واشنطن بوست: عقيدة بوتين هي خليط من التدين الأرثوذوكسي والفاشية الروسية وهوس بتدمير أوكرانيا

إبراهيم درويش
حجم الخط
3

لندن ـ “القدس العربي”:

قال المعلق ديفيد إغناطيوس بمقال نشرته صحيفة “واشنطن بوست” إن الحرب التي مضى عليها شهر تقريبا في أوكرانيا تؤشر إلى حالة عقلية معقدة للرئيس الروسي فلاديمير بوتين وخطيرة في الوقت نفسه.

واعتبر الكاتب أن حرب الأسابيع الماضية كشفت عن رجل مهووس بأوكرانيا وغاضب على جنرالاته، ويشعر بالرهاب من أعدائه في الداخل والخارج ويغلف أفعاله بلغة روحية، بل وصوفية في رؤيتها لماضي ومستقبل روسيا. وكانت الحالة الذهنية لبوتين واضحة الأسبوع الماضي في حفلة موسيقية بملعب حيث استحضر قديسا من الكنيسة الأرثوذكسية الروسية الذي تحدث عن معاركه بأنها “عواصف رعدية” ستعيد “مجد روسيا”. وقال بوتين عن فيدور أوشاكوف، أمير البحر في القرن الثامن عشر الذي عرف عنه أنه لم يخسر معركة أبدا وطوب بعد فترة قصيرة من تولي بوتين السلطة كقديس في عام 2001، “هكذا كان الأمر في زمنه وهذا هو الحال اليوم وسيظل دائما”.

كانت الحالة الذهنية لبوتين واضحة الأسبوع الماضي في حفلة موسيقية بملعب حيث استحضر قديسا من الكنيسة الأرثوذكسية الروسية الذي تحدث عن معاركه بأنها “عواصف رعدية” ستعيد “مجد روسيا”

 وقدمت تعليقات بوتين القصيرة تذكيرا بشخصيته المعقدة وربما الخطيرة وأكثر من الصورة النمطية عنه كضابط في مخابرات الاتحاد السوفييتي (كي جي بي) الذي يريد إعادة مجد الاتحاد السوفييتي السابق. فبوتين هو رجل مختلف، فهو يؤمن بالكنيسة الأرثوذكسية، وليس ملحدا ولديه أيديولوجية تشبه فاشية بنيتو موسوليني وشيوعية فلاديمير بوتين. ويقول إغناطيوس إن محاولة اختراق لغز نفسية بوتين هي مسألة حياة أو موت هذه الأيام، في الوقت الذي تتواصل فيه الحرب الأوكرانية وينظر العالم بقلق لما يمكن أن يفعله بوتين بأسلحته الكيماوية والنووية.

ويقول الخبراء إن بوتين لا يتصرف بطريقة لا عقلانية في التحليل السريري البحت. ولكنه دخل عالما باتت فيه قراراته مدفوعة بحس مكانته العظيمة في التاريخ الروسي. وفي ذهنه فمهمته سماوية.

ويرى الكاتب أن خطابه في الحفلة الموسيقية هو نقطة البداية لفك شيفرة نظرة بوتين. فقد كانت الحفلة مخصصة لإحياء ذكرى استفتاء آذار/مارس 2014 الذي صادق على ربط شبه جزيرة القرم بروسيا وذلك بعد سيطرة القوات الروسية عليها من أوكرانيا. واستخدم بوتين التجمع كزحف بالأعلام المرفوعة لدعم غزوه الوحشي الذي بدأه في 24 شباط/فبراير. ووصف الهجوم الدموي بأنه محاولة لإنقاذ أوكرانيا وتحدث عن الواجب الديني “لتخفيف آلام الناس” واستشهد، بطريقة مدهشة بالإنجيل لكي يبرر حربه الخاطفة وقال “أستعيد كلام الكتاب المقدس: ليس لأحد حب أعظم من هذا، أن يضحي إنسان بحياته من أجل أصدقائه”.

ويقول الكاتب إن كلام بوتين هذا يبدو “لنا في الغرب معاديا بل وتجديفيا، فقد قصف جيش بوتين مستشفيات ولادة ومراكز تسوق وبيوت الأوبرا في أوكرانيا. لكن هذه رؤية منحرفة يؤمن بها بوتين. فبوتين الذي لا يظهر كثيرا إلا أنه جزء مهم من شخصيته. فقد كانت والدة بوتين ماريا “متدينة بشكل عميق” حسبما ورد في سيرة كتبها عنه ستيفن لي مايرز، فقد نجت من حصار ليينغراد في الحرب العالمية الثانية بعدما كانت تئن طلبا للمساعدة وسط الجثث. وعندما ولد ابنها فلاديمير عام 1952 قامت “بتعميد الولد سرا” كما قال مايرز.

ويقال إن بوتين ارتدى صليبا صغيرا من الألمونيوم أعطته له أمه، حسب كل من كريس هاتشينس وألكسندر كروبكو في عام 2012. ولم يظهر الصليب الصغير عندما كان ضابطا في كي جي بي. ولكنه عندما زار إسرائيل عام 1993 قال “وضعت قلادة الصليب حول عنقي ولم أخلعها من ذلك الوقت”. ويعبر إيمان بوتين العميق في الكنيسة الأرثوذكسية عن “الوحدة” بين روسيا وأوكرانيا والذي قدمه في مقاله غير المترابط الذي كتبه في تموز/يوليو الماضي. ولاحظ بوتين أن جذور إيمانه في كييف، حيث تحول القديس فلاديمير في 988 من الوثنية إلى الأرثوذكسية. وتعرض المؤمنون الأرثوذكس للاضطهاد في القرون التالية ولكنهم صمدوا في روسيا وأوكرانيا. وأعلن بوتين “نحن شعب واحد”.

 ورغم ما يظهره بوتين من حنين للاتحاد السوفييتي السابق، إلا أنه هاجم في مقاله في صيف عام 2021 السوفييت لخلقهم حسا زائفا من الهوية الأوكرانية تجسدت في جمهورية منفصلة عن روسيا الأم. وكتب “عامل البلشفيك الشعب الروسي بأنه مادة يمكن الاستغناء عنها في تجربتهم الاجتماعية”. وقال “حقيقة واحدة واضحة وضوح الشمس: لقد سرقت روسيا”. وبدلا من الشيوعية اقترح بوتين ما وصفه البرفسور في جامعة ييل تيموتي سنايدر “الفاشية الروسية”. وكان معلمها الأساسي إيفان إيليان الذي فر من روسيا عام 1922 بعد الثورة البلشفية وزار إيطاليا قبل أن يستقر في ألمانيا. وأعجب إليان بموسوليني ومدح الفاشية لأنها عبرت عن “الروح” الشعبية أو “دوخ”. ونظر إيليان لروسيا كضحية أبدية للغرب وقال إنها بحاجة إلى زعيم “رجل” الذي سيتحول إلى “عضو حي في روسيا”، حسبما قال سنايدر. وآمن بوتين بالمثال الروحي الروسي “بدءا من 2005، بدأ بوتين بإعادة تأهيل إيليان كفيلسوف البلاط في الكرملين”. وأعاد بقايا إيليان إلى روسيا ووضع الزهور على قبره واستشهد بأفكاره في مقالاته، مثل مقال نشره عام 2012 ووضح فيه رؤية إيليان لروسيا “روسيا هي عضو روحي واحد وليس لكل الشعوب الأرثوذكسية فقط، ولكن لشعوب العالم”.

 بوتين ارتدى صليبا صغيرا من الألمونيوم أعطته له أمه.. وعندما زار إسرائيل عام 1993 قال “وضعت قلادة الصليب حول عنقي ولم أخلعها من ذلك الوقت”

وفي مركز عالم بوتين، فكرة إهانة روسيا عبر التآمر الغربي. وحسب رؤية بوتين  فإن دول “الأورو- اتلانتك” فقدت بوصلتها، حسبما أورد كاتب سيرته مايرز. فهذه الدول “ترفض كل المبادئ والهويات التقليدية: القومية والثقافية والدينية وحتى الجنسية”، وهي تسير في “طريق مباشر نحو الانحطاط والبدائية”، كما قال في خطاب ألقاه عام 2013. وكان غضب بوتين على النخبة الغربية وأصدقائها في روسيا في خطاب بالفيديو ألقاه في 16 آذار/مارس حيث وصم كل من دعم “الغرب الجمعي” ضد روسيا بـ “الحثالة والخونة”. واحتقر من “لا يستطيعون العيش بدون الفطائر والمحار والحرية بين الجنسين”.

ويرى بوتين أن أعداء روسيا هم أبديون “ويعتقدون أن كل شيء هو للبيع وكل شيء يمكن شراؤه ويعتقدون والحالة هذه أننا سنهار ونتراجع. ولكنهم لا يعرفون بشكل كاف تاريخنا وشعبنا”.

ويختم إغناطيوس مقالته بالقول “ألق نظرة على العدو الغربي في أوكرانيا، فبوتين لا يبدو أنه ببساطة متنمر أو انتهازي يمكن أن يتأثر بالضغط الاقتصادي أو يهزم بالسلاح، فلديه اعتقاد بأن تدمير استقلال أوكرانيا هو واجب ديني.. وعلى الغرب والحالة هذه التعامل مع هذا المزيج المتفجر بعناية وعدم السماح له بالنجاح”.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

  1. يقول أسامة كلّيَّة سوريا/ألمانيا:

    مع أني لاأرفض ماجاء في المقال من وجهة نظر مبدئية حول شهصية بوتين التي تمزج الفاشية والدينية، لكن الكتّاب الغربيين وهنا في واسنطن بوست ليس لهم رأي منفصل عن سياسة أمريما وبالتالي رأيهم صحفي وليس علمي حتى لو تم الإستشهاد بكلام لبرفسور في المقال، ينقص كلام البرفسور نفسه الدقة العلمية.

  2. يقول ميساء:

    هههههههه كالعادة الواشنطن تطلق أحكاما بالجزاف لمن يخالفهم الرأي والعقيدة وتلك مصيدتهم لتدمير الشعوب،. اللهم انصر اخواننا في فلسطين واكسر اللهم شوكة المحتل اللعين إسرائيل كسرا لا جبر بعده أبدا أبدا أبدا أبدا أبدا أبدا أبدا أبدا أبدا أبدا أبدا أبدا قولوا آمين يارب العالمين

  3. يقول رضوان ابوعيسى:

    هل الحرب نهاية بوتين السياسية، هل ادت نجحاته في
    غروزني وحلب وعدم تدخل الغرب فيهما الى ثقة زائدة
    واقدام على محاولة احتلال كييف وانه لن يستطيع احد ان يوقف مشروعه لاعادة امجاد روسيا ودورها العظيم في تاريخ البشرية، طبعا كلها اضغاث احلام فهو ليس بالمخلص وروسيا المدمنة على الفودكا ليس لها مستقبل. مستقبل روسيا هو في اوروبا كما كانت في الاصل فيمكن ان تعود الى حضنها التاريخي بعد سقوط بوتين وظهور سياسيين وليس قديسيين لقيادة المرحلة الجديدة المقبلة لروسيا الاوروبية!

إشترك في قائمتنا البريدية