الضغوط الاقتصادية والغربية أدت إلى تباين مواقف الدول المغاربية من الأزمة الأوكرانية

حسن سلمان
حجم الخط
0

تونس – «القدس العربي»: قال محللون مغاربة إن الضغوط الغربية والاقتصادية وتداخل المصالح والعلاقات مع روسيا وأوكرانيا دفعت بلدان المغرب العربي لاتخاذ مواقف متباينة من التدخل العسكري الروسي في أوكرانيا.
وكانت ليبيا أول دولة عربية تدين الغزو الروسي لأوكرانيا، حيث انتقدت نجلاء المنقوش وزيرة الخارجية في حكومة عبد الحميد الدبيبة، الهجوم العسكري الروسي على أوكرانيا، الذي اعتبرته انتهاكاً للقانون الدولي.
كما اعتبر رئيس الحكومة الجديدة فتحي باشاغا، أن هجوم روسيا على أوكرانيا هو “انتهاك واضح للقانون الدولي ولسيادة أوكرانيا الديمقراطية”.
ولم تدلِ موريتانيا بأي موقف رسمي حول التدخل الروسي في أوكرانيا، لكنها صوتت لصالح قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة، الذي يدين “العدوان الروسي” على أوكرانيا، ويطالب موسكو بسحب قواتها العسكرية فوراً.
وتميّز الموقف التونسي بـ”التذبذب”؛ ففي البداية فندت الخارجية التونسية (بشكل غير مباشر) حديث السفير الأوكراني عن إدانته لـ”العدوان الروسي” على بلاده، حيث دعت الطرفين إلى “تغليب منطق الحوار وتسوية النزاع بالطرق السلمية”.
لكن تونس صوتت لاحقاً مع القرار الأممي، وبررت ذلك بالقول إن موقفها “يأتي انتصاراً لمقاصد ومبادئ ميثاق الأمم المتّحدة”.
وخلال استقباله، الأحد، للسفير الروسي الجديد، دعا وزير الخارجية التونسي عثمان الجرندي، إلى “الاحتكام إلى الحوار، والمفاوضات تظل السبيل الأمثل الكفيل بنزع فتيل الأزمة والحيلولة دون مزيد من التصعيد وتدهور الأوضاع الإنسانية”.
لكن الدكتور عبد اللطيف الحنّاشي، المحلل السياسي وأستاذ التاريخ المعاصر في جامعة منوبة (تونس)، يرى أن الموقف التونسي “عقلاني لأنه يستجيب لمبادئ الأمم المتحدة (التي تعارض غزو بلد لآخر)، وخاصة أن الصيغة التي جاء بها القرار تؤكد وجود عدوان على بلد مستقل، كما أن سياسة تونس منذ الاستقلال -والتي أرساها الزعيم الحبيب بورقيبة في جميع خطاباته حول العلاقات الدولية- هي الانسجام والتفاعل الإيجابي مع مبادئ الأمم المتحدة، كما أن الموقف التونسي كان دوماً مع الغرب ولم يتخلّ عنه في جميع سياساته، وهذا من ثوابت السياسة الخارجية التونسية”.
ويبدو أن مصلحة تونس حالياً كانت تستدعي هذا الموقف “باعتبار أنها تعيش حالياً أزمة اقتصادية خانقة، وكذلك أزمة سياسية، وهي بحاجة لمساعدة الدول الغربية. ويجب ألا ننسى أن دولاً تعتبر صديقة لروسيا على غرار الصين وكوبا وفنزويلا وتركيا، صوتت مع القرار أو امتنعت عن التصويت، وبالتالي فموقف تونس عقلاني (كما أسلفت) ويستجيب للظروف التي تمر بها ولقناعتها الدبلوماسية”.
ويضيف لـ”القدس العربي”: “في كلمته عقب التصويت على القرار الأممي، طلب وزير الخارجية التونسي بعدم الكيل بمكيالين، وهو كان يشير للدول الغربية التي أدانت التدخل الروسي في أوكرانيا ولم تتخذ نفس الموقف تجاه احتلال الولايات المتحدة للعراق ودول أخرى”.
كما يشير الحناشي، إلى أن علاقة تونس بأوكرانيا هي أكبر بكثير من علاقتها بروسيا، فـ”على المستوى الاقتصادي ثمة مبادلات تجارية كبيرة، وهناك أيضاً عدد كبير من الطلبة التونسيون يدرسون في أوكرانيا، فضلاً عن وجود علاقات زواج وعلاقات ثقافية وغيرها”.
وحرصت الجزائر على عدم إبداء أي موقف ساسي حول ما يحدث في أوكرانيا، حيث اقتصرت البيانات التي أصدرتها الخارجية الجزائرية على وضع الجالية الجزائرية في هذا البلد، كما قررت الجزائر عدم التصويت لصالح القرار الأممي الذي يدين روسيا.
وترى الدكتورة نبيلة بن يوسف، أستاذة العلوم السياسية في جامعة تيزي وزو (الجزائر)، أن امتناع الجزائر عن التصويت في الجمعية العامة للأمم المتحدة “يمثل في حد ذاته موقفاً وقراراً سيادياً حكيماً ووسطياً نابعاً من المنطق السليم التي ترتكز عليه عقيدة الدبلوماسية الجزائرية. إذ لا يمكن أن تصوت ضد ميثاق الأمم المتحدة القاضي باحترام سيادة الدول وعدم الاحتكام إلى القوة أو التهديد بها في العلاقات الدولية، لكن في الوقت ذاته هي على وعي أن الدول بحاجة لحماية حدودها وصون أمنها القومي، وما زالت تدعو الأطراف إلى تغليب لغة الحوار على لغة السلاح”.
وترفض بن يوسف ما يذهب إليه بعض المراقبين حول اعتبار موقف الجزائر محاولة لإرضاء روسيا التي تتمتع بعلاقة وثيقة بالجزائر، وخاصة في المجال العسكري، فضلاً عن محاولة الاحتفاظ بالشركاء الاقتصاديين الأوروبيين، وتكتفي بالقول إن القرار يعتبر “موقفاً شجاعاً يُحسب للجزائر، وهو قرر قد لا يستطيع البعض اتخاذه في هذا الوقت العصيب الذي يعيشه العالم أجمع”.
وعن الجدل المثار حول زيارة وزير الخارجية الإيطالي والحديث عن تعويض الجزائر لروسيا في تزويد أوروبا بالطاقة، تقول بن يوسف لـ”القدس العربي”: “هي زيارة في إطار الأمن الطاقي الأوروبي. فإيطاليا من الدول ذات الاتفاقات الكثيرة مع الجزائر في هذا الخصوص، ولم يحصل أن قطعت الجزائر إمداداتها حتى في ظل العشرية السوداء، بل أكدت مراراً أنها ملتزمة بالاتفاقيات”.
وتوضح أكثر بالقول: “إمدادات الغاز الجزائرية إلى أوروبا في حدود 50 مليار متر مكعب سنوياً، وهي لن تكفي لتغطية أوروبا مثلما هو الحال بالنسبة للغاز الروسي، لكن الجزائر تلتزم بما تعهدت به من إمدادات من خلال الأنبوبين المارين إلى أوروبا عبر البحر المتوسط إلى إسبانيا وإيطاليا”. ويبدو أن المغرب اختار موقفاً مغايراً لبقية الدول المغاربية، حيث فضل عدم المشاركة في جلسة التصويت على القرار الأممي.
وهذا الموقف يرى الدكتور إدريس لكريني أستاذ العلاقات الدولية في جامعة القاضي عياض (المغرب)، أنه “تقدير خاص بالمغرب، يستحضر فيه تقييمه للوضع، وأيضاً هو قرار من منطلق سيادي اتخذه المغرب اعتباراً للوضع الحالي الذي تتصارع فيه الأحداث والمواقف، وما يتطلبه الأمر من عدم الانجرار إلى التصعيد والتحريض بصورة تعكس كذلك المساهمة في إعداد الأجواء لبلورة حلول ومقاربات سلمية قد تفضي إلى إنهاء الحرب الجارية، خصوصاً أن هناك مجموعة من المبادرات الجارية إلى حدود الساعة من قبل عدد من القوى الدولية”.
ويضيف لـ”القدس العربي”: “البلاغ الذي أصدرته وزارة الخارجية المغربية قبل بضعة أيام، وخصوصاً في بداية دخول القوات الروسية إلى أوكرانيا يعبر عن موقف المغرب الواضح إزاء ما يجري، حيث أكد ضرورة احترام وحدة وسيادة الدول ونبذ استخدام القوى في العلاقات الدولية أو مجرد التهديد بها، بالإضافة إلى الحث على استخدام السُبل السلمية لتسوية النزاعات. وهذه مبادئ يقوم عليها القانون الدولي والأمم المتحدة، وهي تعبر عن موقف المغرب الواضح إزاء ما يجري، من خلال استحضار الشرعية الدولية في هذا الخصوص”.

كلمات مفتاحية

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إشترك في قائمتنا البريدية