من سيكون العدو الاستراتيجي للجزائر والمغرب؟

حجم الخط
36

في نظر رئيس أركان الجيش الإسباني السابق، لا يشكل المغرب في الوقت الراهن تهديدا مباشرا للأمن القومي الإسباني. غير أن السؤال هنا هو ما الذي جعل الجنرال فيرناندو أليخاندري يصرح الأحد الماضي لموقع «أوبجكتف» الإخباري بذلك؟
ربما كان المبرر هو أن خروجه الإعلامي تزامن مع ظهور كتاب أصدره الشهر الجاري، تطرق فيه إلى عدة مسائل تهم الأمن القومي الإسباني، مقدما فيه عدة مقترحات ونصائح من قبيل، ضرورة الاستعداد المسبق لتجنب أي حرب قد تندلع مستقبلا مع المغرب بسبب سبتة ومليلية. غير أن الأمر لم يكن قطعا محض مصادفة عابرة، فمن الواضح أن التقاطع بين المسار الحالي للعلاقات الإسبانية المغربية، وما قد تشهده المنطقة من تحولات ربما تكون مؤلمة وجذرية، بفعل الحرب الروسية في أوكرانيا، بما سيؤثر في دور إسبانيا وأوروبا في الشمال الافريقي، ما قد يكون فرض في جانب ما على الأقل ظهور مثل تلك التصريحات في هذا الوقت بالذات.
وليس مستبعدا أن تكون الرسالة، التي أرادت مدريد أن تبعثها، ولو بشكل غير مباشر، للرباط من وراء ذلك، هي أن موجات العداء التي تتصاعد بقوة في إسبانيا نحو المغرب، خصوصا من جانب بعض الأحزاب اليمينية المعروفة بمعاداتها له، ينبغي لها أن لا تحول دون تحريك العملية السياسية، التي تعرف تعثرا ملحوظا يمنع ترميم علاقة الجارتين، ووضعها من جديد على السكة. وقد يكون ذلك خيارا ظرفيا وتكتيكيا عاجلا بالنسبة للإسبان، بعد أن قلب الروس الطاولة على التوازنات العالمية التقليدية، وبات أفق المشهد الذي سيتشكل بعد الحرب ضبابيا وغامضا. ولعل الروس سيصدقون بسرعة ما قاله لهم وزير زراعتهم الخميس الماضي، في أعقاب اجتماعه بالرئيس بوتين، من أن أمنهم الغذائي مضمون رغم العقوبات المفروضة على موسكو، لكن من سيصدق بعد أن قال الأخير، إن أسعار الغذاء العالمية سترتفع أكثر، إذا ما كثفت الدول الغربية الضغوط الاقتصادية على روسيا، إن الأمن الغذائي لعدة دول في العالم سيبقى حينها مضمونا؟ إن وطأة ذلك الارتفاع المتوقع ستُحس وبأقدار مختلفة في كل أرجاء العالم، وفي الشمال الافريقي، حيث لا تزال الحدود بين أكبر بلدين مغاربيين مقفلة منذ عدة عقود، وفرص التعاون والتكامل بينهما ضائعة ومهدورة بالكامل، يزداد السؤال عما إذا كانت الحرب الروسية في أوكرانيا ستفتح في الأخير أعين الجارتين اللدودتين على المخاطر التي تهددهما معا جراء تلك الحرب، وما ستتركه على اقتصادهما من تبعات وآثار، حضورا وحدّة؟ ولا شك في أن كثيرين دأبوا على سماع الرئيس الجزائري وهو يردد في أكثر من مناسبة، أن لا مشكلة للجزائر مع المغرب، لكن هل كان من الضروري أن لا يقف هؤلاء أبدا عند ذلك الحد، ليدركوا المغزى الحقيقي لتلك التصريحات؟ لقد كان عبد المجيد تبون يضيف، بمجرد أن ينتهي من ذلك النفي وبشكل آلي، استدراكا لا تستقيم الجملة من دونه وهو، أن المغرب هو من له مشكلة مع الجزائر.

يزداد سؤال ما إذا كانت الحرب الروسية في أوكرانيا ستفتح في الأخير أعين الجزائر والمغرب على المخاطر التي تهددهما معا جراء تلك الحرب

وعلى اختلاف العبارات والصياغات فإن الرباط كانت بدورها تلقي الكرة في المرمى الآخر، فهي ترى أنها ليست سبب التوترات المستمرة، وأن الطرف المقابل هو من يتحمل وحده الوزر والمسؤولية عن الوضع الذي وصلته العلاقات، لأنه لم يفلت فرصة للتصعيد ضدها، وأدار الظهر لكل المحاولات والمبادرات التي عرضتها للحوار والتفاوض على القضايا الخلافية بين البلدين. والسؤال الكلاسيكي الذي يسأله الجزائريون ويردون عليه بشكل سريع وجاهز، بعد أن تحول إلى ما يشبه العقيدة الراسخة بينهم، هو ليس إن كانت بلادهم مستهدفة أم لا، ولكن ممن؟ إن اصابع اتهامهم تذهب فورا ومن دون تردد إلى جارتهم الغربية، لكن من قال إن المغرب ليس مستهدفا بدوره، لا في استقراره فحسب، بل حتى في وحدته الترابية أيضا؟ ألا يقول المغاربة هنا أن جيرانهم الشرقيين هم من يشعلون نار التمرد العسكري الصحراوي، ويمولون ويسلحون ويدعمون في المحافل الدولية تنظيما انفصاليا مسلحا يهدد وحدة أراضيهم؟ لا شك في أن أقل استنتاج يخرج به كل من يسمع تلك الاتهامات المتبادلة، هو أن كل واحد من البلدين هو عدو للآخر، وأن خططهما واستراتيجيتهما تقوم في جزء كبير منها على ذلك الاعتقاد، لكن إلى متى سيستمر ذلك؟ ألم يحن الوقت بعد ليدرك البلدان المغاربيان الكبيران، أن هناك طرفا ثالثا قد يتربص بهما معا ويغذي أسطورة عدائهما الأزلي لبعضهما بعضا، حتى يحقق جزءا من أهدافه الكبرى في الشمال الافريقي؟ لم يستغرب كثيرون ما ذكرته مجلة «الجيش الجزائري» في افتتاحية عددها لشهر مارس/ آذار الجاري من أن «جهات معروفة بحقدها على البلاد تواصل بث السموم وترويج الأكاذيب على أمل عرقلة مسيرة الجزائر الجديدة» فما كتب لم يفاجئ أحدا. لقد اعتادت المؤسسة العسكرية الجزائرية على مثل ذلك الخطاب، وكانت الجارة الغربية هي المقصودة دائما بوصف «الأطراف والجهات المعادية». فهي من كانت في نظر سلطات الجزائر تقف وراء كل الأزمات والمشاكل، وحتى الكوارث الطبيعية التي مرت بها البلاد، بل إن ما حصل في وقت ما هو أن شبح المواجهة العسكرية خيم بقوة على البلدين، وبدا وكأنهما قد وصلا بالفعل إلى شفا حرب كلاسيكية مفتوحة بينهما، غير أن عدة عوامل جعلتهما يكبحان في النهاية جماح اندفاعهما، ولا يقدمان على قطع الخطوة الأخيرة نحو السقوط في ذلك المستنقع. لكن هل ستحصل المفاجأة الكبرى ويحمل العدد المقبل، أو الذي يليه من مجلة «الجيش الجزائري» تغيرا ما في افتتاحيتها بشكل يجعلها تتحدث عن عدو آخر للجزائر غير المغرب؟ وهل سيكون بإمكان الرباط أن تنظر للنصف الملآن للكأس، وتفصل مثلما فعلت أواخر الثمانينيات بين علاقاتها بالجزائر وموقف الأخيرة من النزاع في الصحراء؟ إن واحدة من مفارقات الكوميديا السوداء التي تعيشها المنطقة المغاربية هي، أن مساعدة وزير الخارجية الأمريكي ويندي شيرمان، التي حلت الأسبوع الماضي في إسبانيا، زارت بعدها المغرب والجزائر، لإجراء مباحثات مع المسؤولين فيهما، تحت عنوانين بارزين هما، الحوار الاستراتيجي الأمريكي المغربي ثم الأمريكي الجزائري، لكن هل كان من الممكن حقا أن يوجد حوار استراتيجي بين بلدين خارج السياق الإقليمي والدولي المحيط بهما، وبمعزل عن علاقة طرفين من أطرافه ونعني بهما المغرب والجزائر ببعضهما بعضا؟ لا شك في أن ترتيب الأوضاع لمرحلة الحرب الروسية، ثم للمرحلة التي ستليها هو ما دفع الأمريكيين للتحرك في المنطقة. والسؤال الاستراتيجي الكبير هنا هو، هل سيكون من مصلحة واشنطن أن ينتهي العداء المغربي الجزائري، وأن يتحول البلدان إلى شريكين متضامنين ومتكاملين؟ إن جزءا كبيرا من الجواب سيرتبط بمن سيصبح في تلك الحالة في نظر الجزائر والمغرب عدوا استراتيجيا مشتركا لهما. ووحده التفكير في الجهة المرشحة لذلك قد يصيب كثيرين بالرعب، وآخرهم سيكون بالتأكيد رئيس أركان الجيش الإسباني السابق الجنرال فيرناندو.
كاتب وصحافي من تونس

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

  1. يقول م/ب اولاد براهيم:

    1) ..نعم ومن خلال التجارب التاريخية السابقة . ومن خلال الواقع المعاش والملموس . النظام المغربي ( ولا اقول الشعب ) هو الذي له مشكل مع الجزائر ( وليس الجزائر فقط) وهذه المشكلة وعبر الازمة صار ككرة الثلج تكبر وتكبر. واول مشكلة مشكلة النظام ( ملكي رجعي ) و(جمهوري تقدمي ) ضدان لا يلتقيان . الشعبان ايضا كل يريد التسويق لممراسات نظام بلدة ولكن الكفة تميل الى احدهما و ختى لا اقول ( الشعب الجزائري . احتراما..) النظرة المشحونة بالربى اللتفوق في جميع المجالات وعلى كل الاصعد . وكان باكان المغرب ان يستغب هذا التطور من اجل التقارب أكثر فأكثر على الاقل فيتوظيف اليد العاملة ( المعاربة معرفون باليد العاملة النشطة ) ومصادر الطاقة البديلة والنظيفة . والغريب في الامر ان المغري بان المغرب فوت على شعبه وبلده فرصة لاتعوض . واعتقد جازما ان المسؤولين المغارية يعظون اصابعهم على هذه الفرصة .. يتبع

    1. يقول عبد الهادي:

      كمغربي أريد أن أعرف رأي الجزائرين إذا قام المغرب بستقطاب مليشيات إرهابية و زودهم بالسلاح لكي تقسم الجزائر و تقتل الجنود الجزائريين الذين ينتمون الى الشعب الجزائري كما تفعل الجزائر مند 1975 يجب أن لانكون منافقين

  2. يقول م/ب اولاد براهيم:

    ) .. اعداء الجزائر الاستراتجيين واضحين وضوح الشمس في ربيعة النهار ومافتئت تنعتهم نهارا جهارا ولاتخاف ولاتتخبى ( الفقر الجهل التخلف الاستدماربجملع اشكاله واطروحاته وانواعه. الصهيونية.. ) ومادون ذالك فالسياسة ليس فيها عدو دائم ولاصديق دائم . وبالنسبة للجزائر لا المغرب ولا اسبانيا , اعداء استرتجيين .تخلف الرؤى والاهداف وحق الجورة والنوايا ..الخ ولكن ليس بدرجو خلق العداوة الاستراتيجية … الى الاخ ابن الوليد هذا نوع جديد من التهريج والهيستيريا والشيطنة والحقد الدقين والحسد على النعمة التي يتمتع بها الشعبان الشقيقان كما هوتعبير دفين عن العزلة . ألآ تدري ان الحدود الجزائرية التونسة مرسومة منذ عهد باي تونس وبعد ثورة الخبز بتونس وقيل دخول فرنسا هذا من جهة . ثم انالحدود بين البلدين رسمت في ثمنينات القرن الماضي وصادفت عليها الهيآت التشريعية للبلدين ( المغرب الوحيد من7 دول مازال يتماطل ويتهرب) يتبع

  3. يقول أمازيغ:

    الأمل كل الأمل أن تتمكن الروس من مواجهة فرنسا التوسعية واسبانيا في شمال إفريقيا وتصالح بين الجزائر والمغرب .ستكون فعلا ضربة قوية لفرنسا التوسعية واسبانيا في المنطقة.
    نحن شعوب سئمنا من التفرقة والكراهية التي زرتها فينا اللصوص الاوروبيون.

  4. يقول ايمن:

    الجزائر أعلنت دعمها لجبهة البروليساريو منذ 1963 أي مباشرة بعد استقلالها و في ذلك الحين كانت الصحراء الغربية مستعمرة إسبانية ٠فهل يعقل أن تسمح لدولة أخرى باحتلالها من جديد من طرف المغرب الاقصى و هي التي اقتسمتها مع موريتانيا فلو كانت ارضا مغربية هل تقبل بتقسيمها مع دولة أخرى ٠ كما أن التقسيم تم بطريقة سرية و بمباركة إسرائيلية و أمريكية و فرنسية و الهدف هو زرع قضية شائكة بمثابة قنبلة تفكك منطقة المغرب العربي و تزرع الفرقة و الشتات و هو ما نعيشه حتى اليوم و بالتالي إلقضية الفلسطينية في المشرق و القضية الصحراوية في بلاد المغرب العربي حتى لا تقوم للعرب قائمة

  5. يقول محفو:

    عدو دول المغرب العربي قديما وحديثا هي فرنسا الإستعمارية وحلفاءها من الصهاينة والفرونكو بربر المفسدين في الأرض،

  6. يقول Mihamed:

    المغرب قدم يده للجزائر مرارا و تكرارها و الأخيرة تصعد.. المشكلة في الجزائر التي تمول و تسلح الجزائر الجنوبية. أي ملشيات البوليزاريو

1 2 3

إشترك في قائمتنا البريدية