عملية الطعن التي جرت في بئر السبع أول أمس، حدثت في وقت كانت فيه القيادة المحلية للمجتمع العربي في الجنوب في ذروة حملة ضد الدورية المدنية التي شكّلها مؤخراً أحد نشطاء حزب “قوة يهودية” بهدف “تخليص النقب من مشكلة عدم وجود أمن شخصي”. الرأي السائد هو أن الدورية المسلحة ميليشيا تهدد الأمن الشخصي لقيادة العربية وللجمهور، بما في ذلك العربي، وليس العكس.
رؤساء السلطات البدوية في النقب ومنظمات مجتمع مدني مثل “صندوق إبراهيم” وجمعية حقوق المواطن، بدعم من لجنة رؤساء السلطات العربية، توجهوا إلى كل جهة ممكنة في الحكومة والشرطة ومركز الحكم المحلي، مطالبين بعدم السماح بتشكيل هذه الدورية أو دعمها. رئيس بلدية رهط، فايز أبو سهيبان، ورئيس لجنة رؤساء السلطات العربية، كانا متفقين بهذا الشأن. “إذا خرجت هذه الخطوة إلى حيز التنفيذ فسيؤدي هذا إلى فقدان السيطرة. إذا تم تشكيل مجموعة كهذه في “عومر” فإن أهالي رهط أيضاً سيطلبون تشكيل مجموعة أخرى. عندها سيكون لكل رئيس بلدية مليشيا خاصة به”، قال أبو سهيبان للصحيفة.
معارضة الدوريات بقيت على حالها حتى بعد عملية بئر السبع، لكن قيادة المجتمع العربي أدركت أنها تُواجه الآن بواقع مختلف؛ فبدلاً من المبادرة سيفرض عليهم الرد. هذا الأمر برز في سلسلة بيانات إدانة للعملية، التي نشرها الطيف السياسي والاجتماعي في النقب تقريباً بعد تنفيذ العملية على الفور؛ فعائلة منفذ العملية محمد أبو القيعان، والمجلس المحلي في حورة، ورؤساء السلطات المحلية، وحزب “راعم”، والقائمة المشتركة، ومنظمات المجتمع المدني.. جميعهم نشروا إدانة واضحة، وأظهروا توافقاً في الآراء لم يكن في النقب منذ فترة طويلة. “كانت عملية فكرية”، قال ناشط اجتماعي قديم في حورة. “لا أعرف ما الذي خطر في رأس منفذ العملية. ولكن لا شك أن ما حدث في الشبكات الاجتماعية عشية العملية حول المليشيات والتنظيمات في أوساط جهات يمينية، كان هو الدافع. وحتى لو كان الأمر يتعلق بأحد مؤيدي “داعش”، فيجب طرح مسألة التوقيت، لماذا الآن بالتحديد؟ ربما ذلك بسبب الأحداث، بدءاً بأحداث أيار من العام الماضي، ومروراً بعملية التشجير في النقب، وانتهاء بلجان الحراسة”.
جميع من ردوا في المجتمع العربي أرادوا التأكيد على أن الأمر يتعلق بإرهاب مؤيد لـ”داعش”. هذا الأمر ليس صدفياً، وهو ينبع من سببين: الأول هو محاولة التمييز بين نضال سكان النقب من أجل الاعتراف بالقرى البدوية غير المعترف بها وبين صراعات عنيفة. والثاني هو الرغبة في وقف سيل الردود المؤيدة للعملية والتي نشرتها حماس والجهاد الإسلامي. بعد مرور بضع ساعات على العملية، تقلص حجم رد المنظمتين، وعلى الرغم من أنهم يعتبرون إسرائيل عدوة، لكن يهمهم تمييز أنفسهم عن “داعش”. النضال الوطني الفلسطيني لا يمكن أن يتماهى مع منظمة كهذه.
السؤال الذي يشغل المجتمع العربي في الجنوب الآن هو: ما الذي يخبئه لهم المستقبل؟ هل ستؤدي العملية إلى التحريض ضد جميع المجتمع العربي، وإلى رد ورد مضاد سيضر بالطرفين وسيؤثر أيضاً على سكان القدس وسكان المدن المختلطة، أم أن الحكومة والقيادات العربية ستعرف كيف تخفض اللهب وتقلص التوتر؟ إدانة العملية من قبل المجتمع العربي كانت حاسمة. وسيحسنون صنعاً في بئر السبع إذا لم يتهموا مجموعة سكانية كاملة بجريمة شخص واحد. لا يمكن التقليل من ألم العائلات الثكلى، لكن في نهاية المطاف، سيضطر أحمد من حورة وموشيه من بئر السبع، إلى العيش معاً.
بقلم: جاكي خوري
هآرتس 24/3/2022