السودان: مآلات الصراعات القبلية والتقاطعات الدولية في السواحل الشرقية

ميعاد مبارك
حجم الخط
0

الخرطوم – «القدس العربي»: مع ارتفاع وتيرة التنافس الإقليمي والدولي على البحر الأحمر، يبدو أن آثار الصراع تنسحب بشكل واسع على شرق السودان في ظل استقطاب قبلي حادٍ، لا يبدو بعيداً عن التقاطعات الدولية في المنطقة.
وفي الثالث من مارس/آذار الماضي، قال نائب رئيس المجلس السيادي محمد حمدان دقلو (حميدتي)، في تصريحات صحفية، عقب عودته من موسكو، إنه لا يرى ما يمنع قيام قاعدة روسية على السواحل السودانية، طالما لا يتعارض الأمر مع المصالح السودانية. ورغم تأكيده بأن القاعدة الروسية، لم تكن ضمن أجندة زيارته إلى موسكو، إلا أن حميدتي توجه إلى ولاية البحر الأحمر بعد أيام قليلة من عودته من روسيا.
وبرر زيارته للبحر الأحمر بالوقوف على مشكلات الموانئ وتطويرها، بينما قال والي الولاية المكلف علي عبد الله أدروب إن السلطات شرعت في وضع خطط لإنشاء موانئ جديدة بالإضافة إلى الموانئ القديمة.
وبجانب زيارته الموانئ، انخرط حميدتي في لقاءات عديدة مع الحواضن القبلية هناك، التي وقعت مؤخراً اتفاق “القلد” الذي نص على ترسيم الحدود بين القبائل في الإقليم الشرقي.
وبالتزامن مع مشروع ترسيم الحدود، الذي تقوم عليه السلطات السودانية من خلال اتفاقات مع قيادات أهلية، اندلعت نزاعات بين قبائل في ولاية كسلا شرقي البلاد، حول أراضٍ تزعم كل قبيلة أنها ضمن نطاقها الجغرافي، بينما نشب صراع آخر بين مواطنين محليين ومجموعة الدعم السريع التي يقودها حميدتي، بخصوص مربعات لتعدين الذهب.
وفي الأثناء، أكدت تقارير صحفية، زيارة وفد روسي بترخيص “بعثة آثار” خلال اليومين الماضيين، ميناء عقيق الواقع جنوب البحر الأحمر. ويرى الناشط في قضايا الشرق، خالد محمد نور، أن تعزيز الصراع القبلي هو غطاء للتشويش على ما يحدث في واقع الأمر على الأراضي في شرق السودان.
وقال نور لـ”القدس العربي” إن “مسألة ترسيم الحدود خلقت صراعاً بين القادة القبليين حول الموارد، مشيراً إلى أن السيطرة على الأراضي التي تمثل عمق الدولة وتقسيمها إثنيا، يعيد سيطرة القبائل مقابل تراجع مشروع المواطنة المدنية، والذي يمكن أن يزيد من وتيرة الصراع من أجل الاستحواذ على أكبر قدر من الأراضي بما فيها ثروات معدنية وزراعية، والذي سينتقل لاحقاً لصراع حول مناطق الموانئ القومية.
ورأى أن ذلك سيفتح الباب لبيع تلك الأراضي لمن يدفع أكثر، من الداخل أو الخارج، الأمر الذي يهدد الأمن القومي بشكل مباشر. وأضاف: “حدثت صراعات قبلية مرات عديدة في شرق السودان لم تكن ولا مرة على الأرض”، مؤكداً أن الصراع على الأرض في شرق السودان مصنوع.
وتابع: “بدأت صناعة الصراع، عبر خلاف سياسي بين المجموعة الموقعة على اتفاق مسار الشرق في اتفاقية السلام في الثالث من أكتوبر/تشرين الأول عام 2020، ومجموعة المجلس الأعلى للبجا، الذي تحول لصراع ذي طابع قبلي، قاد لاحقاً لإغلاق شرق السودان وشل حركة الموانئ”.
ويرى نور أن الإغلاق تم بالتوافق مع العسكريين تمهيداً للانقلاب على الحكومة الانتقالية في الخامس والعشرين من أكتوبر/تشرين الأول الماضي، لجهة رفع الإغلاق بعده مباشرة، ومن ثم حدوث تسوية ذات طابع قبلي بين المجموعات المختلفة حول مسار الشرق التي دعمت الانقلاب لاحقاً.
ورجح أن الصراع القبلي مصنوع لأغراض تتعلق بتفكيك التضامن الشعبي، الرافض لخصخصة الموانئ والقواعد العسكرية والتعدين غير المقنن وتحويله لنزاع قبلي حول الأراضي والموارد، معتبراً إياه محاولة لنقل آليات الصراع حول الحواكير-الأراضي- في دارفور لشرق السودان، في وقت الوضع فيه مختلف تماماً في الشرق.
وأضاف: “يعمل حميدتي وفق استراتيجية معينة، تعتمد على الاستقطاب القبلي، مشيراً إلى أنه في كل مرة يقرب مجموعة قبلية حتى لا تتضخم الأخرى بشكل لا يمكن التحكم فيه”.
وتابع: “عندما تم تكوين المجلس الأعلى للبجا، دعم حميدتي مجلس الإدارات الأهلية، وعندما عقد مؤتمر سنكات، دعم مؤتمر شمبوب. ”
وأشار إلى أنه في الوقت ذاته يعمل على إقصاء المجتمع المدني بالإدارات الأهلية مشيراً إلى أن ذلك سيقود مستقبلاً إلى نزاعات أوسع داخل المجموعات القبلية و(البطون) داخلها، الأمر الذي قد يقود إلى حرب مفتوحة وشاملة في كل أنحاء البحر الأحمر.
وشدد على أن الصراع الداخلي في الشرق انعكاس لصراع دولي وإقليمي، مؤكداً أن ما يحدث لعبة سياسية وليس صراعاً قبلياً.
وأضاف نور: “بالنظر إلى ضعف التنظيمات السياسية والمجتمع المدني في الشرق ومساعي استبداله بالحواضن القبلية، يبدو أن الجسم الوحيد القادر على التصدي لهذه الخطط هو لجان المقاومة، مؤكداً أنها حائط الصد الأخير لمواجهة مخططات التقسيم القبلي و “الاستيلاء على موارد الشرق”.
ولعل تحركات لجان المقاومة، كانت الأبرز عند زيارة حميدتي للشرق، حيث أعلنت رفض الزيارة وإغلاق المدينة بالمتاريس، فضلاً عن هتاف أعضائها رفضاً للانقلاب خلال مخاطبة حميدتي لتجمعات قبلية موالية للحكم العسكري.
وهتف عضو لجان مقاومة البحر الأحمر، آدم أبو بكر ورفاقه: “السلطة سلطة الشعب والثورة ثورة الشعب والعسكر للثكنات” مقاطعاً خطاباً لحميدتي برفقة قادة أهليين، الأمر الذي انتهى إلى تعرضه للضرب العنيف ودعاوى المقاطعة القبلية”.
وقال آدم أبو بكر لـ”القدس العربي”: “رغم أنني أوسعت ضرباً، لكنني أعتقد أن الأمر كان يستحق المجازفة، لجهة النقاش الواسع الذي أثاره لاحقاً كحراك مدني موازٍ للحراك القبلي.
وأضاف: “كان الأمر يحتاج لمغامرة لكسر الحاجز وإرسال رسالة إلى الإدارات الأهلية، بأن الكيل قد طفح، وضرورة التعامل مع الخطوات الخطيرة التي يقوم بها هذا الشخص، ولإثارة نقاش بين الجماهير لجهة التوعية بأن هذا الصراع ليس من أجل الحقوق، بل استغلال للقضايا في لعبة سياسية.”
وأكمل: “بعد الانقلاب، بدأ المواطنون في الشرق يفهمون ذلك خاصة بعد الصراع الكبير بين مسار الشرق والمجلس الأعلى للبجا الذي انتهى في النهاية إلى دعم الجانبين للانقلاب، فلقد وضعوا أياديهم في أيادي بعضهم في اتفاق القلد”.
وأضاف: “نحن في لجان المقاومة موقفنا واضح من انقلاب المجلس العسكري وزيارة حميدتي للشرق، وقمنا بتحركات مناهضة للزيارة مع عمال الموانئ، وأثار ذلك نقاش نوعي متقدم سيخدم الخطاب القومي ويقاوم خطط الاستقطاب القبلي والمساعي للاستيلاء على موارد المنطقة وتوريطها في صراعات دولية خطيرة.
ولفت إلى أن الواجهات القبلية التي تعتقد أن اتفاق ترسيم الحدود سيصب في مصلحتها، لا تدرك حجم المشاكل التي ستجرها على نفسها وعلى المنطقة، وأن وجود بيوتات (بطون) عديدة داخل كل نظارة والعمودية سيقود إلى تعقيدات وصراع على الأرض والموارد داخل القبائل وبينها، و حرب غير محسوبة العواقب في شرق السودان.
وأضاف: “خطاب الأرض خطاب قديم، ظل يستخدم سياسياً في الفترات الانتقالية والانتخابات لزيادة مقاعد مجموعات معينة وزيادة نفوذها السياسي في الشرق وظهر نفس الخطاب القبلي قبل الانقلاب العسكري وها هو يتفاقم الآن”.
ولفت إلى أن زيارة حميدتي إلى الشرق بعد زيارته لروسيا وقبلها الإمارات، جددت المخاوف حول إنشاء استثمارات أجنبية في ميناء بورتسودان أو بيع الميناء، مؤكداً أنهم لن يسمحوا بذلك أبداً.
وفي السياق، قال المحلل السياسي أمين سنادة لـ”القدس العربي”: “إن ملف شرق السودان مرتبط بالتدخلات الخارجية ذات البعد الاقتصادي السياسي”، مرجحاً ارتباط زيارة حميدتي للبحر الأحمر بعد زيارته لموسكو بالقاعدة الروسية التي تواجه تحفظات داخلية وخارجية واعتراضاً من دول مطلة على البحر الأحمر.
وأضاف: “هذه المسائل تدار وفق تقديرات أمنية بعيدة عن الشفافية، ثمة ما يدار بعيداً عن الرضى الشعبي”، مشيراً لمحاولات البحث عن حواضن قبلية لتقرر في الشأن السياسي في وقت يطالب الشارع بضرورة المواطنة، بمنظور مدني، وليس بمنظور قبلي.
ولفت سنادة إلى تحول الصراع السياسي لصراع حول الموارد وتصاعد الصراعات الداخلية وفقاً للصراعات الإقليمية والدولية. وتابع موضحاً: “ما يحدث في الشرق من إشعال لصراعات وفق روافع قبلية للحد من التحول الديمقراطي، ذو صلة وثيقة بالتدخلات الخارجية ذات الطابع الاقتصادي السياسي الأمني”.
إلى ذلك، لفت الناشط في قضايا الشرق عثمان محمد في حديثه لـ”القدس العربي” إلى أن الحكومة الانتقالية قبل الانقلاب العسكري شرعت في مشاريع طموحة لتطوير الميناء الرئيس وإنشاء موانئ جديدة، وحددت البت في قضية إنشاء قواعد في البحر الأحمر بقرارات صادرة من المجلس التشريعي وأوقفت الخطوات في الصدد.
وأضاف: “بعدها تمت صناعة صراع في الشرق قوض الانتقال الديمقراطي وكل الخطط الطموحة لتنمية الشرق، مشيراً إلى تأثير ذلك على ميناء بورتسودان الذي فقد عدداً كبيراً من التوكيلات الملاحية العالمية، مرجحاً أن يكون ذلك وفق خطط لإقعاد الموانئ عن القيام بمهامها ولتسهيل الخصخصة لاحقاً وربما بيع الموانئ لجهات أجنبية أو خطط أخرى على سواحل البحر الأحمر”.

كلمات مفتاحية

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إشترك في قائمتنا البريدية