غزة – “القدس العربي”: فشلت العملية العسكرية التي شرع جيش الاحتلال بتنفيذها قبل بدء شهر رمضان، والتي أطلق عليها اسم “كاسر الأمواج”، في أول اختبار عملي لها، وذلك بتنفيذ الشاب رعد حازم المختص في مجال الكمبيوتر، عملية إطلاق النار الثانية في أكبر مراكز مدينة تل أبيب، وهي منطقة “ديزنغوف”. وأعطت العملية إشارات على أن سخونة الأوضاع الميدانية، والردود الفلسطينية، مرتبطة بالهجمات وعمليات القمع التي تمارسها قوات الاحتلال ضد القدس، ما يعني أن الأمور مرشحة للزيادة في الأيام المقبلة.
ولم تنجح الفرق الأمنية الخاصة، ولا قوات جيش الاحتلال الإضافية التي دفعت بها الدولة العبرية إلى الضفة الغربية، وعددها 12 كتيبة، ولا فرق الاحتياط التي جرى استدعاؤها، في منع ترجمة حالة الغضب الشعبي الفلسطيني، لعمليات مسلحة في وسط تل أبيب.
مخاوف داخل أركان الحكومة الإسرائيلية من قيام شبان فلسطينيين بتقليد من سبقهم في تنفيذ عمليات
وجاءت العملية بعد أسبوع من الهجمات الليلية التي تنفذها قوات الاحتلال ضد المصلين المقدسيين، بعد انتهائهم من صلاة التراويح في المسجد الأقصى، والتي تتمثل بعمليات الاعتقال والضرب المبرح وإطلاق النار وقنابل الغاز صوبهم، في مشهد يتكرر بالوتيرة نفسها للسنة الثانية على التوالي.
لكن ما كان لافتا هذا العام أن الردود الفلسطينية على اقتحامات المسجد الأقصى، لم تقف في الضفة الغربية عند حد المواجهات الشعبية، أو إطلاق نار متفرق على حواجز ونقاط عسكرية كما العام الماضي، بل تطورت لحد تنفيذ عمليات مسلحة وسط إسرائيل.
فشل استخباري
وبالرغم من التشديدات العسكرية الكبيرة لقوات الاحتلال، والتي طالت كل مناطق الضفة الغربية، وخاصة تلك التي نفذت قرب فتحات الجدار الفاصل، لمنع وصول الفلسطينيين إلى مناطق داخل إسرائيل، والتي جرى العمل بها بموجب خطة “كاسر الأمواج” العسكرية، التي بدأت إسرائيل في تنفيذها منذ العملية المسلحة الأخيرة في تل أبيب، قبل بداية شهر رمضان بأيام قليلة، إلا أن هذه العملية فشلت في تحقيق هدفها، وذلك بتمكن الشاب رعد حازم الذي تقطن عائلته مدينة جنين شمال الضفة الغربية، من اكتساح الكاسر، والوصول إلى أكثر مناطق تل أبيب ازدحاما بالحركة، لينفذ هناك عملية إطلاق نار، أدت إلى مقتل اثنين من الإسرائيليين وجرح آخرين بينهم إصاباته خطيرة.
ولم تكن عملية إطلاق النار وحدها هي من تسبب في حرج المنظومة الأمنية الإسرائيلية، بعد أن أحدثت فتحة خطيرة وكبيرة في “كاسر الأمواج”، بل أن تمكن الشاب الفلسطيني من الفرار من منطقة العملية، رغم الإجراءات الأمنية المشددة ودفع إسرائيل بنخبة من وحداتها الخاصة، والوصول إلى مدينة يافا، خلق حالة حرج أكبر لمنظومة الأمن، التي تمتلك أكثر الوسائل التكنولوجية تطورا في العالم.
ولم تكشف إسرائيل بعد عن كيفية اجتياز الشاب رعد حازم، كل الأجهزة الأمنية والقوات الخاصة التي وصلت إلى مركز مدينة تل أبيب، وحاصرتها بشكل كامل، واستخدام أجهزة الاحتلال كل التقنيات الإلكترونية والمراقبة، وطلبها من سكان تل أبيب الإبلاغ عن كل شخص مشتبه به في المكان، ليترك المنطقة المزدحمة بالسكان والتي تعج بقوات أمنية كبيرة، وينتقل من هناك إلى مدينة يافا، فيما يعتقد قادة الاحتلال، بوجود أشخاص ساعدوا هذا الشاب في الوصول إلى مكان العملية والقيام بإطلاق النار، وهو ما عبر عنه صراحه رئيس الوزراء نفتالي بينيت.
ولا يحمل الشاب تصريح دخول إلى إسرائيل، ما يعني أنه اجتاز “كاسر الأمواج” الإسرائيلي، وهي عبارة عن حواجز عسكرية، وتقنيات إلكترونية للتجسس والمراقبة، وكذلك الجدار الفاصل، الذي يفصل مناطق الضفة عن إسرائيل، والمرور من منطقة الجدار بعدة مناطق إسرائيلية دون أن يكتشف أمره، حتى وصل إلى قلب الكيان وهي مدينة تل أبيب.
كما ظهر الفشل الاستخباري، في عدم قدرة أجهزة الأمن الإسرائيلية، على التعرف على شخصية المنفذ بعد قيامه بإطلاق النار وسط تل أبيب، حيث انتظرت حتى عثرت عليه في يافا، ما يثبت فشل تلك المنظومة في أول اختبار حقيقي بعد إطلاق عملية “كاسر الأمواج”.
وفي تفاصيل التخفي، فقد استطاع هذا الشاب من الفرار من منطقة تل أبيب، تاركا خلفه عناصر القوات الخاصة الإسرائيلية، يبحثون عنه من بناية إلى أخرى، اعتقادا منهم أنه لا يزال يتواجد في منطقة الحدث، ومعه عدد من الرهائن.
ووصل الشاب رعد إلى مدينة يافا القديمة التي تبعد نحو عشرة كيلو مترات عن مكان العملية في تل أبيب، مشيا على الأقدام، ليتم التعرف عليه من قبل جهاز الأمن الإسرائيلي “الشاباك” بعد الساعة الخامسة فجرا، أي بعد أكثر من تسع ساعات على تنفيذ الهجوم، وهو قرب أحد مساجد المدينة، حيث جرى استهدافه هناك خلال اشتباك مسلح أدى إلى استشهاده على الفور.
وفي التفاصيل الخاصة بالعملية المسلحة التي نفذها رعد فإن تقارير عبرية ذكرت أنه أطلق 12 رصاصة من مسدسه، ما أدى إلى مقتل إسرائيليين اثنين وإصابة 10 آخرين جراح 4 منهم وصفت بالخطيرة، وهو ما يعني أن طلقاته أصابت جميعها أهدافها التي تواجدت في المنطقة.
أثبتت العملية فشل الخطة الأمنية الاستباقية لقوات الاحتلال التي كثفت خلال الأيام الماضية، وتحديدا بعد عملية “بني براك” في تل أبيب، والتي أدت إلى مقتل خمسة إسرائيليين، من عمليات الاعتقال لفلسطينيين، في مسعى منها لمنع أي عمليات مقبلة، ولاعتقادها بوجود احتمالية أن من بينهم من يربد أو يخطط لتنفيذ عمليات مسلحة، حيث أكدت العملية المسلحة من جديد، على الواقع القائم ما بين الفلسطينيين وإسرائيل، وأساسه رد الفعل الفلسطيني الغاضب على هجمات الاحتلال والمستوطنين خاصة ضد مدينة القدس المحتلة، علاوة على إثبات العملية من جديد، فشل أجهزة الامن في تل أبيب، في منع أي شخص ينوي تنفيذ هجوم فردي في المكان الذي يريده، خاصة وإن كان المنفذ غير منتم لأي تنظيم مسلح من قبل، كما الشاب رعد حازم، المتخصص في مجال الكمبيوتر.
كما أكدت العملية أن سياسة “العصا والجزرة” التي تنتهجها إسرائيل لن تنجح في فرض معادلات جديدة ضد الفلسطينيين، خاصة وأن إسرائيل عرضت عدة تسهيلات للفلسطينيين، وربطتها باستقرار الحالة الأمنية، إذ دللت العمليات على رفض هذه النظرية، بالتأكيد على مركزية قضية القدس.
وتحمل العملية المسلحة التي سيكون لها تداعيات كبيرة على الوضع السياسي في إسرائيل، خاصة بعد فقدان الائتلاف الحاكم برئاسة نفتالي بينيت الأغلبية البرلمانية، رسائل نارية، بأن استمرار التضييق والهجمات على القدس، سيقابل بعمليات أخرى، وذلك مع اقتراب منتصف الشهر الجاري، حيث دعت جماعات استيطانية متطرفة لتنفيذ اقتحامات كبيرة لساحات المسجد الأقصى، و”ذبح القرابين”، وهو أمر من شأنه أن يفجر موجة غضب شعبية عارمة.
وحسب تقارير عبرية فإن هناك تخوفات كبيرة حاليا داخل أركان حكومة تل أبيب وأجهزة الأمن والجيش، بقيام شبان فلسطينيين بتقليد العمليتين الاخيرتين بعد الانتشار الواسع للمقاطع المصورة التي ظهر فيها المنفذون وهم يطلقون النار ويوقعون قتلى ومصابين. وتخشى دوائر الأمن في إسرائيل بأن تؤدي قرارات التشديد على دخول العمال الفلسطينيين، وتقييد دخول سكان الصفة لمدينة القدس والصلاة في المسجد الأقصى، حسب التسهيلات التي أقرت مع بداية شهر رمضان، الى تصعيد أكبر لـ”العمليات الفردية”.
والجدير ذكره أن رئيس حكومة الاحتلال نفتالي بينيت، قرر نشر مزيد من القوات العسكرية في منطقة تل أبيب الكبرى، ونصب 100 حاجز، ضمن مساعي حكومته لاستعادة الأمن ومنع العمليات. وفي أعقاب انتهاء العملية عقد بينيت، صباح أمس الجمعة، مداولات لتقييم الوضع، وأوعز بملاحقة كل من ساعد المنفذ. وقرر استمرار إغلاق حاجز “الجلمة” حتى إشعار آخر بهدف تقييد إمكانية الحركة من مدينة جنين وإليها. أما وزير الجيش بيني غانتس فأشار إلى وجود نوايا لجيشة لتوسيع دائرة العمل العسكري ضد موجة العمليات من الناحية الدفاعية والاستخبارية، وهدد المنفذين ومن يقفون خلفهم بدفع “ثمن باهظ”.
المقاومة تنذر بالمزيد
وتحسبا لعملية عسكرية إسرائيلية ضد مدينة جنين، أعلنت تشكيلات المقاومة في مخيم جنين حالة الاستنفار، فيما باركت حركة حماس في غزة “العملية البطولية”، واعتبرتها “رداً طبيعياً ومشروعاً على تصعيد الاحتلال جرائمه ضد شعبنا وأرضنا، والقدس والمسجد الأقصى”. وقالت الحركة في تصريح صحافي “إن استمرار إرهاب الاحتلال وجرائمه، ومحاولات تهويده للقدس، وتقديم القرابين في باحات المسجد الأقصى لبناء هيكلهم المزعوم، في ما يسمى عيد الفصح تقف دونه الدماء والرصاص”. وأكدت أن المسجد الأقصى الذي يتهدده الاحتلال ومستوطنوه بالتدنيس، “سيحميه المرابطون وشعبنا والمقاومة بكل ما أوتوا من قوة وعزيمة وثبات”.
واعتبر رئيس الدائرة السياسية لحركة الجهاد الإسلامي، الدكتور محمد الهندي، أن العملية أثبتت “هشاشة” الاحتلال من الداخل، وقال “الشعب الفلسطيني يخرج من كل مكان لمواجهة الاحتلال بكل ما يملك من وسائل متاحة لديه”، لافتا إلى أن الاحتلال “فشل أمام إرادة شاب نفذ عملية نوعية”، مؤكدا أن كل تهديدات الاحتلال “لم تردع شعبنا ولن تردعه، والعمليات النوعية تُنفذ في قلب الكيان”.
كما أكدت حركة الجهاد الإسلامي، أن عودة العمليات الفدائية داخل العمق الصهيوني “هو نتيجة طبيعية للعدوان الذي تجاوز كل الحدود”. وقالت لجان المقاومة إن “العملية البطولية في تل أبيب أثبتت قدرة شعبنا الفلسطيني وشبابه المقاوم على نقل المعركة إلى عمق كيان العدو، واستطاعت أن تمرغ أنف العدو”.
وفي السياق حذرت الجبهة الشعبية من تمادي الاحتلال والمستوطنين، في الاستمرار في الاعتداءات ضد الشعب الفلسطيني، ودعت لتصعيد المقاومة بكافة أشكالها.
أما الجبهة الديمقراطية، فقد أكدت أن عملية تل أبيب التي وصفتها بـ”البطولية” “ضربت منظومة الأمن الإسرائيلية”، لافتة إلى أنها جاءت “ردا على جرائم الاحتلال وعدوانه وعنف المستوطنين”.
وفي غزة أقيمت صلاة الغائب على الشهيد رعد حازم بعد انتهاء صلاة ظهر الجمعة، بناء على دعوة وزارة الأوقاف والشؤون الدينية، وذلك بعد ليلة قامت فيها المساجد بالتكبير والتهليل عبر مكبرات الصوت، فرحا بالعملية المسلحة.
فعلا والله فلقد طفح كيل الفلسطينيين بعدما خذلهم العرب والعجم ابتداء من التطبيع المذل المهين إلى اجتماع النقب الذي سيتقب دويلة الاحتلال الصهيوني الاسرائيلي العنصري البغيض الذي يقتل أبناء فلسطين و يهدم مساكنهم بغير وجه حق