقة العربية وحول العالم في سياسات فرض الهيمنة والقوة والاحتلال المباشر وفرض الإملاءات على الدول والشعوب.

نطاق فرض الهيمنة

وحين ننطلق إلى الجانب الآخر الذي كان “مقاوماً” نظرياً لهذه السياسات وتزعمته موسكو وأيدلوجيتها الماركسية في عقود الحقبة الشيوعية، إلى أن وجدت نفسها خارج نطاق فرض الهيمنة وفشلها التاريخي في تحقيق أغراض مشابهة للسيطرة الإمبريالية، لم يجد النفوذ الروسي الطريق لإعادة تعريف نفسه كقطبٍ ثانٍ في العالم سوى في تقليد السلوك والسياسة الإمبريالية نفسها، والذي أخذ أبشع أشكاله في عهد فلاديمير بوتين بتنفيذ أجندة تتفوق في بعض نقاطها على الساحة السورية مع ما مارسته إمبريالية أمريكا والغرب في مناطق عدة حول العالم.
تنامي الدوافع الروسية الاستعمارية من البوابة السورية والأوكرانية، للعودة للمسرح الإمبريالي يستند لرغبة بوتين في تحقيق معادلة اقتسام الهيمنة بذرائع الدفاع عن مصالح روسيا الاقتصادية والسياسية والأمنية، يغرف فلاديمير بوتين من قاموس الذرائع الإمبريالية كل الحجج في مناهضة استقلال الدول، ومحاربة تقرير مصيرها بأدوات استعمارية، وممارسة الإرهاب في حده الأعلى من القوة الباطشة لدولة عظمى، في سوريا اليوم، براهين فائضة عن الإثبات لتجربة هذه القوة، وممارسة سياسة التدمير الشامل والاحتلال المباشر فضلاً عن تقويض تطلعات الشعب السوري في الحرية والكرامة والمواطنة، وإجهاض كل القرارات الدولية الداعية لوقف القتل والتدمير، ودعم الديكتاتوريات العربية والأنظمة العسكرية والتحالف والتنسيق مع العدو الإسرائيلي.

الأحلام القيصرية

سياسة موسكو الإسرائيلية والجورجية والشيشانية والسورية ، وبخطوطها العامة والرئيسية في أوكرانيا اليوم، تلتقي كل الإمكانيات الاستعمارية التي تحدد المفهوم الروسي المقلد بطريقة همجية إمبريالية أمريكا حول العالم، وتأتي عملية الاعتراف بالمناطق الانفصالية في أوكرانيا كردة فعلٍ عنيفة لمصادرة التاريخ وتزويره، وقمع الحريات والديمقراطية ولإعادة موقع أحلام “القيصرية” الروسية التي يروج لها بوتين من زاوية التهديد الذي تتعرض له من حلف الناتو، والآن في ظل المشهد الذي يرتسم أمامنا في أوروبا اليوم على وقع استعراض القوة الروسي، مقابل مشهد العالم العربي وتأثير السياسة الروسية في إجهاض الثورات العربية بذريعة محاربة الإرهاب والحفاظ على ” الدولة وترابها الوطني”

ممارسة الإرهاب الروسي

في سوريا اختصار لممارسة الإرهاب الروسي على الشعب السوري باستخدام بروباغندا إمبريالية، مقابل تحليل دعم تفكك دول أخرى ودعم الانفصاليين بالإرهاب المباشر بقوة عظمى متسلحة بمهارات عصابات متدربة جيداً مع سلوكٍ فج وغليظ في المنظمات الدولية واستخدام الفيتو لإدانة إجرام النظم الديكتاتورية، وممارسة موسكو لسياسة النهب الإمبريالي في سوريا وفرضها اتفاقات إذعان عسكري واقتصادي مع النظام السوري، يعيدنا ذلك فقط إلى سلوك الولايات المتحدة المنتهج منذ بداية القرن الماضي حول العالم.
الصراع القائم الآن بين إمبريالية موسكو وإمبريالية أمريكا وحلفائها، قائم على نظرة واحدة من النفاق والذرائع، والاعتراف الإمبريالي بالهيمنة وتحقيق المصالح لا علاقة له بسيادة الدول ومصالح الشعوب والدفاع عن القانون الدولي والإنساني، فسياسة “دعهم يتكلمون ودعنا نعمل هي التي تتحقق” في سوريا مثال فج عن هذه السياسة التي تُركت لصالح تمدد القوة الروسية، وفي الحفاظ على بطش النظام ووجوده، وبالإعتراف الأمريكي الصريح بسيطرة المحتل الإسرائيلي على القدس ومرتفعات الجولان وبشرعية الاستيطان والدعم المطلق لإسرائيل، تضعف شروط التنديد الغربي باعتراف موسكو باستقلال أوسيتيا وضم شبه جزيرة القرم، وأخيراً الاعتراف باستقلال المناطق الانفصالية في أوكرانيا أو وقف التهديد الروسي بغزو أوكرانيا.
أخيراً، يحلو لبعض صحافة الأنظمة القمعية في العالم العربي، أن تعقد سلسلة من الاعجابات بغطرسة فلاديمير بوتين، وبعضلات موسكو المساندة لبطشها، ويحلو لبعض أيتام موسكو من اليسار العربي التطلع لسلوك موسكو في أوكرانيا وقبلها في سوريا كمنقذ لها من ورطة تاريخية وأخلاقية، لن تسترد بذرائع كلما دقق المرء فيها لا يجد في جوهرها إلا الروح الأمريكية المشبعة بإمبريالية وهيمنة يصح أن تتربع موسكو عليها بجانب من تدعي مناهضتها وتقلد حرفياً كل البشاعة التي اشتكت منها.

كاتب فلسطيني

كلمات مفتاحية

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

  1. يقول نزار بدران:

    بوتين يحارب كل نفس ديمقراطي أينما كان، ليمنع أن تصل العدوي إلى روسيا وترسله إلى مزبلة التاريخ، قد ينعكس السحر على الساحر، وينهض الشعب الروسي من سباته، فهو شعب عظيم. شكرا للكاتب

إشترك في قائمتنا البريدية