المعمارية هالة يونس: التجارة العقارية تغزو حوض المتوسط وفي لبنان وقاحتها مخيفة

زهرة مرعي
حجم الخط
0

«ما تبقى» معرض يُظهر علاقتنا الاستهلاكية بالطبيعة

بيروت ـ «القدس العربي»:   هالة يونس معمارية لبنانية وأستاذة جامعية وقيمة على معرض «ما تبقّى» الذي مثّل لبنان في بينالي البندقية سنة 2018 من خلال فكرة مهنية ووطنية. تمثّلت المناسبة بمرور 100 عام على نهاية المجاعة التي عاشها بقسوة سكّان جبل لبنان إبّان الحرب العالمية الأولى. تناولت يونس في هذا المعرض حوض نهر بيروت من المنبع في ترشيش، إلى المصب على شاطئ البحر. مساحة شاسعة تجمع بين البيئة والجغرافية والزراعة والعلاقات الإنسانية، وبالطبع الحركة العمرانية.

«ما تبقّى» عنوان قاربته هالة يونس بعيداً عن معايير الربح الوفير من خلال المهنة. بل انطلقت من دور المعمار في توفير أفضل ظروف عيش، وفرح وأمان مع الطبيعة. هذا المعرض الذي حلّ مؤخراً في «بيت بيروت» ويستمر إلى 20 من الجاري تأجل افتتاحه في بيروت أكثر من مرّة، بسبب الانتفاضة، ومن ثمّ الجائحة وتالياً انفجار الرابع من آب.
«ما تبقّى» فكرة تجسّدت بالصور الفوتوغرافية التي تولاها ستة من المصورين وعبر موضوعات متعددة. وتجسّدت بالمسح التوبوغرافي الجوي للمساحة الجغرافية المستهدفة، والتي تميزت بكونها مجسماً مشغولاً وفقاً لشرايين الحياة في هذا المكان، ومن خلال الإضاءة المتغيرة تبعاً للهدف. وهذا المسح قدّمه الجيش اللبناني.
تخشى هالة يونس من عودة المجاعة مجدداً إذا كان البناء والتجارة العقارية العشوائية تشكل هاجساً مستمراً وبتصاعد. وفي الوقت نفسه لا تفقد الأمل من إنقاذ «ما تبقّى» من مساحات غير مبنية. ولا تفقد الأمل من أننا سنغير سلوكنا مع الطبيعة من علاقة استهلاك إلى علاقة متعة.
مع المعمارية هالة يونس هذا الحوار:
○ «ما تبقى» كلمة تحمل تحذيراً غير مباشر بمعنى انتبهوا. أين وجدت صداها؟
•في الحقيقة لم تجد صدى مباشرا. إنما كان للسنتين الأخيرتين اللتين مرتّا بتاريخ لبنان أن تمنحا الكلمة معنى مختلفاً.عملياً تمت المشاركة سنة 2018 في بينالي البندقية، وكان مقرراً عودة المعرض إلى لبنان سنة 2019 ومن بعدها يكون الصدى أو لا يكون. الإنهيار المالي سبق عودة المعرض وكان صداه كبيراً. فقد منحني حقي، وأكّد صوابية التحذير. قلنا «ما تبقى» ونحن نقصد رصيدنا من الأرض غير المستثمر في التجارة العقارية. اكتسب التحذير أهميته نظراً لإرتباط السوق المالي بالسوق العقاري. فالسوق العقاري شكّل الأداة لإدخال الأموال إلى لبنان. ومع بدء الانهيار المالي أسرع من لديهم بعض المال لشراء العقارات. تاريخياً يشكل العقار أماناً، إنما المخيف في واقعنا الحالي أن يتجه الدعم الدولي لإنقاذ لبنان من أزمته المالية، مجدداً نحو عودة دعم الاستثمار في السوق العقاري، كونه عاملاً محركاً للاقتصاد. وعندها بالتأكيد سيتم القضاء على «ما تبقى». من المخيف في مرحلتنا هذه أن يكون قطاع البناء هو العجلة الأساسية للاقتصاد. في حين أننا نحتاج لاقتصاد منتج بعيد عن المضاربة العقارية، وتشييد الأبنية التي تعجز غالبية الناس عن شرائها.
○ لماذا وقع اختيارك على منطقة نهر بيروت من المنبع إلى المصب؟
•تكمن فكرة تقديم هذا الطرح المتعلّق بـ«ما تبقى» من خلال تسليط الضوء على قطعة أرض من جبل لبنان. وأن يكون الاختيار لمساحة أرض يعرفها أكبر عدد من الناس. والهدف أن يفهموا الرسالة التي نريد ايصالها. انطلقت الفكرة من أهمية أن نتناول حوضاً مائياً. فمن شأن الماء أن تربط جغرافياً بين المناطق. لجأنا إلى النهر كمجاز للإضاءة على مناطق تترابط عبر شريان حيوي هو الماء. أردناه إطاراً جغرافياً موحداً وهو وادي النهر. ومن أسباب هذا الاختيار أن هذه المنطقة مميزة بجمال طبيعتها. وهي بقيت بحدود معنية بعيدة عن الفورة العمرانية حتى سنة 2005 والسبب انتشار مراكز للجيش السوري فيها، مما ساهم نسبياً بالحفاظ على هذا الوادي. كما وبرزت في هذا الوادي مبادرات بهدف الحفاظ عليه، ومن بينها عمل موحد يجمع البلديات. كانت الدراسات بتمويل فرنسي، وأخرى بتشجيع ورعاية من النائب السابق غسان مخيبر. جميعها لم يصل إلى نتيجة. لماذا؟ فأهالي وادي نهر بيروت غير مدركين بما فيه الكفاية لحدود ترابطهم جغرافياً، وأهميته. لهذا أردت خلق هذا المجسّم الذي يشكّل جزءاً أساسياً من المعرض، لتبيان الترابط فيما بينهم بالعين المجرّدة. وكيف للاشكاليات الجغرافية أن تجبرهم للعمل معاً.
○ تقولين بأننا أضعنا ثقافة الأرض حين اعتزلنا الزراعة. كمعمارية كيف برأيك نعيد بناء هذه الثقافة؟
•من خلال التربية والتوعية وعلم الجغرافيا. بالطبع ليس المطلوب أن نستمر بزراعة القمح في جبالنا، فنمط اقتصادنا تغيّر. ومن ترك الأرض سيفتقد ما كان يتعلمه عبر الفطرة، ويصبح مجبراً على التعلُّم من خلال الكتاب. أبناء المزارعين يعرفون الكثير عن الجغرافيا والأرض، في حين أنّ الأجيال التي تكبر على شرفات المدن، تستقي معرفتها من الكتب. في الواقع نادراً ما نجد تلامذة يحبون مادة الجغرافيا، كونها تُدرّس بجفاف وتجرد، وحتى أنها تُدرّس بسطحية. الجغرافيا مادة ضرورية وأساسية بخاصة حين نتكلّم عن الاستدامة والموارد. وليس لنا القيام بالمطلوب منا حيال الأرض من دون تجديد وتحديث علم الجغرافيا. بعد نيلي للهندسة المعمارية أنجزت دراسة ماجستير بالجغرافيا. فقد وجدت أن العمل في ترتيب الأراضي قد يكون من خلال دراسة التنظيم المُدني. لكنه لن يدخل إلى عمق اشكاليات الإستدامة دون دراسة الجغرافيا.
○ إن كنت في موقع مسؤولية له صلة بالأرض والبناء فما هو القرار الأول الذي تتخذينه؟
•القرار الأول هو إعادة تنظيم جذري لمديرية التنظيم المُدُني. بواقعها الحالي هي مديرية تنظيم عقاري. نحتاج لخلق سياسة تنظيم مُدُني من مبادئها وأولوياتها الحفاظ على الموارد واستدامتها. فالثقافة السائدة في لبنان أن مساحات الأرض جميعها حاضرة للبناء. بمعنى أن ملكية الأرض تتيح حق البناء. والصحيح هو الفصل بينهما، فملكية الأرض لا تمنح حق البناء التلقائي. وبمعنى آخر إن لم تُرخّص الدولة الحق بالبناء، فليس من واجبها التعويض المالي. حق البناء مرتبط بسياسات التنظيم المُدُني، وسياسة الامتداد المنطقي. استرسلنا في البناء غير المنظّم ما رتّب مزيداً من استهلاك الطرقات والطاقة، ومزيداً من شبكات الهاتف، والمياه والصرف الصحي ورفع النفايات. فصرنا في وضع كارثي. ليس مزاجاً أن يقرر أحدنا البناء هنا أو هناك فهذا يرتّب خدمات على البلدية، ويؤدي لكلفة باهظة على المجتمع.

○ بناء للنظرية اللبنانية أن ملكية الأرض تمنح حق البناء يمكن القول بأن الشير وحده انتصر على الباطون والحديد؟
•يمكن القول أن الشير نأنى بنفسه عن السوق العقاري. نحتاج في هذه المرحلة لإعادة صياغة سياسة التنظيم المُدني. نحن حيال سياسة تشرذم، وهي مُكلفة جداً على البنى التحتية للمجتمع. يجب وضع مصلحة المجتمع العامة قبل المصلحة الخاصة وسياسة «حارة كل مين أيدو إلو».
○ المعروف أن السماسرة والتجّار في لبنان يتغلبون على أهل الاختصاص في الرأي والقرار؟
•هذا أكيد. والأكيد كذلك أنهم يمسكون بمفاصل الدولة. وهي دولة فاسدة وتالفة كما بات واضحاً. المضاربة العقارية موجودة في كافة أرجاء العالم. ودول عدّة وخاصة في حوض البحر الأبيض المتوسط تشهد ضغوطات لتغيير السياسات العامة للبناء. والهدف الاستثمار في مناطق لم يكن البناء متاحاً فيها. يحدث هذا، انما ليس بحجم الوقاحة التي نعرفها في لبنان.
○ ما رأيك بعودة الناس إلى الأرض بعد الأزمة الاقتصادية؟
•للعودة إلى القرى والأرض أسباب عدّة منها عدم قدرة البعض على دفع بدل الإيجار في المدن، فبعضهم يطلبه بالدولار الفريش. أما العودة للأرض بهدف العيش من محصولها فهو وهم. من دون سياسة دعم زراعي حقيقي العودة للأرض لن تصبح واقعاً. ويبقى شأن الزراعة على الشرفات فمختلف تماماً. أما النظر إلى الزراعة كقطاع اقتصادي جدي فيحتاج للاستثمارات، والماء والأسمدة والحماية والأسواق. العودة للأرض لا تقتصر على زرع عدة جلول قرب المنزل، فدورها بهذه الحال لا يتعدّى المتعة الشخصية ولمسة فولكلور. كورونا والأزمة الاقتصادية ساهمتا بتلك العودة، أما الزراعة المنتجة فتستدعي سياسات دعم.
○ ماذا عن زيارة تلامذة المدارس لمعرض «ما تبقى»؟
•توجهت برسائل للمدارس بهذا الهدف، وشجعنا على الزيارات ضمن مواعيد محددة مسبقاً، وهذا ما بدأت تباشيره. نأمل أن تتوسع تلك الزيارات لتطال أكبر عدد ممكن من جيل المستقبل. ففي هذا المعرض مضمون تربوي مهم، وهو مستمر إلى 20 آذار/مارس الحالي.

كلمات مفتاحية

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إشترك في قائمتنا البريدية