ربما عند الكثيرين، فان المنافسات الحقيقية لدوري أبطال أوروبا تبدأ من ربع النهائي، كون المواجهات من العيار الثقيل والتي عادة تكون حاسمة خلال الموسم، تبدأ في هذا الدور.
قبل قرعة دور الثمانية التي أجريت يوم الجمعة الماضي، كان الاعتقاد السائد على وجود خمسة فرق مرشحة للقب بنسب مختلقة، أبرزها مانشستر سيتي الساعي للقب أول، وليفربول المرعب المتألق، وريال مدريد الخبير، وتشلسي حامل اللقب والعملاق البافاري بايرن ميونيخ، اما أتلتيكو وبنفيكا وفياريال ففرصها شبه معدومة. فكان من الطبيعي ان يتلاقى اثنان من المرشحين على الاقل في هذا الدور.
وبحسب القرعة فان «بعبع» تشلسي ظهر مجدداً للريال حامل الرقم القياسي في عدد الالقاب (13 مرة)، فرغم ان العملاق الملكي ما زال منتشياً بالانتصار بأحد أبرز المرشحين على اللقب باريس سان جيرمان بصورة درامية في دور الـ16، الا ان كثيرين يدركون انه انتصر على بطل من ورق، وان الفريق الباريسي حقيقة يعاني بشدة، رغم احتوائه على أكبر الاسماء في عالم اللعبة على غرار ميسي ومبابي ونيمار وحكيمي ودوناروما وفيراتي، الا انه بالكاد لعب بروح الفريق الواحد، ليس فقط في هذه المسابقة، بل طيلة الموسم في كل المسابقات، ومع ذلك سأعتبر انتصار الريال باللقب، لو حصل في نهاية مايو/آيار المقبل، أفضل انتصار من جهة نوعية الفرق التي واجهها لتحقيق اللقب، فبعد سان جيرمان، واذا نجح في اقصاء «بعبعه» تشلسي فانه قد يواجه أتلتيكو في دربي مدريد، أو الارجح المرشح الأبرز السيتي، واذا تخطاه سيلاقي على الأرجح أحد العملاقين ليفربول أو البايرن في المباراة النهائية.
لكن لماذا تشلسي هو «بعبع» الريال؟ الجواب ببساطة لأن الريال أخفق في الفوز بأي من المباريات الخمس السابقة التي جمعته بالنادي اللندني في المسابقات الأوروبية، بل أن مدرب تشلسي توخيل لم يخسر مع أي من فرقه ضد الريال في ست مواجهات (فاز مرتين وتعادل 4)، لكن الاهم أن لا شيء تقريباً اختلف عن تشكيلة الفريقين مقارنة بالموسم الماضي، عندما نجح تشلسي في كسح النادي الملكي بالجهد والطاقة والتنظيم، سوى ان الملكي أضاف آلابا وكمافينغا والمدرب «الثعلب» أنشيلوتي، في حين ضم تشلسي المهاجم «المختفي» لوكاكو، فلن تتغير الفكرة والمضمون، ما دام الاعتماد على الثلاثي مودريتش وكروس وكازيميرو وبنزيمة وربما المتحسن محلياً فنيسيوس، لكن تشلسي ورغم الأزمة المحيطة به بسبب العقوبات على مالكه، الا أن التاريخ يعلمنا ان التألق يخرج من رحم المعاناة، وان اللاعبين كمجموعة يصبحون أكثر تضامناً وتعاضداً وشراسة من ذي قبل. وضم الريال لاعبين اثنين من تشلسي في السنوات الاخيرة هما الحارس كورتوا والجناح هازارد البعيد عن مستواه، كما أن أنشيلوتي سبق له تدريب تشلسي عام 2009 وقاده الى احراز الثنائية المحلية في موسمه الاول معه قبل ان يقال من منصبه في الموسم الثاني بعد خروج فريقه خالي الوفاض. يذكر ان الفريقين توجا بالمسابقة القارية 6 مرات في آخر 10 سنوات، الريال أربع مرات أعوام 2014 و2016 و207 و2018، وتشلسي عامي 2012 و2021.
ويتوجه أتلتيكو مدريد الى مدينة مانشستر الانكليزية الشمالية مرة أخرى بعد اقصاء يونايتد ليواجه الطرف الآخر السيتي. كما واجه أتلتيكو فريقا انكليزيا آخر يبعد عن مدينة مانشستر نحو 50 كلم وهو ليفربول في دور المجموعات وخسر أمامه ذهابا وايابا 2-3 وصفر-2. ولم يلتق الفريقان من قبل، ولم يتوج أي منهما بلقب المسابقة، فخسر السيتي نهائي العام الماضي في المرة الوحيدة التي بلغ فيها المباراة النهائية، أما اتلتيكو فسقط عند الحاجز الاخير ثلاث مرات اعوام 1974 و2014 و2016. لكن الصراع سيكون بين «مهوسين»، الأول هو مدرب السيتي غوارديولا الذي رغم براعته وعبقريته الا ان فرقه تدفع ثمن السقوط عند الحواجز الاخيرة بسبب تفكيره الزائد على الحد وهوسه باجراء تغييرات جذرية غير مألوفة على تكتيك الفريق في أوقات حاسمة، على غرار ما حصل بسقوط السيتي أمام موناكو في 2017 وليون في 2020 وتشلسي الموسم الماضي. وهو سيلاقي «مهووسا» آخر هو سيميوني، الذي بسبب هوسه المغاير لهوس غوارديولا لم يقو على تغيير أي شيء على تكتيك وأسلوب لعب أتلتيكو على مدى أكثر من عشر سنوات.
في المقابل، رأفت القرعة بالعملاقين البايرن وليفربول حيث أوقعتهما في مواجهة فريقين في متناولهما أقله على الورق، وهما فياريال وبنفيكا. لكن يظل صاحب أسلوب اللعب «الصاخب» يورغن كلوب يطارد رباعية ممكنة هذا الموسم، في حين يتحسس مدرب البايرن ناغلسمان طريقه مع الكبار. وتقام مباريات ربع النهائي في 5 و6 نيسان/أبريل ذهابا، و12 و13 منه إيابا، على أن تقام مباراتا نصف النهائي في 26 و27 الشهر المقبل ذهابا و3 و4 أيار/مايو إيابا، فيما يحتضن ملعب «استاد دو فرانس» بباريس المباراة النهائية في 28 منه.