لم يستطع المواطن المغاربي أن يضع حدا لغلاء الأسعار، ولم يستطع التأقلم معها، حال من ليس بيده حيلة. وما دام يوهمونه بأنها تخضع للسوق العالمية تارة، ومضاربات الجشعين من أصحاب المخازن تارة أخرى. فكيف في إمكان هذا المواطن أن يعيش دون» سميد» (دقيق) الذي اختفى من المحلات مع اقتراب شهر رمضان؟ لا سيما وأن المسألة ترتبط بتوقيف استيراد القمح من بلدين ممولين للمنطقة المغاربية وهما روسيا وأوكرانيا، ودخلتا حربا لا يعلم أحد كيف ومتى ستنتهي.
نقل «موقع المغرب الأوسط» عن هذه الأزمة التي تشهدها مواد مثل الزيت والسميد، في الجزائر: «عادت الإشاعات حول ندرة بعض المواد الواسعة الإستهلاك وبالخصوص الزيت والسميد في الأسواق والمحلات، لتصنع الحدث والجدل وسط الجزائريين، منذ أيام، وعادت معها بعض الظواهر التي تحول الأزمة المفتعلة إلى واقع، على غرار تهافت المواطنين على اقتناء المواد محل الإشاعة بكميات غير معتادة وتكديسها في البيوت ما من شأنه خلق ندرة حقيقة والإضرار باستقرار السوق ومواطنين آخرين، خاصة وأننا على أبواب الشهر الفضيل». وأضاف الموقع أنه تم «تداول صور عبر مواقع التواصل الاجتماعي خاصة منها فيسبوك، عن رفوف فارغة من هذه المادة وتسابق مواطنين في عدد من دول أوروبا وحتى دول عربية على اقتنائها، ما ساهم في تغذية الإشاعات التي تفيد بوصول الأزمة للجزائر كأحد الأثار الناجمة عن الأزمة القائمة بين روسيا وأوكرانيا.
الجزائريون الناشطون تفاعلوا على فضاءات التواصل الاجتماعي بشكل كبير مع الأخبار المتداولة حول «موجة جديدة» لندرة المواد الغذائية، بشكل من التذمر وكذا الاستهزاء من تصرفات بعض المواطنين الذين انساقوا وراء الإشاعة وتهافتوا على اقتناء المواد المعنية، وتم في هذا الصدد تداول صور لمواطنين وهم يقتنون كميات كبيرة من الزيت وكذا أكياس السميد، في خطوة قد تساهم في خلق ندرة حقيقة في الأسواق الجزائرية أياما قبل شهر رمضان».
أما السيد «القصوري» المنسق الجهوي للوسط في المنظمة الجزائرية لحماية المستهلك، فقال في تصريحه لـ»المغرب الأوسط» إن تلك التصرفات هي نتيجة عدم ثقة المستهلك في السوق بالنظر إلى أنه عاش في سنوات ماضية تموينا متذبذبا، سواء كان في الكميات أو أسعار المنتوجات، فبات في كل موسم، سواء رمضان أو أعياد أخرى أو غير ذلك يستعد بإذخار بعض المنتوجات».
وأضاف الموقع: نفسه «نحن نعلم أن السميد مستخلص من القمح الصلب والجزائر أصبحت في اكتفاء ذاتي من هذه المادة منذ 2019، أما القمح اللين الذي تصنع منه مادة الفرينة، فلا تزال تستورده، وما وقع حاليا أن المستهلك اتبع بعض الأخبار التي لا تفرق بين القمح الصلب والقمح اللين، وربطوا استيراد القمح بصفة عامة دون تميز بالأزمة الأمنية بين أوكرانيا وروسيا، لأنهما من بين أهم الدول المصدرة له». ومع هذا فلا يمكن ايجاد هذه المادة في المحلات التجارية، ويبقى هوس الأمن الغذائي بسبب أحوال العالم المرتبكة تطبع سلوكات المواطن الاستهلاكية. ويبقى الادخار حلا. وشتان بين إدخار اليوم و»عولة» (المؤونة السنوية) النساء في الماضي التي كانت تقهر كل الظروف والأوضاع. مزيدا من الطمأنة والوعي يرحمكم الله. بينما هناك من ربط «ندرة» ووفرة السميد بالسياسة، مثلما عبرت مواطنة تونسية (نور الهدى بجية) كتبت على صفحتها «أنا كمواطنة تونسية إذا وجود السميد والفرينة مربوط برجوع الغنوشي وعصابته للحكم. ناكل التراب والضلف بعزة وما حاشتيش بسميد الذل». وهذا بمناسبة عيد الاستقلال التونسي. وبسبب من ينتقد الرئيس سعيد بأنه سبب في الأزمة التي يعبشها الشعب التونسي، وهذا حسب «وليد خليفي» الذي نقل منشور مواطنته «نور الهدى».
جدل تكريم «السائحي» وتعيين «القاسمي»
شهدت الجزائر مؤخرا جدلا كبيرا، خاصة بين أوساط المثقفين، بسبب تكريم الشاعر «محمد الأخضر السائحي» من طرف «الألكسو» وكذلك تعيين عميد الجامع الأعظم السيد مأمون الحسيني القاسمي، الذي لم يرق لسلفيي الجزائر وحتى الطرق الصوفية الأخرى كالتيجانية، على سبيل المثال. فبشأن تكريم الأخضر السائحي وترشيحه من طرف وزارة الثقافة، رصد موقع «أصوات مغاربية» مختلف آراء المعارضين لذلك الترشح والمدافعين عن الشاعر محمد الأخضر السائحي، التي ضجت بها مواقع التواصل الاجتماعي، تحت عنوان تم ترشيحه لاحتفالية عربية. جدل حول شاعر جزائري والسبب سؤال الوطنية» حيث «تحفظ مثقفون على ذلك بعدما اتهموا الأخير بالتعاون مع المصالح الثقافية الاستعمارية. باشتغاله بمؤسسة الإذاعة في مرحلة الاستعمار وبعد استقلال الجزائر، مما حرك ضده سهام الانتقادات مجددا، خاصة بعد ترشيحه للتكريم في اليوم العربي للشعر. هذا بالرغم من توافر بعض الشهادات التي تؤكد أنه تعرض للسجن في فترة الاستعمار.
ويذكر الموقع نفسه اسم الاعلامي حميدة العياشي من المنتقدين لقرار التكريم، الذي عبر عن ذلك من خلال ما كتب عن الراحل، على صفحته على فيسبوك: «لم يكن شاعرا وطنيا. قد يبدو ذلك صادما للكثيرين ممن رافعوا عن وطنية الشاعر،لكن الحقيقة تقول شيئا آخر»!
وتساءل عمن يقف من وراء ذلك في وزارة الثقافة والفنون وتقديم اسم «السائحي» في قائمة الأليكسو، بمناسبة يوم الشعر للاحتفاء به. في الفترة التي نحضر فيها الاحتفال بستينية الاستقلال». وأضاف العياشي «كيف اتخذ مثل هذا القرار وعلى أي أساس ونحن لدينا شعراء أهم مكانة منه وأهم رمزية، وعلى رأسهم شاعر النشيد الوطني وصاحب ديوان اللهب المقدس، «مفدي زكريا» .
كما كان آخر المدافعين على ترشح «السائحي» الكاتب»سعيد خطيبي في مقال تم تداوله على العديد من الصفحات على فيسبوك والذي عنونه بـ» محاكمة الموتى» حيث جاء بأصوات مغاربية: «استقبح أستاذ جامعي أن تحتفي «الكسو» بالشاعر محمد الاخضر السائحي، وحجته أن هذا الأخير، عمل في مجلة كانت تتبع الإذاعة أيام الاستعمار. إذا سايرنا صاحبنا في كلامه، فسوف نحكم أيضا على بشطارزي، امحمد العنقى وفضيلة الدزيرية بالعمالة، بحكم أنهم عملوا، بعض الوقت، في الإذاعة نفسها».
واضاف أن «السائحي» لم يقدم نفسه يوما كشخصية وطنية واكتفى بمهنته كشاعر. ثم ما معنى الوطنية؟ يقترح صاحبنا أن نحتفي بـ»مفدي زكريا» مثلا. أنت تعلم جيدا أن «مفدي زكريا» كان غير مرغوب فيه بعد الاستقلال، وهناك من نزع عنه صفة الوطنية ومات في منفاه. هل رأيت كيف أن «الوطنية» كلمة مطاطة، تتغير بتغير الأزمان؟».
وإن لم يذكر موقع «أصوات مغاربية» ولا خطيبي الشخصية التي كان يرد عليها خطيبي، فالمقصود هو الشاعر والأستاذ عبد الله حمادي، الذي كان من أوائل من انتقدوا ترشح السائحي.
كما كتب الأستاذ يوسف شنيتي منشورا على صفحته على فيسبوك بعنوان «خلل ما في القصيدة»: «عندما تبرر وزيرة الثقافة والفنون الجزائرية ترشيحها الشاعر السائحي لمنظمة أليكسو باعتباره من أهم الشعراء الجزائريين دفاعا عن قضايا أمته، فهذا يعني أن هناك خللا ما في القصيدة، في الاختيار وتغييب التاريخ والوطنية معا. ارحموا ذاكرتنا من الإساءة حينما يتعلق الأمر بصورة البلد وثقافته».
كذلك الأمر بعد تعيين الشيخ مأمون القاسمي عميدا لجامع الجزائر الأعظم فبين الإشادة بالتعيين باعتباره شخصية دينية جامعة لما تتسم به الزاوية القاسمية من وسطية وكونها على المذهب الأشعري. تداولت منصات التواصل الاجتماعي خطبة له ينتقد جمعية العلماء المسلمين، ويتهم الطيب العقبي أحد مؤسسيها بالتطرف والغلو. واعتبر تعيين الشيخ مأمون القاسمي على رأس جامع الجزائر عنوان مرحلة جديدة، كما جاء في جريدة «الحوار»: «تريد أن تدخلها البلاد بعد طي صفحة سوداء من تاريخ الدم عاشتها خلال تسعينيات القرن الماضي بسبب الفتاوى المضللة والأفكار الدخيلة كان هدفها التشكيك في هوية الجزائر وانتمائها، كما يعتبر اللبنة التي أتمت السيادة بكاملها والتخلص من التبعية والوصاية».
وأضافت «الحوار»: «وما أن أعلن عن اسم الشخصية التي تضطلع بمهمة تسيير هذه القلعة والمنارة العلمية حتى انقسم الناس بين مرحب ومهنئ، ومستبشر بهذه القامة العلمية المعروفة بوسطيتها واعتدالها طيلة مسيرتها الدعوية التي تعكس الشخصية الجزائرية وبين آخرين لم يرحبوا بتعيين هذه الشخصية الجزائرية واعتبروا هذا التعيين إقصاء وإبعادا لأفكار تبلورت وزرعت في سنوات الغفلة. وكخلايا هجينة أرادوا لها أن تنبت في أرض الشهداء، وقام كل واحد من هؤلاء في استدعاء أفكار قديمة تم توظيفها في معترك الصراع الدائر حول هذا الموضوع نسمع على وسائل التواصل الاجتماعي نقدا وتحليلا وألفاظا وعبارات كقولهم (القبوريون) إشارة الى طائفة تتوسل وتطلب من الموتى في القبور لدفع ضرر أو جلب نفع». وواصلت «الحوار» في عرض مقال «قسول جلول» وهو باحث وإمام مسجد القدس في حيدرة عن الموضوع وعن المنتقدين لتعيين رجل صوفي باعتبار أن «الصوفية بدعة مضلة. وإن الزوايا منشأ للطرق الصوفية فهي ضالة مضلة وقد قيل عنها إنها محضنة للإرهاب وداعمة للاستعمار». والقصد من المنتقدين لتعيين مأمون القاسمي عميدا للجامع الأعظم برتبة وزير، السلفيين، فمما جاء على إحدى صفحاتها (صفحة قناة التوحيد والسنة)، حسب «الطريق نيوز»: «للأسف وقع ما كنا نخشاه ولا حول ولا قوة إلا بالله، والله لو كان مستشفى لكان أفضل من أن يصبح على هذا الحال والله المستعان». وصفحة أخرى (السلفي الجزائري على منهاج النبوة): «لا حول ولا قوة الا بالله. سيطرة الصوفية». في الواقع فإن العداء قديم بين الصوفية من جهة وجمعية العلماء المسلمين من جهة أخرى. وبين السلفيين من جهة والصوفية من جهة أخرى. وبين الطرق الصوفية في ما بينها. كل شيء قابل للنقد والجدل في غياب الاجماع وسبر الآراء وإشراك المواطن في العديد من القرارات المصيرية.
٭ كاتبة من الجزائر
السائحي كان ملء السمع و البصر في عصره .. لغته على صوته كانا انغاما و موسيقى لكثير من مستمعيه و متابعيه!
و قد اصاب من قال : لو يحاكم كل من عاصر الاستعمار بتولي وظيفة في عهده، لما سلم اكثر رموز البلد و شخصياته الوطنية من ادانة!